اقتصاد ومال

"رؤية العراق 2050": اقتصاد متماسك ومتكيّف مع المتغيّرات!

أطلقت الحكومة العراقية "رؤية العراق 2050" كخطةٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ تستهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، عبر إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني وتوظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، مع الاعتماد على مشروع "ميناء الفاو" و"طريق التنمية" ليكون العراق بوابةً لجزءٍ من تجارة آسيا – أوروبا، وتحقيق الاكتفاء الغذائي والمائي والطاقوي، والتطلّع في العقود المقبلة إلى تخفيض الريع النفطي بنسبة متقدمة، واقتصاد متنوّع ومستقرّ.

هذه الرؤية تُمثّل توجهًا وطنيًا جامعًا تشارك فيه الدولة بمؤسّساتها والقطاع الخاص والجامعات والمجتمع المدني والشباب، كما أنّها رسالة إلى العالم أنّ العراق بدأ يستعيد دوره كقوة منتجة وفاعلة نحو السلام والاستقرار والازدهار. وإنّ الاتجاه العام للرؤية تغطية مختلف القطاعات، ومعالجة الفجوات والاختلالات البنيوية في مؤسّسات الدولة، والعمل على أن يكون العراق بوابة عبور لـ20% من تجارة آسيا إلى أوروبا، عبر مشروع ميناء الفاو وطريق التنمية، إذ إنّ مشروع طريق التنمية سيوفر مليونًا ونصف المليون وظيفة، ويحقّق الاكتفاء الغذائي والمائي والطاقوي بنسبة 70% من خلال مبادرات خضراء مُستدامة.

تعمل الرؤية على تفادي الأزمات أو التخفيف من آثارها، والتخطيط الاستباقي للمخاطر المحتملة، لأنّ المؤسّسات الدولية غير قادرةٍ على الإيفاء بالاستجابة والحماية، إذ إنّ خطة الإصلاح الشامل تضمّنت مسارات التحوّل وهيكلية التنفيذ، ورسم المخطط التنموي المأمول، لأنّه لا يمكن الركون إلى الوقود الأحفوري كعاملٍ أحاديّ للاقتصاد الوطني، حيث إنّ التحوّلات التقنية والذكاء الاصطناعي، غيّرا شكل العالم.

تضع الرؤية الشباب والابتكار في جوهر العملية التنموية وتسعى إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني 

في خطوةٍ استراتيجية تعكس طموح العراق للخروج من سيطرة الاقتصاد الريعي، أُطلقت الرؤية كخريطة طريقٍ شاملةٍ تهدف إلى بناء دولة منتجة ومستقرّة على أسس المعرفة، والتنمية المستدامة، والحوْكمة الرشيدة، من خلال مشاركة فاعلة من القطاع الخاص والمجتمع الدولي. وتسعى الرؤية إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط، وتحقيق تحوّل نوعيّ في مختلف القطاعات الحيوية، من خلال خطةٍ تمتدّ لثلاثة عقود، تضع الشباب والابتكار في جوهر العملية التنموية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الرؤية ليست مجرّد خطة اقتصادية أو اجتماعية عادية، بل تمثّل مشروعًا وطنيًا شاملًا واستراتيجيًا يهدف إلى معالجة جذور الأزمات البنيوية التي تعاني منها مؤسّسات الدولة، وتجاوز العقبات التي تُعيق التنمية المستدامة، وذلك عبر اعتماد رؤيةٍ متكاملةٍ تجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتحوّل الاقتصادي والاجتماعي على مدى ثلاثة عقود مقبلة، إذ إنّ هذه الرؤية تقوم على مبادئ الحوْكمة الرشيدة، وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيدًا عن الاعتماد شبه الكلّي على النفط، وتعزيز الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص، مع التركيز على بناء اقتصاد سيادي متنوّع قادر على المنافسة إقليميًا ودوليّا.

بناء بنية تحتية رقمية متكاملة وتأهيل أجيال جديدة قادرة على قيادة التحوّل بما يتماشى مع التغيّرات العالمية السريعة

ومن المهمّ الذكر أنّ الرؤية ترتكز على خمسة محاور رئيسية هي بناء مجتمع حيّ ومنتج، واقتصاد سيادي متنوّع ومُستدام، وحكومة ذكية ورشيدة، وجعل الشباب محورًا رئيسيًا للتنمية المستقبلية، مع اعتماد آليات تمويل مُستدامة تضمن الاستمرارية، وتفعيل أدوات المتابعة الرقمية لضمان شفافية التنفيذ، والتكامل مع السياسات والمعايير الدولية بما يعزّز مكانة العراق على الساحة العالمية.

ومن الجدير الإشارة إلى أنّ الخطة التطويرية تشمل إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي، وتقليل الاعتماد على النفط بشكل جذري، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وتحقيق نموّ اقتصادي مُستدام يشمل قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة والخدمات، وأهمّية تفعيل دور القطاع الخاص في العملية التنموية، وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني، ودمج الطاقات الشبابية والكفاءات الوطنية ضمن خطط التنمية الشاملة، من خلال سياسات اقتصادية قائمة على الكفاءة، والتكنولوجيا الحديثة، والابتكار، إلى جانب الشراكة الفاعلة مع المجتمع الدولي، لضمان نقل الخبرات وجذب الاستثمارات.

إنّ التحوّلات التقنية، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد "الأخضر" تشكل ركائز أساسية في هذه الرؤية، إذ تسعى الحكومة إلى بناء بنية تحتية رقمية متكاملة، وتأهيل أجيال جديدة قادرة على قيادة التحوّل الشامل في قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والتعليم والصحة، بما يتماشى مع متطلّبات التغيّرات العالمية السريعة. وعلى الرَّغم من إشادة "صندوق النقد الدولي" بتمكّن العراق من الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وعلى الرَّغم من الاضطرابات في المنطقة وحالة الضبابية العالمية، إلّا أنّه يُتوقع أن تعرقل قيود التمويل وانخفاض إيرادات النفط الإنفاق المالي، ممّا سيلقي بظلال إضافية على النشاط الاقتصادي، وقد أدّى التوسّع المالي الكبير في السنوات الأخيرة إلى تزايد مواطن الضعف في العراق.

المشاريع الكبرى ليست فقط مشاريع بنية تحتية بل أدوات استراتيجية ستُعيد رسم خريطة الاقتصاد العراقي

وفي الختام، إنّ الرؤية ليست مجرّد برنامج حكومي مرحلي، بل خريطة طريق استراتيجية تعبّر عن وعيٍ عميقٍ بضرورة بناء اقتصاد متماسك وقادر على التكيّف مع المتغيّرات الدولية، من خلال تفعيل القطاعات المنتجة، ودعم الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتطوير البنية التحتية، خصوصًا في القطاعات الحيوية كالنقل، والطاقة، والزراعة. وإنّ المشاريع الكبرى التي تتبنّاها الحكومة، ليست فقط مشاريع بنية تحتية، بل أدوات استراتيجية ستُعيد رسم خريطة الاقتصاد العراقي، وتخلق فرصًا واسعةً لتشغيل الشباب، وتحقيق الانفتاح الاقتصادي على المحيط الإقليمي والدولي، إذ إنّ جميع هذه الرؤى تتضمّن أهدافًا واضحةً تتعلّق بتنويع مصادر الإيرادات، وتحسين الأداء الاقتصادي، ومعالجة الفساد، وحلّ المشكلات البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن