هي سابقة تسجل في تاريخ العلاقات الروسية -العربية، حيث ستعقد القمة في الخامس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول وسط ظروف إقليمية ودولية استثنائية، ومن شأن هذه القمة أن تعيد رسم علاقات ربما ستكون الأهم بعد سلسلة المتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية والتي كان لموسكو أثر كبير في وقائعها ونتائجها في الساحتين العربية والدولية ولما لبعض الفواعل من قدرة على التدخل والتأثير فيها.
وفي الواقع تمتد جذور العلاقات بين الجانبين إلى الحقبة السوفييتية، حيث كان لقسم من الدول العربية اعتماد رئيسي على موسكو في بعض القضايا ومن أبرزها القضية الفلسطينية وما استتبعت من وقائع، فيما ظلت بعض الدول الأخرى في موقع الحذر، إلا أن هذه الفروق تلاشت بعد الانهيار في العام 1990 وبدأ العرب أكثر اندفاعاً نحو تمتين العلاقات وقد شهدت في بدايات تلك المرحلة انفتاحاً واضحاً تم التعبير عنه بإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية بعدما كانت ولعقود سابقة علاقات فاترة.
الظروف اليوم مختلفة وثمة حاجة متبادلة روسية وعربية وهي واضحة بالنظر للقضايا التي يمكن أن تكون مسرحاً لنسج مصالح متبادلة تؤسس لمراحل متقاربة يحتاجها الطرفان في وقت ثمة هناك منافسة قوية جداً من أطراف آخرين كالولايات المتحدة والصين وغيرهما. فروسيا اليوم تبحث عن إعادة تموضع في الشرق الأوسط وتحديداً المواقع العربية بعد الزلزال السوري الذي تأثرت به موسكو وتبحث اليوم عن إعادة وصل ما انقطع بلغة برغماتية وبخاصة مع الطرف السوري وفي هذا المجال تحاول روسيا العودة الآمنة والمريحة في قواعدها في الساحل السوري وهو المدخل الاستراتيجي لسياسات موسكو في ما سمي تاريخياً "المياه الدافئة".
وفي سياق آخر، تحاول موسكو في هذه القمة أيضاً إعادة ترتيب ما بنت عليه في العقود الثلاثة الماضية مع العديد من الدول العربية الخليجية ودول شمال إفريقيا، من اتفاقيات تجارية واقتصادية وطبعاً إعادة ترتيب صفقات بيع الأسلحة التي تعتبر المتنفس الاقتصادي لروسيا في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تعمل عليها واشنطن منذ عقود، كما أن موسكو اليوم بحاجة إلى محاولة إعادة ترتيب وجودها في الشمال العربي الإفريقي بعد خروجها من ليبيا منذ إسقاط نظام معمر القذافي آنذاك، علاوة على محاولة تعزيز علاقاتها مع القاهرة بعد سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والتسليحية التي أعادت تمييز العلاقات الثنائية بعد إخراجها بعد حرب 1973 مع إسرائيل.
في المقابل وفي ظل تراجع الوضع العربي في علاقاته الدولية مع الدول الكبرى، ثمة حاجة عربية ملحة لإعادة نسج علاقات وثيقة مع موسكو تملأ مواقع الضعف السائد في الواقع العربي نتيجة الفراغ الحاصل الذي تسبب فيه ما يسمى "الربيع العربي". إن تركيز موسكو على ترتيب بيئات تجارية واقتصادية واعدة بالنسبة لها خلال القمة، هو أمر حيوي بالنسبة لها، في ظل حرب أوكرانيا التي تسببت بأضرار بالغة في الواقع الروسي، حيث تحتاج موسكو إلى إمكانيات جبارة في مسارات الحرب القائمة، وليس هناك من خيارات بديلة عن الإمكانيات العربية المتوفرة نسبياً.
وفي ظل هذا الواقع المتشابك في العلاقات العربية الروسية، ثمة فواعل أخرى بالتأكيد أنها ستؤثر في ما يعلق من آمال عليها ويبدو في هذا المجال علاقات روسيا مع كل من إيران وتركيا وإسرائيل وهي فواعل إقليمية مؤثرة في علاقات العرب مع أي طرف قادم إلى المنطقة، حيث لكل منها كمية هائلة من المصالح والسياسات التي ترخي بظلالها الكثيفة على المسارات الممكنة أو المفترضة بصورة جيدة. طبعاً ثمة تنوع واضح في مستقبل الرؤى العربية تجاه موسكو، سيما وأن صعوبة الإجماع في المواقف تجاه القضايا الاستراتيجية العربية، سيترك المجال واسعاً للدخول في التباينات وهي مظاهر غير صحية في العلاقات الثنائية الروسية العربية، في وقت أن المصالح المتبادلة تبدو اليوم في مستويات عالية نسبياً، لما يمكن أن يقدم كل طرف للآخر.
المشكلة الرئيسة في العلاقات العربية الروسية، دوام اعتبار العرب، أن ثمة واجباً روسياً ينبغي أن تقوم به موسكو وهو تقديم الدعم وأحياناً غير المشروط وبسخاء، في وقت لا وجود للعلاقات الدولية القائمة على المثاليات، بل إن معظم الدول تبني علاقاتها على وقائع المصالح المتبادلة وهو أمر لا زال بعيداً عن الفهم العربي للأمور. ثمة تحديات كثيرة ترافق هذه القمة الأولى في مسيرة العلاقات البينية للطرفين الروسي والعربي وهي بحاجة إلى قرارات ومواقف واقعية قابلة للتنفيذ، في وقت تضيق فيه الخيارات والظروف المناسبة لهما وللقوى الإقليمية والدولية المنافسة لهما، فهل سيحاول الطرفان قراءة المآزق الدولية وتأثيراتها فيهما ومحاولة إيجاد فرص النجاح؟ أم أن هذه القمة ستكون مثل غيرها من القمم الدولية التي لن تتخطى أعمالها ومحاولاتها الجدران التي تحيط باجتماعهما؟
بكل الأحوال ثمة ضرورة للطرفين للبحث عن مشتركات تكون من خلالها الدول العربية وروسيا قادرة على تخطي المصاعب والتحديات الهائلة في زمن يعج بالمشاكل وفي وقت ليس هناك مجال لتقديم الهدايا المجانية.
(الخليج الإماراتية)