المهمة العاجلة في غزة

بالنسبة لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة ومعهم ملايين العرب، ليس هذا وقت السؤال عن اليوم التالي ومستقبل القطاع السياسي.إنه وقت التقاط الأنفاس، واستجماع القدرات بعد عامين من الحرب البربرية، والتجويع والقتل المتواصل. وقت تضميد الجراح العميقة في النفوس، وانتشال الآلاف من حالة البؤس والانكسار. لسنتين متواصلتين، ذاق أهل القطاع الأمرين، واختبروا كل صنوف المعاناة؛ القصف والموت، والتجويع والنزوح، والمبيت في العراء، والأكثر إيلاما، خسارة الأهل والأحبة، والجيران.

غزة اليوم، مجرد ركام ممتد من شمال القطاع إلى جنوبه. بالمختصر، غزة لم تعد موجودة، البيوت والأحياء والمرافق العامة، والطرقات، اختفت تماما. مليونا إنسان وأزيد، يقفون فوق أنقاض ذكرياتهم، وأجساد عائلاتهم المدفونة تحت البيوت المدمرة. تقدر منظمات أممية موثوقة، عدد الشهداء في غزة بنحو ربع مليون شهيد.

لقد توقفت آلة الحرب الإسرائيلية عن حصد المزيد من الأرواح وتدمير ما تبقى من أحياء في مدينة غزة، هذا إنجاز لا يدانيه إنجاز آخر. للمرة الأولى في هذه الحرب الكارثية، تصبح لحياة الفلسطيني قيمة وأهمية. أشهر العدوان الطويلة، جعلت الموت مجرد إحصائية يومية تمضي مع سيل من الأخبار التافهة. حياة العشرات والمئات، أصبحت مجردة من كل معنى إنساني.

ما إن أعلن عن وقف إطلاق النار، حتى بدأ الآلاف من النازحين بالعودة إلى مناطقهم المدمرة مشيا على الأقدام. أوجع قلوبهم الدمار؛ فالمنازل التي غادروها واقفة في الشمال، تبدت ركاما في غيابهم. غزة ينقصها كل شيء، بالمعنى الحرفي حاليا. لا ماء صالحا للشرب ولا كهرباء، ولا خيام تأوي العائلات، خاصة مع قرب فصل الشتاء. لا طعام يكفي ولا دواء ولا مراكز طبابة مجهزة. الخبر المؤسف أن مئات الآلاف من الغزيين سيعيشون لسنوات ربما في الخيام والكرفانات، قبل إعادة إعمار القطاع. لكن ذلك على ما فيه من معاناة وقهر، يظل أفضل ألف مرة من المقتلة التي عاشها الناس لسنتين.

وقبل أن ينشغل الساسة والمقاولون، في ترتيبات اليوم التالي للقطاع، فلتنطلق حملة عربية وإسلامية ودولية، لإسعاف قطاع غزة، على وجه السرعة. حملة لتأمين المساكن الجاهزة، والطعام والدواء والمياه الصالحة للشرب والكهرباء. حملة تضع على رأس أولوياتها، إعادة تأهيل المدارس المدمرة، ليعوض الأطفال ما فاتهم من صفوف دراسية. حملة تعيد تأهيل المستشفيات، وتأمينها بالمعدات والأدوية، والكوادر الطبية.

المهمة العاجلة اليوم، هى إنقاذ الأرواح لا الانشغال بالبحث عن الأموات والضحايا. سيجد العالم وقتا للبحث عن رفات جنود الاحتلال، لكن الأهم اليوم، مداواة أرواح البشر الأحياء التي حطمتها الحرب الوحشية، وسلبت منها أغلى الناس عليها. تتهيأ دول ومنظمات عربية ودولية، لتدشين جسر بري للمساعدات الإنسانية. ينبغي أن يبدأ هذا العمل على الفور. ولا يجد المرء ما ينصح به كأولوية، فكل احتياجات غزة أولويات.

مشروع إسعاف غزة، ليس أمرا سهلا، فحجم الخراب والدمار كبير، ويتطلب حشد موارد عالمية كبيرة، لاستعادة ما يمثل الأساسيات لحياة كريمة، تمنح أهل القطاع المنكوب، فرصة الوقوف على أقدامهم، ليتأملوا بهدوء ما حصل، ويفكروا باليوم التالي بعد عامين من الضياع.

(الغد الأردنية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن