تحولات دولية كبيرة

لا يمكن تجاهل التطورات الدولية الكبيرة التي حصلت إبان الصيف الماضي، حيث جرى حِراك لافت على المستوى الآسيوي من خلال قمة مجموعة شنغهاي وما تبعها من استعراضات في الصين، كما حصل تبدُّل في مزاج الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، أدى الى الدفع باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وترافق ذلك مع ارتفاع منسوب التوتر في أوروبا على خلفية الحرب في أوكرانيا، وهذا التوتر يتزايد في كل يوم.

تُبيِّن تفاصيل مقررات قمة مجموعة شنغهاي التي انعقدت في 30 آب/أغسطس الماضي بمدينة بتيانجين الصينية، واللقاءات التي حصلت على هامشها، وما تبعها من استعراض لقوة الصين العسكرية في ساحة تيان آن مين في بكين، أن صرخة مدويةً أطلقت في وجه التفرُّد الأمريكي، وهي تضمنت تأسيس استقطاب دولي جديد يواجه هذا التفرُّد، واقتصار صورة التحدي على مشهد جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وهي دول نووية، لا يعني أن رؤساء 23 دولة آخرين، كانوا حاضرين - بصفتهم أعضاء أو بصفتهم مراقبين – بعيدون عن أجواء الاعتراض، بل على العكس من ذلك، فقد أشار البيان الختامي للقمة بوضوح إلى أن سياسة فرض الرسوم الجمركية والاستقواء ليست الطريق الفضلى لحلّ المشكلات الدولية، وفي ذلك احتجاج واضح على السياسة الأمريكية الجديدة.

وبين سطور بيانات الاعتراف الجديدة بالدولة الفلسطينية، الذي أعلنته دول وازنة جديدة كانت داعمة للاحتلال الإسرائيلي، يتوضُّح حجم الاعتراض على سياسة الغطرسة والقتل والتجويع والإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهي محمية دولياً من الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، عدة مرات، لإجهاض قرارات تُلزم إسرائيل بوقف عدوانها، وباحترام الحقوق البديهية للشعب الفلسطيني. وتؤكّد موجة الاعترافات الجديدة بالدولة الفلسطينية، التي وصلت إلى ما يقارب 160 من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، أن مزاج الرأي العام العالمي تغيَّر – بما في ذلك مزاج الأمريكيين – وكان لذلك أهمية كبرى في دفع الدول لولوج منحى جديد تجاه الحق الفلسطيني، لا سيما في القارة الأوروبية.

ولا بد من الإشارة إلى أن الاندفاعة الأمريكية الجديدة لتحقيق وقف لإطلاق النار في غزة، وإيجاد تسوية لحرب الإبادة، تهدف لامتصاص النقمة الدولية العارمة على التصرفات الإسرائيلية غير المقبولة، وتكاد العزلة التي أصابت إسرائيل من جراء أفعالها الشنيعة، أن تطال السياسة الأمريكية الداعمة لها. وعلى الضفة الأخرى من مجرى الأحداث الدولية المُتسارعة، تبدو الصورة في أوروبا المحيطة بأوكرانيا قاتمة، وهناك انسداد واضح في مجرى المساعي السلمية، بينما مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أطلقها في قمة آلاسكا التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتصف آب/أغسطس الماضي، لم تسلك طريقها نحو النجاح، والعلاقات بين موسكو وواشنطن لم تعُد على ذات المنسوب من الإيجابية التي كانت قائمة قبل قمة مجموعة شنغهاي الأخيرة.

وما يبعث على القلق أكثر فأكثر الأحداث المتفرقة التي تحصل على جوانب بحر البلطيق، وفي فضاءات الدول الأوروبية القريبة من روسيا، والعضوة في حلف شمالي الأطلسي. فالمسيَّرات المجهولة، أو المعلومة، التي تخرق أجواء بولندا والدنمارك والنرويج، ليست تفصيلاً في حياة الأوروبيين، وهي تبعث على الخوف والقلق، في وقتٍ تتسارع فيه العمليات العسكرية على الساحة الأوكرانية، وتتوسَّع عمليات القصف الروسية لتصل إلى أماكن جديدة لم تكُن في دائرة النطاق الجغرافي للحرب، وهناك تقدُّم ميداني ملحوظ حققته الآلة العسكرية الروسية في بلدات جديدة. وما زاد من منسوب التوتر إعلان واشنطن عن نيتها تسليم كييف صواريخ توماهوك البعيدة المدى، القادرة على حمل رؤوس نووية. وموسكو تعتبر أن ذلك بمثابة إعلان حرب على روسيا إذا ما حصل.

ما يجري في أوروبا ليس تفصيلاً في الحياة الدولية، وهناك استنفار دبلوماسي عارم يتابع مجريات الأحداث، والقلق الشعبي يتزايد خوفاً من مخاطر تفاقُم الوضع نحو الأسوأ، بينما التجاذبات، أو التباينات بين الحلفاء تتزايد، لا سيما بين أقطاب ضفتي الأطلسي، حيث لواشنطن مقاربة تجاه الوضع في أوكرانيا تختلف بعض الشيء عن مقاربة كل من بريطانيا وفرنسا، والدعوات تتزايد في أوروبا لتأمين مظلَّة حماية خاصة للقارة، من دون الاعتماد المُفرِط على القوة الأمريكية.

ما يجري على المستوى الدولي لا يمكن اعتباره سياقاً عادياً، غالباً ما كان يحصل في الماضي، بل على العكس من ذلك، هناك قلق من تطور الوضع نحو الأسوأ، كما أن هناك انسداداً نسبياً في مجاري التواصل بين القوى الكبرى، ولم تحصل لقاءات ثنائية على مستوى عالٍ بين رؤساء الدول الكبرى على هامش قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما كانت عليه العادة.

(الخليج الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن