ماذا يعني حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونحو 30 رئيسًا ومسؤولًا من كبرى دول العالم والمنطقة إلى شرم الشيخ أمس للإعلان عن إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟! وماذا يعني عدم حضور رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لهذا المؤتمر على أرض سيناء بعد الإعلان عن حضوره؟ السؤال يحتمل إجابات كثيرة طبقا لمن سيتولى الإجابة.
وبالنسبة لنا في مصر فهي لحظة انتصار سياسي ودبلوماسي كبير تؤكد أن دور وتأثير مصر في المنطقة لم يتراجع كثيرا كما ظن كثيرون أو حاولوا ذلك. ويعني أن هناك قدرات مصرية مؤثرة لدى الوزارات والأجهزة المختلفة ورئاسة الجمهورية. يعني أيضا أن مؤتمر الأمس العالمى قولا وفعلا هو تجسيد للجهد المصري الكبير المستمر منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 ولمدة عامين كاملين. ترامب لم يزر دولا كثيرة منذ عودته للبيت الأبيض في 20 يناير الماضي، وبعد دخوله للبيت الأبيض بتسعة أيام فقط أعلن عن اقتراحه العجيب بتهجير أهل غزة خارجها والاستيلاء والسيطرة عليها لبناء ريفيرا باعتبار غزة قيمة عقارية متميزة كما قال ديفيد كوشنر زوج ابنة ترامب وعراب صفقة القرن فى الولاية الأولى، وشريك توني بلير في مخطط إدارة غزة.
لكن الذي تم على أرض الواقع أن مصر رفضت خطة ترامب علنا، وتصدت لها، وأخيرا جاء ترامب إلى شرم الشيخ وسيناء ليعلن أن الحرب انتهت وأن الفلسطينيين باقون في أرضهم وأنهم يستحقون حياة كريمة. النقطة الجوهرية هنا هي سقوط مخطط التهجير الذي كان يراد منه تصفية القضية الفلسطينية للأبد وتكرار مسلسل الهنود الحمر. بنفس المنطق ولكن بصورة معكوسة يمكن فهم عدم حضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى شرم الشيخ بعد أن تم الإعلان عن حضوره خلال لقائه مع ترامب وإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.
تبجح نتنياهو ومعه ائتلافه وحكومته المتطرفة طوال عامي العدوان بأنهم سيهجرون الفلسطينيين من القطاع طوعا أو قسرا، بل سمعنا بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يتحدثان عن خطط تفصيلية وأسماء المطارات والمنافذ التي سيخرج منها الفلسطينيون بلا عودة لبلدهم مرة أخرى. وسمعنا عن اتصالات أمريكية إسرائيلية مع بعض الدول لاستقبال هؤلاء المهجرين. لكن مرة أخرى جاء قادة العالم إلى سيناء وتحدثوا منها عن حق الفلسطينين في دولة مستقلة وبقي الفلسطينيون في أرضهم وبلدهم.
تبجح نتنياهو أكثر من مرة بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، لكنه اكتشف أن معظم قادة العالم والمنطقة اعترفوا بالدولة الفلسطينية وأن كيانه صار معزولا ومنبوذا في كل مكان بالعالم من أول ملاعب ومدرجات كرة القدم مرورا بحفلات مهرجانات السينما والموسيقى وانتهاء بمقاطعة خطابه في الأمم المتحدة من غالبية بلدان العالم. غاب نتنياهو لأنه اكتشف أن حضوره سوف ينسف كل ما تصوره أو توهمه وأن حضور محمود عباس "أبو مازن" يعني أن السلطة موجودة وفلسطين موجودة وأن حضوره سوف يسقطه أمام جمهوره المتطرف خصوصا بعد أن سقط مشروعه الذي بشر به بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإقامة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
هل معنى كلامي السابق أن الخطر زال وانتهى وإسرائيل صارت حمامة سلام وأمريكا صارت وسيطا نزيها شريفا؟! الإجابة هى لا قاطعة، أوهام نتنياهو لاتزال تعشعش في رأسه ورأس كبار المتطرفين، وترامب لا يؤتمن جانبه، لكن العدوان انكسر ولو بصورة مؤقتة والأمر يتوقف على صمود الفلسطينيين وتوحدهم واستمرار التنسيق العربي واستخدام أوراقهم بمهارة مع إسرائيل وأمريكا.
(الشروق المصرية)