أحياناً ما يجري انتقاد التربية والتعليم، والمناهج جزء منها، والكثير مما يُثار فيه وجاهة ومنطق، وفيه عدم موضوعية أيضا، وربما اتهامية أحيانًا، وانسياق لنظرية المؤامرة، التي تحكم ردود فعل الناس أحيانًا.
بقيت التربية في النظام العربي الرسمي آخر ما يهتم به، كان الاهتمام بالتحرير والمواجهة والوحدة، ولم يكن البحث عن الخلاص العربي عبر التربية، مجرد فعلٍ لحظي، انبلج في فجر طارئ، كما أنه ليس بحثاً موحدّاً له بُنيته الصلبة، فمرجعياته مختلفة، وأداوته متعددة، كما أن مآلاته التي انتهى إليها متباينة.
وعلى الرغم من التّنوع في تحديد مرجعيات خطاب التجديد التربوي، إلا أنّ كلّ المحاولات التي كانت تبحث عن حالة أفضل، ظلّت مسكونة برواسب التراث وهواجس العلم والحرية التي تقود إلى النهضة.
وأياً كانت الطريق لها، فإن مقولة «صَلاح الأمة» كانت مقابلاً لمقولة «وجوب النهضة»، واتفق الباحثون في أمر النهضة، أن طريق الخلاص العربي ارتسمت في ثلاثة خيارات، أولها إنه خلاص لا يتمّ إلا بخيرات وخبرات الغرب المتحضر، أو من بالتأكيد على أنّ لا سبيل لانقاذ الأمة إلا ببناء الفرد وطرد الجاهلية، وهذا يجب أن لا يكون إلا من داخل عالم الإسلام، وهذا المسار تطور لاحقاً إلى شعار «الإسلام هو الحل» وانتج حالة انسداد عربي، وثمة من حاول التوفيق بين الغربنة والتراث وهذا الفكر لم ينجح أيضاً، وكان البديل الرابع هو من صنع الأنظمة العربية باستدعاء مقولة التنمية الشاملة بدلاً من الديمقراطية.
أوجدت العقليات العربية بتعدد مشاربها والباحثة عن النهضة، تمايزها الواضح، ثمة داعية نهضة وثمة رجل إصلاح، وهذا ما يقرره عزيز العظمة الذي يرى أن تزامن الشيخ المعمم رفاعة الطهطاوي (ت:1873م) والمعلم بطرس البستاني (ت: 1883م) مثّلا ظاهرة مستمرة في التاريخ. ونتج عن ذلك التمايز فكر الطهطاوي برعاية محمد علي باشا ومشاريعه الإصلاحية، في مقابل فكر بطرس البستاني الذي انتمى إلى عالم آخر إذ كان - حسب رأي العظمة - نتاجاً للإصلاحات العثمانية التحديثية في القرن التاسع عشر، وتأهل في ما بعد للانخراط بالمعارف العلمية والتاريخية الحديثة بقصد انهاض مجتمعه.
في النهاية ظل البحث عن التجديد والتحديث غاية، وظلت التربية عنوانا اساسيّا له، لكن المشكلة كانت في ترتيب شكل وجوهر التحديث التربوي وطرائق التعليم ونوع التفكير المطلوب سيادته، اختلف الكثيرون في التهيئة للتحديث التربوي، واختلف الأكثرية على النتيجة المطلوب بلوغها فقلت النجاحات، فلا أصلحنا الأمة ولا أصلحنا التربية.
("الدستور") الأردنية