حدثان بارزان خيّما أمس على المشهد العام. الأول من غزّة مع استمرار الخروقات والتجاوزات الاسرائيلية في تطبيق اتفاق وقف النار وتهديدات الرئيس الأميركي المستمرة تجاه "حماس". أما الثاني فكان من روسيا التي استقبلت الرئيس السوري أحمد الشرع والوفد المرافق "بحفاوة"، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام بشار الأسد، الحليف الاستراتيجي لموسكو التي منحته وعائلته حق اللجوء الإنساني على أراضيها، بعدما حاولت على مدار سنوات طويلة حماية نظامه من السقوط وقدمت له الدعم العسكري والغطاء الكامل لاستكمال جرائمه. والمفارقة أن الشرع الذي كان على قائمة الأهداف للاغتيال والذي لطالما رأى وعايش الضربات الروسية على ادلب وغيرها من المناطق يجلس اليوم كرئيسًا أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وهذه الزيارة "الاستراتيجية" واللقاءات التي عقدت تؤكد بأن موسكو تسعى لأن تبقي على علاقتها ووجودها في سوريا، ولو اختلفت الظروف عن الأوضاع السابقة. كما ان الشرع نفسه يعلم أهمية توسيع العلاقات وعدم اغلاق الباب بظل التحديات الجسام التي يواجهها في الداخل، مع علمه بأهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به موسكو انطلاقًا من نفوذها الواسع وعلاقتها بالمكونات السورية المختلفة، ولاسيما الأكراد والعلويين، الذين يبحث الشرع عن مصالحة معهم بعد المجازر التي حصلت في الساحل السوري في آذار/ مارس الفائت. وانطلاقًا من المصالح المشتركة يمكن فهم اللقاء الذي يفتح الباب امام تدشين مرحلة جديدة بعدما مرت العلاقات بين الطرفين بتوترات كثيرة خصوصًا مع تمسك دمشق بمحاسبة الأسد ومطالبتها بتسليمه، وهو أمرٌ يعتبر بمثابة "خط أحمر" لموسكو التي لا يبدو بأنها في وارد السير بمثل هذه الخطوة، أقله في القريب العاجل. ومع هذه المعطيات، تتكرس محاولات دمشق لطي صفحة الماضي وتصفير المشاكل والاستفادة من ذلك بإطار تحسين الأوضاع السورية في مختلف المجالات وذلك بعد حرب دامية انهكت البلاد وادخلتها في أتون أزمات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها.
وفي تفاصيل لقاء بوتين – الشرع، فقد غلبت عليه العبارات الترحيبية والمراسم التي تظهر "حرارة" في الاستقبال وصولًا إلى تأكيد "القيصر" بأن بلاده لطالما جمعتها "علاقات متميزة اتسمت دائمًا بطابع ودي استثنائي" وبأنها "لم تنحصر يومًا في حالة سياسية معينة أو ظروف محيطة، ولطالما استرشدت موسكو بمصالح الشعب السوري في علاقاتها مع دمشق". أما الرئيس السوري فأكد، من جهته، بأن دمشق ستسعى جاهدة لضبط علاقاتها مع موسكو، مع التركيز على أهمية الاستقرار في البلاد والمنطقة، مشيرًا إلى أن البلدين يتشاركان جسور تعاون مهمة. إلى جانب ذلك تطرق الأخير، إلى الاتفاقيات السابقة قائلًا: "نحترم كل ما مضى من اتفاقيات وهذا التاريخ العظيم، ونحاول أن نعيد ونعرف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات وأن تكون هناك استقلالية للحالة السورية وسلامة ووحدة أراضيها واستقرارها الأمني المرتبط بالاستقرار الإقليمي والعالمي". وبعد الجلسة المفتوحة، عقد الرئيسان اجتماعًا مغلقًا دام نحو ساعتين ونصف الساعة وتطرق إلى رزمة واسعة من الملفات التي تشكل أولوية لدى الطرفين.
أهم هذه الملفات تتعلق بمصير القاعدتين الروسيتين الرئيسيتين في سوريا، وهما قاعدة "حميميم" الجوية في محافظة اللاذقية إلى جانب قاعدة بحرية في طرطوس، إضافة إلى الوجود العسكري الروسي في مطار القامشلي. وبالطبع لن تغيب المصالح الاقتصادية المتعلقة بالطاقة التي ترغب روسيا في تأمينها عن المباحثات. أما وكالة "سانا"، فنقلت عن مديرية الإعلام في الرئاسة السورية، أن "المباحثات تشمل المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير التعاون بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين"، وأن الشرع سيلتقي خلال زيارته القصيرة ومدتها يوم واحد فقط ممثلين عن الجالية السورية في روسيا. وبظل شحّ المعلومات الواردة عما تم الاتفاق عليه في الكرملين، إلا أن الامور على ما يبدو تأخذ منعطفًا جديًا وهذا ما دلت عليه تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الذي أعلن في ختام المحادثات التوصل إلى اتفاق لإعادة إطلاق عمل اللجنة الحكومية المشتركة وترتيب لقاء لأعضائها قريبًا، موضحًا أن الحكومة السورية "مهتمة بإعادة تأهيل البنى التحتية للطاقة". وإذ أكد استعداد روسيا لمواصلة العمل في حقول النفط السورية، قال "شركاتنا مهتمة باستخدام المعدات الروسية في سوريا. وقد نوقش هذا الأمر باستفاضة اليوم في الاجتماع بين الرئيسين بوتين والشرع".
ومن موسكو إلى قطاع غزة الذي يشهد على استمرار اسرائيل في خرق اتفاق وقف النار، سواء من خلال استهداف المواطنين أو عبر تقليص حجم المساعدات الانسانية المتفق عليها، ووضع العراقيل و"الفيتوات" أمام ادخال بعض المواد الضرورية خصوصًا تلك المتعلقة بالإيواء العاجل ومستلزمات القطاع الصحي. هذا وكانت الأمم المتحدة حثت إسرائيل على فتح كل المعابر "فورًا" مناشدة إياها بأهمية تأمين "الوصول دون عوائق" بهدف مساعدة السكان الذين يواجهون الأمرين. وتماطل تل أبيب بفتح معبر رفح مختلقة حججًا وذرائع واهية من أجل مواصلة تضييق الخناق على الفلسطنيين. بينما الجدل المتعلق بجثث الرهائن الاسرائيليين يتصدر التصريحات وذلك بعدما سلمت "كتائب القسام"، الأربعاء، جثماني أسيرين إلى الصليب الأحمر في مدينة غزة، مؤكدة بأنها التزمت بما تم الاتفاق عليه مسبقًا وبأنها سلمت كل من لديها من أسرى أحياء وجثث تستطيع الوصول إليها. وقالت "إن ما تبقى من جثث يحتاج جهودًا كبيرة ومعدات بحث واستخراج خاصة، مؤكدة أنها تبذل جهدًا كبيرًا لإغلاق هذا الملف".
ومع تسليم الجثتين أمس يرتفع عدد الجثامين التي سلمتها المقاومة الفلسطينية لإسرائيل إلى 9، فيما لا تزال 19 منها، بحسب المعلومات، متناثرة في انحاء مختلفة من القطاع دون القدرة على إيجادها. في غضون ذلك، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لغة التهديد حيث قال بأنه سيدرس السماح للقوات الإسرائيلية باستئناف القتال في قطاع غزة إذا لم تلتزم حركة "حماس" باتفاق وقف إطلاق النار. لكنه في الوقت عينه أكد أنه لو كان بمقدور إسرائيل "سحق حماس" لفعلت ذلك خلال مدة الحرب التي استمرت عامين. وكان موقع "أكسيوس"، نقل عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، أن إسرائيل أبلغت إدارة ترامب، بأن الحركة لا تبذل جهودًا كافية لاستعادة جثث الرهائن وأنه سيكون من الصعب أن ينتقل اتفاق غزة للمرحلة التالية قبل أن يتغير ذلك. وكشف مسؤولان إسرائيليان بأن تل أبيب قدمت لواشنطن معلومات استخباراتية تُظهر أن "حماس" لديها إمكانية الوصول إلى عدد من الجثث أكبر مما تدّعي.
هذا وتستخدم تل ابيب هذه الذريعة للحيلولة دون الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تضم ملفات أكثر تعقيدًا وتتعلق بسلاح الحركة وإعادة الإعمار والانسحاب الاسرائيلي. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس وجه الجيش بإعداد خطة شاملة "لهزيمة حماس" في قطاع غزة إذا تجددت الحرب، وفق ما أوردته وكالة "رويترز". وهذه الحرب النفسية المستمرة، تحول دون منح الغزاويين شعورًا بالأمان خصوصًا بعدما سلبت منهم الحرب كل ما لديهم وجعلتهم يعيشون على ركام منازلهم في وقت تتكاثر الادانات لما تقوم به "حماس" التي تحاول استعادة السيطرة الأمنية وإحكام قبضتها بيد من حديد. وفي هذا الإطار، طالب قائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) براد كوبر الحركة بـ"وقف العنف وإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة فورًا، سواء في المناطق التي تسيطر عليها أو تلك التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي". وأضاف كوبر: "هذه فرصة تاريخية للسلام، على "حماس" اغتنامها وإلقاء السلاح من دون تأخير". ونشرت "قناة الأقصى" التابعة لـ"حماس" مقطع فيديو يُظهِر إعدام ثمانية رجال مقيّدي الأيدي ميدانيًا في مدينة غزة، متهمة إياهم بأنهم "عملاء وخارجون عن القانون".
موقف كوبر أتى بالتزامن مع استنكار السلطة الفلسطينية لما يجري على الأرض ومطالبتها بالتوقف الفوري ومحاسبة المتورطين. في سياق أخر، أعلن المبعوث الخاص للرئاسة الفلسطينية محمد اشتية، أمس الأربعاء، أن السلطة بدأت حملة سياسية تشمل زيارات إلى عدد من العواصم الأوروبية بهدف الحصول على اعتراف بدولة فلسطين. وفي مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة بجنيف، أوضح اشتية أن جولته تشمل هولندا والنمسا، في حين يتوجه وفد فلسطيني آخر إلى دول البلطيق، بينما يُتوقع أن يزور الرئيس محمود عباس إيطاليا وألمانيا في السياق ذاته، وفق ما أوردته "وكالة الصحافة الفرنسية". وتسعى السلطة إلى زيادة اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية بظل المحاولات الاسرائيلية الدؤوبة لطمس هويتها وتشتيت المجتمعات وزيادة الانتهاكات سواء في غزة أو في الضفة الغربية التي تشهد حملة ممنهجة لتهجير السكان الأصليين وإطلاق يد المستوطنين إلى جانب الاعتداءات الوحشية من قبل الجيش الاسرائيلي.
أما في العراق، فقد عادت الاغتيالات المذهبية إلى الواجهة بعد اغتيال المرشح للانتخابات العراقية، صفاء المشهداني، إثر تفجير عبوة لاصقة استهدفت سيارته في منطقة الطارمية شمال العاصمة. ووقع الهجوم قبل أقل من شهر على موعد الاقتراع العام المقرر في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر ما أثار مخاوف من انزلاق المسار الانتخابي إلى العنف. وطغت إلى السطح فرضية "الاغتيال السياسي" المرتبط بالصراع على النفوذ والمصالح، لاسيما في ظل اتساع المنافسة بين تحالفات سنية وشيعية داخل وخارج المناطق المختلطة. يّذكر أن المشهداني ينتمي إلى "تحالف سيادة"، وهو واحد من أكبر التحالفات السياسية السنية في العراق، وقد باشرت الحكومة تحقيقاتها الفورية للكشف عن ملابسات الحادثة.
دوليًا، قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، إن الولايات المتحدة ستجعل روسيا "تدفع ثمنًا" إن لم تنهِ حربها على أوكرانيا. وأضاف، خلال اجتماع في مقر "الناتو" لمجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا التي تضم حلفاء كييف "إذا كان علينا اتخاذ هذه الخطوة، فإن وزارة الحرب الأميركية مستعدة للقيام بدورنا بطرق لا يمكن إلا للولايات المتحدة القيام بها". كما شدد على أنه أن "هذه الحرب لم تندلع في عهد الرئيس ترامب، لكنها ستنتهي في عهده". توازيًا، أعلن الرئيس ترامب أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وعده بأن تتوقف بلاده عن شراء النفط الروسي، وذلك بعد أشهر من فرض البيت الأبيض رسومًا جمركية عقابية على هذه المشتريات.
ومن الأخبار السياسية إلى الصحف العربية التي تناولت في مقالاتها وافتتاحياتها ما يلي:
كتبت صحيفة "النهار" اللبنانية "يهوّل الرئيس ترامب على "حماس" ويهادنها في الوقت عينه. وبات واضحًا أن ثمة فترة سماح ممنوحة للحركة قد تمتد حتى تجهيز "قوة الاستقرار الدولية"، التي ستضم وفق الخطة الأميركية قوات من دول عربية وإسلامية، وربما عناصر فلسطينية تتدرب في الأردن ومصر. هذه القوة من المفترض أن تحلّ محل "حماس" ومحل الجيش الإسرائيلي الذي سينسحب إلى شريط حدودي"، مشددة على أن "الفرق بين ترامب والرئيس الأميركي السابق جو بايدن هو أن الرئيس الجمهوري ربط المساعدات السخية لإسرائيل، والذهاب معها إلى محاربة إيران، بأن تتوقف عندما ترى واشنطن أن المصالح الأميركية تقتضي التوقف. أما الرئيس الديموقراطي فكان غير راغب أو عاجزًا عن فعل ذلك، ما أتاح لنتنياهو التلاعب به والاستمرار في الحرب".
صحيفة "الغد" الأردنية، بدورها، اعتبرت أنه "كان يومًا طويلًا من التهريج السياسي والاستعراض المسرحي المبتذل، بدأ من الكنيست الإسرائيلي، وانتهى في شرم الشيخ، بتوقيع وثيقة، تجاوزت في مضامينها ملف غزة واتفاق وقف إطلاق النار،لا بل ومراحل خطة ترامب برمتها". واضافت "ما تجاهلته الوثيقة التي بصم عليها الوسطاء لا يقل خطورة عما تضمنته من أسس للسلام في المنطقة. مستقبل الضفة الغربية وعلاقاتها مع الشطر الثاني من الوطن الفلسطيني، قطاع غزة، وسياسات الضم التي يهدد فيها نتنياهو، والاستيطان الذي يلتهم الضفة الغربية والقدس ومكانتها في التسوية النهائية".
أما صحيفة "الخليج" الإماراتية، فعقبت أيضًا على "قمة شرم الشيخ" التي "أراد الرئيس ترامب منح مبادرته للسلام شرعية دولية تتجاوز الشرق الأوسط، وهو ما تم بالفعل القمة التي منحته وغيره من الزعماء أيضًا، الزخم اللازم لتوسيع نطاق مفاوضات السلام"، مستنتجة أن "استمرار وقف إطلاق النار سيعتمد بشكل كبير على الضغط الدبلوماسي المستمر من واشنطن والقاهرة والدوحة، وعلى استعداد كل جانب للتنازل عن قضايا محورية كثيرًا ما قاومها، لاسيما نزع سلاح حماس، والإقصاء السياسي لها، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة في نهاية المطاف، ليحل محلها جهاز حكم فلسطيني".
من جانبها، أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أنه "تلوح فى الشرق الأوسط فرصة جديدة للسلام يقودها الرئيس ترامب"، الذي لا يعتبر من "أنصار الخطط الكبرى متكاملة الأركان، التي تم فحصها ومراجعتها جيدا، فالأفضل من وجهة نظره هو الاعتماد على التجربة والخطأ". ولكنها رأت أن "مشوار السلام في الشرق الأوسط مازال طويلا، والرئيس ترامب هو الضمانة الأهم، وربما الوحيدة لإنجاح جهود السلام. هذا وضع غير مثالي تمامًا، لكن هذا هو المتاح في الشرق الأوسط المُعقد. الرئيس ترامب مستمع جيد، يتفاعل بإيجابية مع من يعتبرهم أصدقاء. المهم الآن هو البقاء قريبًا من أذن الرئيس ترامب لحثه على مواصلة التحولات التي بدأها في اتجاه تبني السياسات السليمة الكفيلة بإخراج منطقتنا من أزمتها المزمنة"ـ بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")