سَيُساهِمُ اسْتِقْرارُ أَسْعارِ النَّفْطِ في تَحْفيزِ الطَّلَبِ في الدُّوَلِ المُنْتِجَةِ لِلنَّفْطِ، كَما تَسْعى دُوَلٌ مِثْلُ مِصْرَ وَالسَّعودِيَّةِ إلى تَنْفيذِ إصْلاحاتٍ هَيْكَلِيَّةٍ لِتَعْزيزِ التَّنافُسِيَّةِ وَتَنْويعِ مَصادِرِ النُّمُوِّ، كَما شَهِدَتْ بَعْضُ الدُّوَلِ، مِثْلَ مِصْرَ، تَدَفُّقاتٍ قَوِيَّةً في الاسْتِثْمارِ الأَجْنَبيِّ المُباشِرِ، مِمّا يَعْكِسُ الثِّقَةَ في قُدْرَتِها على تَحْقيقِ الاسْتِقْرارِ وَالتَّعافي. وَوَفْقًا لِتَوَقُّعاتِ نُمُوِّ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، سَتَنْمُو السَّعودِيَّةُ: 4%، الإماراتُ: 4.8%، مِصْرُ: 4.5%، ليبْيا: 13.3%، جيبُوتي: 6%، المَغْرِبُ: 4.4%، أَمّا بِالنِّسْبَةِ لِلعِراقِ وَلبنان فَقَدْ لا يَشْهَدانِ وَتيرَةَ النُّمُوِّ المُتَوَقَّعَةَ نَفْسَها.
تَواصُل الحرب أدى إلى زيادة حالة عدم اليقين التي أثّرت على المناخ الاستثماري
وَعلى الرَّغْمِ مِنَ التَّراجُعِ المَحْدودِ في مُعَدَّلِ نُمُوِّ الاقْتِصادِ العالَميِّ وَالتَّطَوُّراتِ الجِيوسِياسِيَّةِ غَيْرِ المُواتِيَةِ وَدَوْرِها المُحْتَمَلِ في تَعْطيلِ سَلاسِلِ التَّوْريدِ وَشَبَكاتِ الإنْتاجِ، وَتَقْييدِ تَدَفُّقِ السِّلَعِ وَالخَدَماتِ وَحَرَكَةِ رَأْسِ المالِ، إلّا أَنَّ التِّجارَةَ العالَمِيَّةَ شَهِدَتِ ارْتِفاعًا خِلالَ عامِ 2004 بِمُعَدَّلاتٍ أَعْلى مِنْ تِلكَ المُحَقَّقَةِ عامَ 2024. وَفيما يَتَعَلَّقُ بِالمَدْيونِيَّةِ الخارِجِيَّةِ، ارْتَفَعَ إجْمالِيُّ الدَّيْنِ العامِّ الخارِجيِّ القائِمِ في ذِمَّةِ الدُّوَلِ النامِيَةِ وَاقْتِصاداتِ السّوقِ النّاشِئَةِ لِيَبْلُغَ نَحْوَ 12.0 تْريلْيونِ دولارٍ عامَ 2024 مُقَابِلَ حَوالَيْ 12.1 تْريلْيونِ دولارٍ عامَ 2023، وَفْقًا لِلتَّقْريرِ الاقْتِصاديِّ العَرَبيِّ المُوَحَّدِ 2025.
لَقَدْ تَعَرَّضَتِ اقْتِصاداتُ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ خِلالَ عامِ 2025، إلى صَدَماتٍ خارِجِيَّةٍ عَديدَةٍ، خاصَّةً تِلكَ النّاتِجَةَ عَنْ تَواصُلِ الحَرْبِ على فِلَسْطينَ وَالعُدْوانِ على لُبْنانَ وَالنِّزاعاتِ الدّاخِلِيَّةِ في السّودانِ وَتَعَطُّلِ طُرُقِ التِّجارَةِ في البَحْرِ الأَحْمَرِ وَالتَّوَتُّرِ في اليَمَنِ، وَقَدْ أَدَّى كُلُّ ذَلِكَ إلى زِيادَةِ حالَةِ عَدَمِ اليَقينِ التي أَثَّرَتْ على المُناخِ الاسْتِثْماريِّ، وَانْخَفَضَتِ الإيراداتُ النَّفْطِيَّةُ في عامِ 2025، نَتِيجَةَ تَمْديدِ التَّخْفيضاتِ الطَّوْعِيَّةِ في الإِنْتاجِ مِنْ قِبَلِ أَعْضاءِ "أوبِك+" وَانْخِفاضِ أَسْعارِ النَّفْطِ وَتَراجُعِ الأَسْعارِ، وَأَثَّرَتْ تِلكَ التَّخْفيضاتُ الطَّوْعِيَّةُ سَلبًا على قِطاعِ الهَيْدُروكَرْبوناتِ، فانْخَفَضَتْ مُساهَمَةُ الصِّناعاتِ الاسْتِخْراجِيَّةِ في النّاتِجِ الداخِلِيِّ الإجْماليِّ مُقَابِلَ مُساهَمَةٍ أَكْبَرَ في النُّمُوِّ الاقْتِصاديِّ لِلقِطاعاتِ غَيْرِ النَّفْطِيَّةِ مِثْلِ الصِّناعاتِ التَّحْويلِيَّةِ وَالتِّكْنولوجْيا.
أَمّا الدُّوَلُ العَرَبِيَّةُ غَيْرُ المُصَدِّرَةِ لِلنَّفْطِ فَتُواصِلُ تَعَرُّضَها إلى ارْتِفاعِ تَكَاليفِ الطَّاقَةِ في ظِلِّ الضُّغوطِ على ميزانِيّاتِها العامَّةِ خاصَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلدُّوَلِ التي تُعاني مِنْ خِدْمَةِ الدَّيْنِ الخارِجِيِّ المُرْتَفِعِ، وَعلى الرَّغْمِ مِنْ تَراجُعِ أَسْعارِ الحُبوبِ وَالسُّكَّرِ في الأَسْواقِ العالَمِيَّةِ فَإِنَّها بَقِيَتْ مُرْتَفِعَةً بِالمُقارَنَةِ مَعَ مُسْتَوَياتِها قَبْلَ جائِحَةِ "كوفيد 19" وَهُوَ ما أَدَّى إلى تَواصُلِ الضَّغْطِ على ميزانِيّاتِ عَدَدٍ مِنَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ التي تَدْعَمُ المَوادَّ الغِذائِيَّةَ الرَّئيسِيَّة.
يُبرز هيكل المساهمة القطاعيّة في الناتج المحلي الإجمالي زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية غير الاستخراجية
وَعلى الرَّغْمِ مِنْ هَذِهِ الصَّدَماتِ المُتَعَدِّدَةِ، شَهِدَ الأَداءُ الاقْتِصادِيُّ لِلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، مَدْفوعًا بِتَحَسُّنِ القِطاعاتِ وَالأَنْشِطَةِ غَيْرِ النَّفْطِيَّةِ، وَتَطَوُّرِ الاسْتِثْمارِ في بَعْضِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ نَتيجَةَ تَبَنّي السِّياساتِ الجاذِبَةِ، ارْتِفاعًا في النّاتِجِ المَحَلّيِّ الإِجْماليِّ بِالأَسْعارِ الجارِيَةِ في الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ في عامِ 2024 لِيَصِلَ إلى نَحْوِ 3.447 تْريلْيونِ دولارٍ بَعْدَ أَنْ كانَ حَوَالَيْ 3.402 تْريلْيونِ دولارٍ خِلالَ عامِ 2023.
وَشَهِدَتِ الدُّوَلُ العَرَبِيَّةُ غَيْرُ المُصَدِّرَةِ لِلنَّفْطِ، تَحَسُّنًا طَفيفًا في أَدائِها الاقْتِصاديِّ خِلالَ 2024، وَيُعْزَى هَذا التَّحَسُّنُ إلى نُمُوِّ قِطاعِ الخَدَماتِ الإِنْتاجِيَّةِ، وَيَرْجِعُ هَذا النُّمُوُّ الضَّعيفُ إلى التَّراجُعِ الكَبيرِ الذي شَهِدَهُ الأَداءُ الاقْتِصادِيُّ لِلسّودانِ وَفِلَسْطينَ وَلُبْنانَ وَاليَمَنِ نَتيجَةً لِلحَرْبِ على فِلَسْطينَ وَتَفَرُّعاتِها إلى اليَمَنِ وَالعُدْوَانِ على لُبْنانَ وَالصِّراعِ الداخِلِيِّ في السّودانِ. أَمّا الدُّوَلُ العَرَبِيَّةُ المُصَدِّرَةُ لِلنَّفْطِ فَقَدْ حَقَّقَتْ نُمُوًّا اقْتِصادِيًّا أَعْلى حَيْثُ ارْتَفَعَ مُعَدَّلُ نُمُوِّها، وَيُعْزَى هَذا التَّحَسُّنُ إلى السِّياساتِ الاقْتِصادِيَّةِ التي رَكَّزَتْ على تَشْجيعِ الأَنْشِطَةِ غَيْرِ النَّفْطِيَّةِ، حَيْثُ ساهَمَتْ قِطاعاتُ الخَدَماتِ الإِنْتاجِيَّةِ وَالاجْتِماعِيَّةِ في ذَلِك.
ضرورة التسريع في زيادة المناعة من خلال التنويع المُستدام في مصادر الدخل والصادرات للتقليل من تأثير الصدمات الخارجية
وَبِصِفَةٍ عامَّةٍ، يُبْرِزُ هَيْكَلُ المُساهَمَةِ القِطاعِيَّةِ في النّاتِجِ المَحَلّيِّ الإِجْماليِّ لِلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، زِيادَةَ مُساهَمَةِ القِطاعاتِ الإِنْتاجِيَّةِ غَيْرِ الاسْتِخْراجِيَّةِ، فَقَدْ تَحَسَّنَ أَداءُ قِطاعِ الصِّناعاتِ التَّحْويلِيَّة. وَفي المُقابِلِ، تَراجَعَتْ حِصَّةُ قِطاعِ الصِّناعاتِ الاسْتِخْراجِيَّةِ في عامِ 2024، وَذَلِكَ نَتيجَةً لِانْكِماشِهِ بِنَحْوِ 3.7%، بَعْدَ تَراجُعِ أَسْعارِ النَّفْطِ في الأَسْواقِ العالَمِيَّةِ، مِنْ حَوالَيْ 83 دولارًا أَميرْكيًّا مُتَوَسِّطَ سِعْرِ بَرْميلِ النَّفْطِ في عامِ 2023 إلى حَوَالَيْ 79.9 دولارًا أَميرْكيًّا في عامِ 2024. وَعلى الرَّغْمِ مِنَ التَّأْثيراتِ المُتَبايِنَةِ لِتَقَلُّباتِ أَسْعارِ النَّفْطِ على الدُّوَلِ المُصَدِّرَةِ وَالمُسْتَوْرِدَةِ لِلنَّفْطِ، فَإِنَّ جَميعَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ تَعَرَّضَتْ مُشْتَرِكَةً إلى زِيادَةِ الضُّغوطِ على المالِيَّةِ العامَّةِ مِمّا أَضْعَفَ قُدْرَةَ الاسْتِهْلاكِ وَالاسْتِثْمارِ الحُكومِيَّيْنِ على تَحْفيزِ النُّمُوِّ الاقْتِصادِيّ.
وَفي الخِتامِ، لِلتَّقْليلِ مِنْ تَأْثيرِ الصَّدَماتِ الخارِجِيَّةِ على اقْتِصاداتِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ المُصَدِّرَةِ لِلنَّفْطِ، تَبْرُزُ مِنْ جَديدٍ ضَرورَةُ التَّسْريعِ في زِيادَةِ المَناعة مِنْ خِلالِ التَّنْويعِ المُسْتَدامِ في مَصادِرِ الدَّخْلِ وَالصادِراتِ، القائِمَةِ على سِياساتٍ صِناعِيَّةٍ حَديثَةٍ مُتَّسِقَةٍ مَعَ التَّطَوُّراتِ التِّكْنولوجِيَّةِ المُعاصِرَةِ، وَالقائِمَةِ على دَمْجِ الأَنْشِطَةِ الصَّغيرَةِ وَالمُتَوَسِّطَةِ مَعَ الأَحْجامِ الكَبيرَةِ، خِدْمَةً لِتَحْقيقِ هَدَفَيْ النُّمُوِّ وَالتَّشْغيل. وَيُشيرُ مُؤَشِّرُ "المَعْرِفَةِ العالَميِّ" إلى تَحَسُّنِ أَوْضاعِ الاقْتِصاداتِ العَرَبِيَّةِ فيما يَتَعَلَّقُ بِمُقَوِّماتِ اقْتِصادِ المَعْرِفَةِ، حَيْثُ سَجَّلَتْ مُعْظَمُ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ المَشْمولَةِ في التَّقْريرِ ارْتِفاعًا نِسْبِيًّا في قيمَةِ المُؤَشِّرِ، وَوَفْقًا لِتَقْريرِ "وَضْعِ تَحْقيقِ أَهْدافِ التَّنْمِيَةِ المُسْتَدامَةِ" الصّادِرِ عَنِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، سَجَّلَتِ الدُّوَلُ العَرَبِيَّةُ تَحَسُّنًا إيجابِيًّا في مُؤَشِّرِ أَهْدافِ التَّنْمِيَةِ المُسْتَدامَةِ ما بَيْنَ عامَيْ 2023 وَ2024.
(خاص "عروبة 22")

