صحافة

لماذا أوقف ترامب الحرب؟!

عماد الدين حسين

المشاركة
لماذا أوقف ترامب الحرب؟!

ما الذى جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتغير بصورة نسبية ويجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف العدوان على قطاع غزة، بعد أن ظل ترامب يتبنى الموقف الإسرائيلي جملة وتفصيلًا منذ عاد إلى البيت الأبيض مرة أخرى في 20 يناير الماضي؟! هذا السؤال شديد الأهمية، والإجابة الصحيحة عنه قد تنير الطريق للدول العربية في استغلال الأوراق المهمة الموجودة في حوزتها، لكنها للأسف غير مفعلة بصورة كاملة.

الأسباب كثيرة ومتعددة، لكن أهمها هي التداعيات الناتجة عن عدوان إسرائيل على الدوحة لمحاولة اغتيال بعض قادة حركة "حماس" في التاسع من سبتمبر الماضى. نتنياهو ارتكب خطأ كبيرًا ومتهورًا، هو اعتقد أنه يمكنه أن يعتدي على قطر، ويمر الأمر مرور الكرام، فإذا كان قد اعتدى على إيران القوة الإقليمية الكبيرة في المنطقة، ألا يمكنه أن يعتدي على قطر وغيرها؟! وأغلب الظن أنه أبلغ ترامب في اللحظات الأخيرة قبل شن العدوان، أو أبلغه قبلها، وظن ترامب أن الأمر سيمر من دون خسائر أو أنه قد يستثمر الضربة في الحصول على اتفاق دفاعي مع قطر، وهوما تحقق فعلًا لاحقًا.

لكن الذي حدث أن هذا الاعتداء أصاب دول الخليج بصدمة غير مسبوقة، لأنها تعتقد منذ عقود أن هناك تحالفًا واضحًا مع الولايات المتحدة، أحد أهم بنوده أن تحمي واشنطن هذه البلدان من أي اعتداء، خصوصًا قطر التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية عسكرية خارج أمريكا في العديد والسيلية. دول الخليج توقعت أكثر من مرة أن تأتيها الاعتداءات من أطراف مختلفة، لكن ليس من بينها إطلاقًا إسرائيل التي يفترض أنها لا تتحرك إلا بضوء أخضر أمريكي. اهتزاز وربما انهيار الثقة الخليجية في الحليف الأمريكي دفع بعضها إلى اتخاذ قرارات استراتيجية، وأهم هذه القرارات هو توقيع السعودية لمعاهدة دفاعية شاملة مع باكستان تتضمن توفير مظلة نووية للمملكة.

هذا الاتفاق كان أحد أهم الأسباب التي دفعت أمريكا لإجبار نتنياهو على وقف الحرب ثم الاعتذار العلني المهين لقطر. هذا الأمر ليس مجرد توقع أو استنتاج أو تحليل من عندي، بل سمعته من مسؤول رفيع الأهمية قبل أيام قليلة. الرسالة التى وصلت للرئيس الأمريكي ترامب أن تهور نتنياهو سوف يكلف أمريكا خسارة أهم وأغنى حلفائها أي كل دول الخليج، وقد رأينا ترامب يتحدث طوال الوقت عن الأغنياء، وما يملكونه من أموال، وآخرها حديثه في الكنيست أو في شرم الشيخ. الفهم الأمريكى أن تهور نتنياهو سوف يكلف أمريكا كل ما بنته طوال عقود من تحالفات دفاعية واقتصادية ستذهب بالمجان إلى قوى إقليمية ودولية مثل باكستان وربما إلى روسيا والصين أو حتى إيران ومصر.

هنا سارع ترامب إلى الاتصال بنتنياهو ثم الاجتماع مع قادة دول عربية إسلامية في نيويورك، في أواخر سبتمبر الماضي، وبدأت بوادر خطته في الظهور، هي خطة منحازة لإسرائيل في مجملها، لكنها تجعل نتنياهو يتجرع السم، ويقبل بوقف العدوان الذي رفضه طوال العامين الماضيين ويجهض مخطط التهجير. في اجتماع نيويورك رأى ترامب قادة مصر والسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان يبلغونه برسالة واضحة: "لم يعد ممكنا استمرار العدوان الإسرائيلي بالتوازى مع العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن".

وهنا كانت أول مرة يستخدم فيها العرب والمسلمون ورقة مهمة ضمن أوراق كثيرة لم يستخدموها منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023. بالطبع هناك أسباب أخرى كثيرة، لكنها تظل فرعية أو مكملة، فهي موجودة بالفعل منذ بداية العدوان أو حتى قبل شهور قليلة، مثل معارضة قيادة الأركان في الجيش الإسرائيلى لاستمرار الحرب التي استهلكت أهدافها. وكذلك موجة الاعترافات الدولية خصوصًا من الدول الكبرى بالدولة الفلسطينية. هي خطوة مهمة جدًا، لكن إسرائيل وأمريكا لا تكترثان بكل العالم منذ بداية العدوان. هناك أيضًا تصاعد الغضب الدولي من استمرار العدوان وحرب الإبادة. فإذا كان نتنياهو لا يكترث لأهالي الأسرى وكل المعارضة الإسرائيلية، فهل يكترث لمعارضة فرنسا وبقية أوروبا للعدوان؟!

الرسالة المهمة من كل ما سبق هي أن العرب والمسلمين إذا أرادوا استخدام أوراقهم بمهارة وبحكمة وحنكة سوف يكسبون كثيرًا ليس فقط لإنصاف الشعب الفلسطيني الصامد، وهو يستحق ذلك، ولكن أولًا وأخيرًا من أجل حماية الأمن الوطني لبلدانهم ونيل رضا شعوبهم.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن