على الرغم من أنه أبدل تسمية وزارة الدفاع في الولايات المتحدة، فباتت "وزارة الحرب"، فإنَّ الرئيس دونالد ترمب افترض مسبقاً أنَّه يحظى بالجائزة، الرمز للسلام، وهو التوّاق إليها... جائزة "نوبل". ولو استبق "هديته الغزاوية" المستهدية بـ"مبادرة العشرين" التي أطلقها، لربما كان هو الأكثر جدارة بالفوز، ولكان حصوله على الجائزة سيلقى ترحيب العالم العربي - الإسلامي بذلك. لكن أمامه فرصة السعي بضمير لكي يتم إعلان "الدولة الفلسطينية" وعاصمتها القدس، وهذا سيكون الإنجاز الأكثر تعويضاً عن الظلم التاريخي في حق شعب.
كما سيُحقق له "مبايعة" عربية - إسلامية - أوروبية لا تعترض مساراتها القوتان العظميان؛ روسيا والصين، اللتان تتعاطفان مع العالم العربي عموماً، وتتفهمان جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي بنسبة ترضي المظلوم الفلسطيني المسلوب حقَّه، ويعترض عليه المحتل الإسرائيلي المصادِر بإرادات دولية متنوعة حقّه في وطنه، ثم ها هي أكثرية تلك الإدارات الفاعلة في السياسة الكونية تُعيد النظر بالتدرج تكفيراً عن الخطأ - الخطيئة، تتقدمها الإرادة البريطانية بعد الفرنسية. لقد أنجز الرئيس ترمب، بالتراضي مع ضيفه المثير القلاقل بنيامين نتنياهو، مبادرة العشرين، التي من الطبيعي أن ترضي الجانب الإسرائيلي، ويتمهل الجانب الفلسطيني بضع ساعات في إعلان الموقف منها قبْل الأخذ بها، مع ملاحظة أن ما يُشبه الإجماع العربي الحكومي رحّب بها باعتبارها حلّاً أشبه بجراحة للوضع الفلسطيني المتمثل بويلات غزة ومخاوف اللبنانيين من معاودة إسرائيل اعتداءاتها على نحو ما كانت تحدُث قبْل سنة، مع ملاحظة أن هذه الاعتداءات لم تتوقف، أو بالأحرى، لا تتوقف، وذلك لأنها بمثابة الزيت في السراج البنياميني التدميري، وبحيث تبقى الاعتداءات ذريعة لكي لا تتساقط حكومته ومهابته في نظر شعبه ونظر الأميركان الذين ما زالوا لا يرون ما الذي يفعله على مدار الوقت من اعتداءات على أي كائن غزاوي حي، وصعَّد هذه الاعتداءات وهو في الأمم المتحدة التي كان منبرها فرصة لكي يطلب المغفرة من الإنسانية التي تعامل معها بوحشية. لكنه رفع خرائط قد يكون رسمها شخصياً، لكن الذين يرون أن يسمعوه ويروه غادروا أماكنهم لمجرد أن وقف خطيباً.
الفرصة المأمول من الرئيس ترمب اتخاذها بعد "هديته الغزَّاوية" هي رفْع ملف يمسك به بيمناه وبيسراه على نحو ملفات رفعها ويتباهى بها، ويحمل الملف المأمول المشار إليه إعلان الموافقة على صيغة حل الدولتين. بهذا يكون مستحقاً في سنته الرئاسية الثانية نيْل جائزة «نوبل» للسلام، ويكون العالم بقاراته الخمس في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2026 مطْمئناً إلى أن مَن سينال الجائزة هذه سيدخل التاريخ بوصفه صانع سلام.
وثمة مفارقة يتوقف المرء أمامها، وهي أن "نوبل للسلام" إنما أرادها حاملة اسمه المواطن السويدي "ألفرد نوبل" تكفيراً عن اختراعه الديناميت. لو يدري هذا المخترع أن السلاح الذري والكيميائي وأنواع أسلحة إبادة كثيرة قيد الاختراع، أي حال هي عليه العالم من القطب إلى القطب. حال من الفزع والرعب في أن يضغط مالكو السلاح الذري وغيره من الأسلحة الفتاكة، على الأزرار، وعندها تبدأ أنواع من الجحيم الحقيقي، وليس الجحيم الذي أنذر به ترمب حركة "حماس"، قبْل أن يفاجئ بـ"هديته الغزَّاوية" التي ارتضاها نتنياهو مرغَماً. وحيث إننا في أجواء "نوبل" وجائزته التي تليق بمن ينالها، فإننا نتذكر وبكثير من الاستغراب كيف أن "نوبل" للسلام لم تُمنح للرئيس أنور السادات، كما لمناحيم بيغن، كما لمن جمعهما الرئيس جيمي كارتر. ولكن منْح نجيب محفوظ الجائزة أبهج نفوس العرب، كون هذا الروائي الأصيل جسَّد الواقع المصري، وخصوصية أجيال توارثت أجيالاً، فضلاً عن تجسيد الوطنية المصرية، وكيف تعاملَ شجعانٌ مع الاحتلال البريطاني للمحروسة.
مقابل هذا التكريم المُبهج لمن نال "نوبل" يلفت الانتباه رفْض المفكر الفرنسي جان بول سارتر للجائزة، وتقدير قرائه النوعيين من فرنسيين وعرب ودوليين للقرار الذي اتخذه، من منطلق رفْض أوسمة التكريم؛ حيث إن الوسام الحقيقي بمنظوره هم القراء وليس لجنة ربما بعض أعضائها لم يقرأوا سارتر في العمق. وإلى ذلك، إن سارتر كان في حالة مالية من شأن عائد الجائزة المليوني ترتيب وضعه، لكنه أبى ذلك، خلاف الكاتب الآيرلندي جورج برنار الذي أضعف موقفه؛ حيث إنه بعدما رفض الجائزة وسخر منها وافق لأسباب مالية. وإلى ذلك، إن سارتر الذي زار مصر في الزمن الناصري كان مبهوراً بالتحول الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سمة النصف الثاني من الخمسينات ومطلع الستينات في مصر، وقال في لقاء مع مستضيفه محمد حسنين هيكل إن "نوبل" للسلام جديرة بشخص عبد الناصر.
تلك مجرد خواطر أوجب سردها حول "نوبل" التي كان الرئيس دونالد ترمب سيفوز بها، بأمل أن يفوز بها عام 2026... وهذا في حال عزَم وتوكَّل وبات من الجمع الدولي الذي يعطي أصحاب الحق حقهم.
(الشرق الأوسط)