تتعمد اسرائيل اختلاق الحجج لخرق اتفاق وقف النار في غزة بهدف الاستمرار في ترويع الفلسطينيين وترهيبهم فيما هم ينتظرون فتح معبر رفح الذي تبقيه تل أبيب مغلقًا مستخدمة إياه في "البازار" الحاصل بشأن تسلّم جثث الرهائن الاسرائيليين كاملة. ولسخرية القدر، تدرك اسرائيل أكثر من غيرها أن الوصول لهؤلاء يحتاج لوقت ومعدات ضخمة غير موجودة في القطاع المنكوب جراء الدمار الهائل ووجود نحو 20 ألف ذخيرة غير منفجرة في مختلف أنحاء القطاع ما يشكل خطرًا كبيرًا على الباحثين عن الرفات. فطوال عامين كاملين من الحرب ألقت قوات الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات أي ما يعادل نحو 13 قنبلة نووية.
وتضع اسرائيل فيتوهات على المساعدات الانسانية وتعرقل مرور بعضها لاسيما تلك الخاصة بفتح الطرق ورفع الركام بيتما تحاول حركة "حماس" تلافي أي عُقد في تطبيق الاتفاق وتجهد في البحث عن الجثث المفقودة، إذ سلّمت أمس، السبت، جثامنين آخريين إلى الصليب الأحمر الدولي، مناشدة الدول الضامنة التحرك لوقف التعديات والخروقات الاسرائيلية والتي تحصد المزيد من أرواح سكان غزة كما تعرقل عملية خروج الآلاف منهم لتلقي العلاج المناسب وسط عجز القطاع الطبي عن تلبية الاحتياجات بسبب ما أصابه من استهداف مباشر واعتقال وقتل الأطباء والكوادر العاملة في المجال الصحي. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أنه أصدر تعليمات بإبقاء معبر رفح مغلقًا حتى إشعار آخر. في وقت نقلت "هيئة البث الإسرائيلية" عن مسؤول في تل أبيب قوله إن الحكومة تدرس "فرض عقوبات إضافية على "حماس" إذا لم تواصل تسليم جثامين الأسرى"، لافتًا إلى أن نتنياهو "يدرس تحريك خطوط الانسحاب" كرّد فعل عقابي.
و"قضية إبريق الزيت"، كما نقول في لغتنا العامية، تتحول إلى ثغرة رئيسية وتحول دون الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق ما يعني تحولها إلى هدنة "هشة" قابلة للانهيار في أي وقت. هذا وتبدو واشنطن على خط الأزمة المستجدة حيث من من المتوقع أن يصل نائب الرئيس الأميركي دي جي فانس إلى إسرائيل غدًا لبحث تسريع تنفيذ الاتفاق، كما سيصل صهر الرئيس دونالد ترامب وعراب "صفقة القرن" جاريد كوشنر والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في وقت لاحق من هذا الأسبوع. وكان الأخيران أعلنا في حديث تلفزيون عن شعورهما "ببعض الخيانة" من جانب اسرائيل بعد هجوم الدوحة لما كان لها من دور كبير وحاسم في المفاوضات، كما تحدثا عن أن ترامب شعر بسبب ذلك الهجوم بأن تصرفات اسرائيل بدأت "بالخروج عن السيطرة" وبأن "الوقت قد حان لأن يكون صارمًا للغاية مع الاسرائيليين". هذا التصريح يؤكد بأن تسريع وتيرة المباحثات والتوصل لاتفاق شرم الشيخ الشهير كان بعد مراجعة واشنطن لحساباتها الاستراتيجية الخاصة ومصالحها ولاسيما أن قطر تملك أهمية كبرى ولديها أكبر قاعدة أميركية عسكرية "قاعدة العديد" ناهيك عن مخاوفها من فقدان "ثقة" دول الخليج العربي والذين زارهم ترامب في أول زيارة خارجية له بعد عودته إلى البيت الأبيض.
وعليه اضطر نتنياهو مرغمًا لقبول الصفقة ووقف الحرب مع أن غاياته كانت في مكان آخر كليًا. وبظل هذه الأسباب تأتي التحركات الأميركية لمنع انزلاق الأمور إلى القتال مجددًا والتشجيع للانتقال إلى الخطوة الثانية والحدّ من الانتهاكات الاسرائيلية التي وثقها المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة والتي بلغت 47 خرقًا خلال أسبوع واحد وأسفرت عن إستشهاد 38 فلسطينيًا وإصابة 143 بجراح متفاوتة. في موازاة ذلك، وصل توم فليشتر، وهو أول مسؤول أممي كبير يزور القطاع منذ توقف الأعمال العدائية للإشراف على حسن دخول بعض المساعدات قائلًا لدينا الآن خطة ضخمة مدتها 60 يومًا لزيادة الإمدادات الغذائية، وتوزيع مليون وجبة يوميًا، والبدء بإعادة بناء القطاع الصحي، وإقامة خيام لفصل الشتاء، وإعادة مئات الآلاف من الأطفال إلى المدارس".
المهمة الانسانية الضاغطة تأتي على وقع محاولة القاهرة التوسط بين الفصائل الفلسطينية ولعب دور محوري في هذا الإطار وتقريب وجهات النظر للتوصل إلى اتفاق بشأن "اليوم التالي" الذي يسوده الكثير من الغموض والتضارب في المعلومات خاصة بعدما أثار القيادي في "حماس" محمد نزال تساؤلات عديدة حين تحدث عن عزم الحركة الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية خلال فترة انتقالية، رافضًا تقديم جواب واضح في ما يتعلق بنزع السلاح، والذي يعتبر من أبرز البنود الخلافية التي تم تأجيلها لجولات المفاوضات المستقبلية. وتؤكد "حماس" بأنها لن تشارك في ترتيبات مستقبل القطاع ولن تحكمه ولكنها تتحفظ على سلاحها المرتبط من وجهة نظرها بإطار عام وشامل ونهاية الصراع. إلى ذلك، لم تخمد أو تتوقف حركة الاحتجاجات والتظاهرات في العديد من العواصم الأوروبية مطالبة بوقف دعم اسرائيل ومدّها بالأسلحة والعتاد العسكري مقابل إبراز المزيد من التعاطف مع القضية الفلسطينية والدعوة لمحاسبة تل أبيب على جرائمها.
والأوضاع غير المستقرة في غزة تتزامن مع استمرار "ذبح" الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والتعدي عليهم وسلب ممتلكاتهم وأراضيهم. وأفادت المعلومات عن إصابة 3 فلسطينيين على الأقل في الخليل والقدس، وسط اقتحامات للعديد من بلدات ومدن الضفة الغربية تخللتها مواجهات عنيفة، فيما تعتزم إسرائيل ترحيل 32 ناشطًا أجنبيًا تضامنوا مع الفلسطينيين. على صعيد متصل، أعلن الجيش الإسرائيلي، أمس السبت، إصابة جنديين بجروح متوسطة جراء انفجار عبوة ناسفة خلال عملية عسكرية له في مدينة طوباس شمال الضفة. وباركت "حماس"، من جهتها، العملية التي وضعتها في إطار عدم كسر المقاومة أو إخمادها. وتعيش الضفة أيامًا شديدة الصعوبة والتعقيد منذ عملية "طوفان الأقصى" والتي وجد بها الاحتلال ذريعة لاستكمال عملية الاستيطان وتفتيت المجتمعات الفلسطينية وعزلها ومحاصرتها من كل حدب وصوب.
ووسط هذه المستجدات بإنتظار ما ستؤول اليه الزيارة الأميركية الرفيعة المستوى لدفع بإتجاه خطوات عملية لاستكمال مراحل اتفاق وقف النار، برز إعلان الجيش البريطاني عن حريق في سفينة في خليج عدن قبالة سواحل اليمن بعد استهدافها بمقذوف، في حادث يُعد الأول من نوعه منذ بدء سريان إتفاق غزة قبل 9 أيام. من جانبها أفادت شركة "أمبري" للأمن البحري بأن السفينة هي ناقلة ترفع علم الكاميرون وكانت "في طريقها من صحار بعُمان، إلى جيبوتي". أما جماعة "أنصار الله"، المتهمة الأولى في مثل هذه الحوادث، فأكدت بأن لا علاقة بها بهذا الاستهداف. ويعتبر النفي بمثابة رسالة تأكيد ثانية من جانب الحوثيين بتوقفهم عن الهجمات البحرية، وذلك بعد يومين من خطاب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي الذي كرّر خلال كلمة له جملة "إن عدتم عدنا" في إشارة ضمنية إلى توقف الهجمات بعد هدوء الأوضاع في غزة. ووفق بيانات غربية، أسفرت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى الآن عن غرق أربع سفن واحتجاز خامسة، ومقتل تسعة بحارة على الأقل، في حين لا تزال الجماعة تحتجز 12 بحارًا.
في سياق أخر، تواصل اسرائيل خرق اتفاق وقف النار في لبنان، تمامًا كما تفعل اليوم في غزّة، إذ أدت غارة على آلية في بلدة دير كيفا قضاء صور إلى سقوط قتيل. وتتعمد قوات الإحتلال في الآونة الأخيرة استهداف كل مقومات إعادة الاعمار، من جرافات وآليات ومعامل حجارة وباطون، وكأنها تبعث رسالة بإستحالة القبول بذلك في الوقت الراهن. على المقلب الآخر تواصل الحكومة مساعيها لوقف الانتهاكات الآخذة في التصعيد وسط مخاوف من زيادة أكثر في وتيرتها خلال الأيام المقبلة خاصة بعدما كشف تقرير عسكري نُشر في موقع "واي نت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عن أن "حزب الله" يُعيد بناء قدراته بسرعة، وقد يُشكّل الهيكل الجديد للجماعة تحديات جديدة لإسرائيل، لا سيما في ثلاثة مجالات: الصواريخ والقذائف، والطائرات المُسيّرة، والبنية التحتية التي تدعمها"، بحسب ما أورده التقرير.
ومن لبنان إلى سوريا التي تتكشف المزيد من التفاصيل عن فحوى اللقاءات التي جمعت بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة موسكو، حيث قال نائب مدير إدارة روسيا وشرق أوروبا في وزارة الخارجية السورية أشهد صليبي، إن الشرع طالب بوتين بتسليم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد أكثر من مرة وبشكل واضح، خلال اللقاء الذي جمعهما، لافتًا إلى أن الجانب الروسي أبدى تفهمًا تجاه تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. ويمكن لهذه العدالة – إن تحققت – أن تعيد الحق لآلاف الضحايا والمخفيين والمفقودين في سجون الأسد وأن تسهم في زيادة الاستقرار في البلاد التي تعيش ظروفًا أمنية متفاقمة. وتلاحق العبوات الناسفة القوات السورية إذ أُصيب عنصر من الأمن السوري جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارة للأمن الداخلي في مدينة البوكمال في ريف ديرالزور الشرقي، وذلك في ثاني حادثة من نوعها خلال يومين.
والموضوع السوري برمته تطرق له وزير الخارجية أسعد الشيباني الذي أوضح، خلال مقابلة تلفزيونية، أن القواعد الروسية في بلاده يجري التفاوض بشأنها حاليًا، مؤكدًا أن دمشق تريد التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل "يراعي هواجسها الأمنية" دون التفريط في شبر من أراضيها. كما شدّد على رفض سوريا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفيدرالية، معربًا عن أسفه إزاء عدم وجود "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ضمن مؤسسات الدولة، قائلاً إن غيابها "يعمّق الشرخ" بينها وبين الدولة. وكان قائد "قسد" مظلوم عبدي أعلن الأسبوع الحالي عن التوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية يهدف لدمج قواته بالجيش في محاولة لوقف الاشتباكات وتطبيق اتفاق 10 مارس وذلك بضغط ورعاية اميركية.
أما إيرانيًا، فالتصعيد سيد الموقف خاصة بعدما أعلنت طهران أنها لم تعد ملزمة بـ"القيود" المرتبطة ببرنامجها النووي مع انتهاء مدة اتفاق دولي أبرم قبل 10 سنوات. وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان لها، إن "كل التدابير الواردة في الاتفاق، بما يشمل القيود على البرنامج النووي الإيراني والآليات ذات الصلة، تعتبر منتهية"، مؤكدة "التزام إيران الثابت بالدبلوماسية". ويترافق ذلك مع دخول مصر على خط الأزمة، إذ أعلنت القاهرة بأنها اتفقت مع طهران وواشنطن ووكالة الطاقة الذرية على "مواصلة متابعة الجهود والاتصالات، ودراسة الأفكار المطروحة" لتحقيق انفراجة مأمولة في الملف النووي الإيراني. ويأتي ذلك، وفق بيان للخارجية المصرية، بعد اتصالات هاتفية أجراها وزيرها بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.
في إطار مختلف، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن أن باكستان وأفغانستان اتفقتا خلال جولة المفاوضات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة على وقف فوري لإطلاق النار، معربة عن أمالها في أن تسهم هذه الخطوة في وضع حد للتوترات على الحدود بين البلدين وأن تشكل هذه الخطوة أساسًا متينًا للسلام المستدام في المنطقة. أما في العراق، فقد أصيب شخصان في هجوم على مكتب المرشح للانتخابات البرلمانية العراقية مثنى العزاوي في منطقة اليوسفية جنوب بغداد، وذلك بعد 3 أيام من اغتيال المرشح صفاء المشهداني في الطارمية شمال العاصمة، في مشهد يكشف عن التوترات الهائلة التي ترافق هذه العملية.
التطورات الاقليمية والمحلية تناولتها الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي، وهنا أبرزها:
تناولت صحيفة "الوطن" القطرية الوضع الانساني الكارثي في قطاع غزة قائلة " يموت الفلسطينيون من أجل حفنة من الطحين، أو بعض المعلبات منتهية الصلاحية، نتيجة الانتظار الطويل للشاحنات على أسوار غزة المحاصرة، أو بسبب المرض، وغالبا نتيجة القصف العشوائي للبشر والشجر والحجر، حتى لم يعد هناك الكثير، سوى أكوام من الأنقاض، تتكدس في جوفها المظلم والمغبر الجثث التي لم تدخل بعد في إحصاءات الشهداء والمفقودين". وأضافت "هكذا غزة اليوم، بعد وقف إطلاق النار، مرآة للعجز الأممي، والنفاق الدولي، والاستهتار الفاضح بقوانين تعارف عليها البشر منذ عقود، لكنها سقطت في امتحان هذا القطاع البائس المنكوب".
من جهتها، رأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "السيناريو اللبناني مُقدَّر له أن يتكرر في غزة؛ حيث ترعى الولايات المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار، كما فعلت في لبنان، بانضمام فرنسا هذه المرة"، متوقعة أن "تكون الهدنة في غزة شديدة الهشاشة؛ فقد لا تعود الحرب بكامل ضراوتها، لكن من المتوقع استمرار عمليات القتل والتوسع في الضم، وسيظل التجويع سلاحًا موجهًا ضد الفلسطينيين، كل ذلك تحت غطاء المبررات الواهية والادعاءات الزائفة المتكررة".
في السياق ذاته، اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن المفاوضات بشأن اتفاق غزة "لن تنتهي وإنما ستمتد طويلًا إلى ان تحقق اسرائيل اهدافها الحقيقية من الحرب على غزة والتي قد يعرفها جيدا صهر ترامب المشارك في المفاوضات وهي الاهداف التىينفذتها وحققتها، أي اسرائيل، في جنوب لبنان وفي سوريا ونفذتها وباتت تتمسك بها بحجة حماية الأمن الاسرائيلي"، مؤكد أن "الدولة الاسرائيلية اعتادت ان تراوغ في أي مفاوضات لتعطل الوصول إلى الحلول النهائية ولكي تنفذ مخططتها في التوسع على الارض بعد اخلائها من "السكان" وهو اللفظ الذي تستخدمه التيارات اليمينية في تل أبيب فى الاشارة إلى "الفلسطينيين"، وفق ما جاء في المقال.
صحيفة "الصباح" العراقية تطرقت للحدث الانتخابي مشددة على أن "الخيارات التي سبق للعراقيين تجربتها لن تعيد بغداد إلى المربع الأول سنة 2003 فحسب، بل قد تفتح الباب مشرعًا امام تقسيمه وادخاله في نفق مظلم مجهول"، مستنتجة أن "ما يحتاجه العراق اليوم ليس مواطنًا واعيًا بممارسة أو عدم ممارسة حقه الانتخابي فحسب، بل يحتاج أيضا، وبشكل أكثر الحاحًا إلى قيادات وقوى سياسية واعية بدورها في قيادة المواطن، واستعادة ثقته بالسلطات التي تحكمه، وبخياره الديمقراطي...قيادات لا تجعل حب البقاء بالسلطة مقدمًا لديها على مصالح الدولة والشعب، قيادات تعرف تماما مقتضيات الحكم، وتتقن فنونه، وتحسن إدارة الدولة بروح الفريق الواحد المنسجم"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")