صحافة

ترامب بعد غزة... يواجه الاستعصاء الأوكراني

أسعد عبود

المشاركة
ترامب بعد غزة... يواجه الاستعصاء الأوكراني

توحي المواقف الأميركية، أن جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي توجت بالتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة، تشجع واشنطن مجدداً على استئناف جهودها لوقف الحرب الروسية- الأوكرانية المستمرة منذ أكثر ثلاثة أعوام ونصف عام. لم يكن عديم الدلالة، تركيز ترامب في خطابه أمام الكنيست، على اللقاء المطول الذي عقده المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصيف الماضي واستغرق نحو أربع ساعات، وشكل مقدمة للقمة الأميركية-الروسية التي عقدت لاحقاً في آلاسكا في 15 آب/ أغسطس، من دون أن تسفر عن اختراق معين.

في الشهرين الماضيين، حدثت تطورات على مستوى عالٍ من الأهمية. رداً على رفض بوتين عرض السلام الأميركي، قررت واشنطن تزويد كييف معلومات استخباراتية دقيقة حول أهداف داخل روسيا. وبفضل ذلك، تمكنت المسيّرات الأوكرانية من تدمير مزيد من مصافي النفط الروسية، مما أدى إلى أزمة في المشتقات النفطية داخل روسيا، وكذلك تسبب بنقص الصادرات الروسية من الطاقة بنسبة تصل إلى عشرة في المئة.

وفوق هذا، وجه وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث تحذيراً شديد اللهجة، قائلاً: "سنجعل روسيا تدفع ثمناً فادحاً إن لم تنهِ الحرب". ربما هذا ما جعل بوتين يبادر إلى الاتصال بترامب، ليكون الموضوع الأساسي، إلى التهنئة بوقف الحرب في غزة، اعتزام الإدارة الأميركية الالتفات إلى الملف الأوكراني، عشية استقبال الرئيس الأميركي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الرابعة منذ عودته للبيت الأبيض قبل تسعة أشهر، فضلاً عما يحكى عن استعداد أميركي لتزويد كييف صواريخ "توماهوك". وفي نهاية المطاف اتفق الرئيسان على اللقاء مجدداً في المجر في غضون أسبوعين.

ولا يخفي الرئيس الأميركي أن مسألة تزويد أوكرانيا صواريخ "توماهوك" الأميركية، هي من قبيل الضغط على بوتين لتغيير رأيه والعودة إلى البحث عن السلام. هذه الصواريخ قادرة على إصابة أهداف في كل أراضي روسيا الأوروبية، مما يجعل وصولها إلى أيدي الأوكرانيين، نقطة تحول في الحرب. ولا تعير واشنطن كبير اكتراث، إزاء تهديدات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف بأن روسيا قد ترد على الـ"توماهوك" باستخدام الأسلحة النووية. ليست المرة الأولى التي يطلق فيها ميدفيديف تصريحات من هذا النوع كلما حصلت كييف على أسلحة أميركية متطورة.

لا يخفي ترامب ميله إلى استخدام الضغط العسكري على روسيا، لحمل بوتين على تليين موقفه، خصوصاً أن الدول الأوروبية هي التي تدفع ثمن الأسلحة الأميركية. والثلاثاء، أعلن ترامب أنه اقنع الهند بوقف شراء النفط الروسي، في مسعى لحرمان الكرملين مصدراً رئيسياً من مصادر تمويل الحرب في أوكرانيا. مع وقف الحرب في غزة، تباهي ترامب بأن الحروب التي أوقفها قد بلغت ثمان. وهو عازم على حضور التوقيع على اتفاق السلام بين كمبوديا وتايلاند. ومعلوم أن ترامب يعزو إلى نفسه الفضل في وقف الحرب بين هذين البلدين الصيف الماضي، بعدما هدد باللجوء إلى زيادة الرسوم الجمركية على بانكوك وبنوم بنه، إن لم توقفا النار.

وإذا ما أوقف ترامب الحرب الروسية-الأوكرانية، التي يذكّر دائماً بأنها ما كانت لتنشب لو كان في البيت الأبيض عام 2022، يصير في إمكانه الإدعاء بوقف حرب تاسعة في العالم، وتالياً يستحق اللقب المحبب إلى نفسه "رئيس السلام". ولم يخفِ ترامب خيبة أمله من عدم منحه جائزة نوبل للسلام هذا العام، كي لا يبقى أي من الرؤساء الأربعة الذين نالوها من قبل ولاسيما منهم باراك أوباما وجيمي كارتر، متقدمين عليه في أي شيء. لكن الضغط العسكري على روسيا قد تكون له حسابات معكوسة، ويتسبب عند نقطة معينة بعكس المتوخى منه!

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن