الحوثيون الذين أعلنوا مساندتهم للفلسطينيين من خلال استهداف السفن الإسرائيلية والأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، أو من خلال إطلاق الصواريخ والمُسيّرات على الدولة العبرية، مُنحوا ما يمكن وصفه بـ"حصانة من المطالب المعيشية" لقطاعٍ كبيرٍ من السكان، لأسبابٍ متعلقةٍ بالانحياز الشعبي اليمني التقليدي للقضايا العربية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.
وتحت هذا الغطاء وتراجع مستوى الاحتجاجات، استخدم الحوثيون هذا الموقف هراوةً في وجه أيّ صوت مُعارض أو مُطالب بتحسين الأوضاع المعيشية، إذ يُواجَه هؤلاء بتهمة العمالة لإسرائيل وخذلان الداعمين لـ"المقاومة"!.
الآن، وقد أصبح اتفاق وقف إطلاق النار حقيقةً على أرض الواقع بعد أن قبلت به حركة "حماس" وبقية الفصائل المؤيّدة لها، فإنّ الحوثيين يخشون أن تتجدّد المطالب الشعبية بصرف المرتّبات وتحسين الأوضاع المعيشية لنحو 13 مليون شخص يعيشون في مناطق سيطرتهم، تؤكّد بيانات المنظمات الإنسانية أنّهم بحاجةٍ إلى المساعدات، وتُحذّر من أنّ المجاعة تتهدّد جزءًا منهم.
في خطابه غداة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أظهر عبد الملك الحوثي موقفًا مواربًا من هذا الاتفاق، فقد أكّد أنّهم سوف يراقبون مدى التزام إسرائيل ببنوده كافّة، وسيكونون في أعلى مستويات الجاهزية للمواجهة واستئناف المساندة. ومع ذلك، ترك الباب مفتوحًا أمام انخراطه وجماعته في صراعٍ إقليميّ جديدٍ من خلال حديثه عن جولات صراع جديدة تُحضِّر لها إسرائيل لما بعد اتفاق غزّة. وقال إنّه لا يعلم ما إذا كانت ستتوقّف الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق سيطرة أتباعه وبقية دول المنطقة أم سوف تستمرّ.
ومع تأكيد مستشار الأمن القومي الإيراني أنّ اتفاق غزّة هو إعلان انتهاء هدنة في مكانٍ آخر، وإشارته إلى لبنان والعراق واليمن، يعتقد سياسيون يمنيون أنّ طهران ستدفع بحلفائها في المنطقة إلى إشعال مواجهةٍ جديدةٍ حتى لا تتفرّغ الدولة العبرية وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية لاستهداف إيران على خلفيّة البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي.
ولأنّ أفق مسار التسوية في اليمن، التي تعطّلت منذ بداية حرب غزّة، لا يشير إلى إمكانيّة العودة إليه قريبًا، فإنّ التفاهمات التي تمّ التوصل إليها في السابق لم تعد قابلةً للتطبيق، على الأقل من الجانب الحكومي الذي أفصح عن ذلك. كما أنّ المتغيّرات الدولية المرتبطة بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومعارضته لتلك التفاهمات، بخلاف حكم الديموقراطيين الذين كانوا يمارسون ضغوطًا على السعودية لإنهاء القتال والقبول بمطالب الحوثيين، تزيد الموقف تعقيدًا.
وخلافًا لذلك، جاء خطاب الحوثيين بمناسبة ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول في الجنوب ضدّ الاستعمار البريطاني مُوَجَّهًا إلى السعودية، وطالبًا منها المضي في تنفيذ خريطة الطريق التي كان قد تمّ التوافق بشأنها. وعزّز هذا الطلب بتهديدٍ مُبطّنٍ بأنّ عليها أن تدفع تعويضات للحوثيين وتحمّل مسؤولية إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وهو مؤشّر إلى أنّ الجماعة لا تزال تمتلك خياراتٍ للتصعيد مع أي طرف خارجي لتجنّب انفجارٍ اجتماعيّ نتيجة زيادة أعداد الفقراء ومؤشرات المجاعة والتذمّر الشعبي الواضح في مناطق سيطرتها.
ويرى سياسيون يمنيون أنّ الحوثيين إذا لم يجدوا سببًا لإقحام أنفسهم في مواجهة إقليمية، سواء مع فرضيّة عودة الاستهداف الإسرائيلي لـ"حزب الله" اللبناني أو أن يتوسّع ذلك إلى الفصائل الموالية لإيران في العراق، فإنّهم قد يُعيدون تفجير الصراع مُجدّدًا حتى يمتلكوا الأسباب التي تجعلهم يستهدفون دولتَيْ التحالف العربي تحديدًا، وهما السعودية والإمارات!.
(خاص "عروبة 22")