صحافة

"المشهد اليوم"..."خديعة رفح" تهدّد اتفاق غزّة وواشنطن تلجم نتنياهومناورة اسرائيلية على الحدود مع لبنان وأنقرة تحذّر من غياب الاندماج بين "قسد" ودمشق

تشييع جثامين فلسطينيين أفرجت عنهم إسرائيل مؤخرًا بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بغزة (أ.ف.ب)

كاد اتفاق وقف النار في غزة أن يتلاشى وتعود الأمور إلى نقطة الصفر، ولكن "اللجم" الأميركي يحول دون عودة اسرائيل للحرب مجددًا وإكتفائها بإختلاق الذرائع والحجج من أجل خرقه ونقضه وشنّ هجمات "محدودة"، تمامًا كما تفعل في لبنان منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. إلا أن هذا الواقع الهشّ يزيد من معاناة سكان القطاع الذين لا يزالون يشكون من نقص المواد الغذائية وتدمير القطاع الصحي ويطالبون بتحسين أوضاعهم الحياتية لاسيما أن معظم الخيم التي يعيشون فيها باتت مهترئة وغير صالحة مع اقتراب فصل الشتاء. ولأن مفاوضات المرحلة الثانية لم تبدأ بعد بل تتذرع اسرائيل بجثث الرهائن المفقودة في غزة من أجل تعطيلها بهدف كسب المزيد من الوقت ومنع البند الأهم لديها، ألا وهو إعادة إعمار القطاع المنكوب بينما توظف مصر كل دبلوماسيتها ونفوذها من أجل استضافة "المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية في غزة".

هذا المؤتمر الذي تعقد عليه مصر آمالًا كبيرة لوضع خطة عمل تنفيذية والوقوف في وجه اي مخطط اسرائيلي لاستكمال تهجير الفلسطنيين، لاسيما أن تكلفة إعادة الإعمار تُقدر بنحو 70 مليار دولار، بحسب الأمم المتحدة، ما يعني الحاجة الماسة إلى تبرعات سريعة وسخية للحدّ من تداعيات الابادة الجماعية التي استمرت عامين كاملين. والملف هذا ناقشه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظرائه الإيطالي أنطونيو تاياني، والإسباني خوسيه مانويل ألباريس، والألماني يوهان فاديفول، والكندية أنيتا أناند. وجاء في بيان صادر عن الخارجية المصررية بأن عبد العاطي "أكد على ضرورة البدء في أقرب وقت في تنفيذ خطط التعافي المبكر وإعادة الإعمار، في إطار رؤية متكاملة تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، ووفقا للخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار وخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام بالشرق الأوسط". إلا ان هذه المساعي لا تزال تصطدم بالوحشية الاسرائيلية والخرق المتعمد للاتفاق تمامًا كما جرى أمس، الأحد، بعدما شنّت قوات الاحتلال غارات عنيفة وكثيفة على قطاع غزة ونفذت أحزمة نارية في عدة مناطق بمشهد أعاد الغزيين إلى الأيام الأولى للحرب.

وأفادت مصادر طبية باستشهاد أكثر من 40 شخصًا وإصابة العشرات جراء الغارات التي استهدفت خيام النازحين ومدرسة تؤوي العشرات من العائلات كما مبنى يعمل فيه صحفيون. وهذه الأهداف المدنية التي تحصد المزيد من أرواح المدنيين العزل والأطفال الأبرياء تدحض كل الروايات والسيناريوهات التي تحكيها تل أبيب وتنشرها بحجة الدفاع عن أمنها ونفسها من الاعتداءات. وقد جاء هذا التصعيد بعدما ادعت إسرائيل أن مقاتلين فلسطينيين أطلقوا النار والقذائف المضادة للدروع على قوات إسرائيلية وآليات هندسية تابعة لها في رفح جنوبي قطاع غزة، صباح أمس، وهو ما نفته "كتائب القسام" جملة وتفصيلًا متهمة الاحتلال بالسعي إلى تخريب الاتفاق. وسارعت "حماس"، من جهتها، إلى مطالبة الوسطاء والمجتمع الدولي إلى "التدخل العاجل لوقف هذه الممارسات العدوانية وضمان تنفيذ الاتفاق بما يحقق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني". وأصدرت الحركة بيانًا يحصي خروقات الاحتلال، مشيرة إلى استشهاد نحو 50 شخصًا وإصابة عشرات آخرين منذ العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أي موعد دخول اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ. وبينت أن نصف الشهداء والمصابين من الأطفال والنساء وكبار السن.

و"خديعة رفح" كما أسماها الفلسطينيون أدت بحسب الجيش الاسرائيلي إلى مقتل ضابط قائد سرية وجندي وإصابة عسكري ثالث من "لواء ناحال" في معارك لا تزال تتضارب المعلومات بشأنها وتتعدد الروايات. ففي بادئ الأمر، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن إسرائيل شنت الغارات في رفح لحماية مليشيات ياسر أبو شباب، المدعومة من قبلها. وسبق ذلك بيان للخارجية الأميركية تحدث عن معلومات بشأن "هجوم وشيك" قد تشنه المقاومة الفلسطينية على مجموعات مسلحة في غزة أو "انتهاك لوقف إطلاق النار"، وهو ما رفضته "حماس" التي قالت إن "هذه الادعاءات الباطلة تتماهى بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضللة، وتوفر غطاء لاستمرار الاحتلال في جرائمه وعدوانه المنظم ضد شعبنا". ووسط تلك التطورات، قال أربعة مسؤولين إسرائيليين ومسؤول أميركي لموقع "أكسيوس" إن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، سيزور إسرائيل، الثلاثاء، في إطار مساعي تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وكذلك سينضم إليه المبعوث للشرق الأوسط ستيف وتيكوف وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، على أن يزوروا مصر أيضًا.

الجهود الاميركية الواضحة للدفع نحو المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق بالكامل والشروع في المرحلة الثانية التي تتناول مواضيع جوهرية جرى تأجيل البحث فيها، في المرحلة السابقة، لعدم توافر الأرضية المشتركة، خصوصًا ما يتعلق بنزع سلاح "حماس" وكيفية إدارة غزة وتشكيل قوة استقرار دولية. في غضون ذلك، وصل وفد من الحركة برئاسة القيادي خليل الحية إلى القاهرة، أمس، لمتابعة "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع الوسطاء والفصائل والقوى الفلسطينية". أما الرئيس ترامب فخرج بسلسلة تصريحات جديدة تؤكد أن "خطة السلام الأميركية" تفتقد لوضوح الرؤية ويعتريها الكثير من الغموض وسط غياب الآليات التطبيقية. وقال إنه لا يوجد "جدول زمني قطعي" لنزع سلاح "حماس"، مشيرًا إلى أن تنفيذ الاتفاق "يعتمد على تطور الأوضاع ميدانيًا وسياسيًا خلال المرحلة المقبلة". وأوضح، في مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس" الأميركية، أن التوصل إلى الاتفاق لم يكن ممكنًا "إلا بعد إقصاء إيران من هذا المسار والقضاء على قدراتها النووية"، لافتًا إلى أن إدارته تتابع التطورات في قطاع غزة عن كثب.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات بحضور وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر وكبار قادة المؤسسة الأمنية وخلص على ما يبدو إلى إعادة إعلان العودة إلى تطبيق وقف إطلاق النار والتراجع عن القرار السابق والداعي إلى اغلاق كل المعابر ووقف دخول المساعدات الانسانية بشكل كامل وذلك بعد ضغوط مورست عليها من قبل الإدارة الأميركية. وعليه سيتم استئناف دخول المواد الغذائية مع الابقاء على معبر رفح الحدودي "مغلقًا حتى إشعار آخر". وتربط تل أبيب بين إعادة فتحه وتسليم "حماس" كل جثث الرهائن الذين تواصل البحث عنهم وسط ظروف صعبة نتيجة الدمار الهائل وغياب المعدات اللازمة للتنقيب والتفتيش. تزامنًا، أكد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة رفع المعاناة الإنسانية فورًا عن الشعب الفلسطيني والانسحاب الإسرائيلي الكامل، واتفقا على أهمية البدء في خطوات عملية لتحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين.

المخططات الاسرائيلية لا تقف عند حدود غزة والضفة الغربية المحتلة كما بات معروفًا بل تتمدّد إلى لبنان وسوريا اللذان يعيشان الواقع المتردي عينه مع اصرار اسرائيل على خرق اتفاق وقف النار المبرم ورفض الانسحاب من التلال الخمسة الاستراتيجية على طول الحدود اللبنانية. وفي هذا الإطار، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، عن مناورة عسكرية تمتد خمسة أيام على الحدود مع لبنان، للتعامل مع ما أسماه "سيناريوهات مختلفة"، في رسالة واضحة بأن الحرب لم تنتهِ، واحتمالات التصعيد مجددًا لا تزال قائمة. وأعلن الناطق باسم الجيش أفيخاي أدرعي البدء في "تمرين عسكري واسع في منطقة الجليل من ساعات المساء وحتى يوم الخميس، على طول الحدود مع لبنان، داخل البلدات ومنطقة الشاطئ والجبهة الداخلية". إلى ذلك، لا يزال "حزب الله" يرفض الحديث عن تسليم السلاح معلنًا التمسك به ورفض إخضاعه والتهويل عليه، مجددًا التصويب بإتجاه الحكومة ورئيسها نواف سلام. في حين يبدو أن رئيس الجمهورية جوزاف عون يدرك أهمية أن يكون لبنان على طاولة المفاوضات واللحاق بركب مسارات الهدن والاتفاقيات الجارية من كل حدب وصول لمنع تكرار الحرب الدموية ومن هنا كانت دعوته الاخيرة التي لم يتلقفها الحزب بالكثير من الترحيب.

وفي هذا السياق، أكد الرئيس نواف سلام لـ" الشرق الأوسط"، أن عون يهدف من وراء إطلاقه مبادرته التفاوضية غير المباشرة مع إسرائيل، "إلى حضّ الولايات المتحدة على التدخل لإنقاذ المفاوضات غير المباشرة، والمتعثرة بسبب رفض إسرائيل الالتزام بوقف الأعمال العدائية الذي نص عليه الاتفاق"، موضحًا أن المفاوضات غير المباشرة، التي تجري في الناقورة برعاية هيئة الرقابة الدولية، برئاسة الجنرال الأميركي مايكل ليني، "وصلت إلى حائط مسدود نتيجة إصرار إسرائيل على خرق وقف النار، وتماديها في اعتداءاتها، بخلاف التزام لبنان بتطبيقه بحرفيته". وأعرب سلام عن رهانه على تجاوب الإدارة الأميركية مع المبادرة التي أطلقها عون "لفتح ثغرة يمكن التأسيس عليها لتطبيق القرار الدولي 1701، بوصفه أساسًا لتثبيت اتفاقية الهدنة المعقودة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، بما فيها الالتزام بترسيم الحدود الدولية بين البلدين".

والآمال اللبنانية تتزامن مع محاولات سوريا توظيف الاتفاق مع قوات "قسد" وما يُحكى عن اندماجها الرسمي وسط مخاوف تركية عبّر عنها وزير الخارجية هاكان فيدان الذي لفت إلى عدم وجود مؤشرات على تقدم المباحثات الخاصة بتنفيذ اتفاق اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية، محذرًا من اشتباكات خطيرة كما كشف اللثام عن التحضير لاجتماع تركي سوري أميركي لبحث التطورات الجارية هناك. والتصريح الوارد من انقرة يبدو مستغربًا بعد البوادر الايجابية التي رافقت الاسبوع المقبل وتأكيد قائد "قسد" مظلوم عبدي التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة الحالية. إلى ذلك، علّق المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، على العملية المشتركة بين دمشق و"التحالف الدولي" في منطقة الضمير بريف دمشق، والتي استهدفت خلية لتنظيم "داعش" يوم السبت الماضي بالقول "سوريا عادت إلى صفنا".

دوليًا، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلفاء بلاده إلى عدم استرضاء روسيا، وذلك عقب عودته من زيارة إلى الولايات المتحدة لم يتمكن خلالها من الحصول على صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى التي كانت كييف تطالب بها منذ أسابيع. وقال زيلينسكي "لن تمنح أوكرانيا الإرهابيين أي مكافأة على جرائمهم، ونعتمد على شركائنا في التمسك بالموقف نفسه"، داعيًا إلى ما وصفها "بخطوات حاسمة" من الحلفاء الأوروبيين والأميركيين في مواجهة التصعيد الروسي. وكلام زيلينسكي يأتي بعد معلومات نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية ومفادها أن الرئيس ترامب حث نظيره الأوكراني على قبول شروط موسكو لإنهاء الحرب، محذرًا من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توعد "بتدمير أوكرانيا" إذا لم تمتثل.

الأوضاع في المنطقة والعالم تناولتها الصحف العربية الصادرة اليوم، الاثنين، وهنا لمحة عن أبرز ما ورد فيها:

رأت صحيفة "الخليج"  الإماراتية أن الالتزام بوقف النار في غزة "لم يصل إلى مسامع نتنياهو، أو أنه لا يعنيه، وهو في الغالب يرى أن المقصود به غيره وليس هو، لأنه يريد تشكيل منطقة على مقاسه في أن تكون إسرائيل صاحبة اليد الطولى التي تقرر مصيرها، بحيث تخضع المنطقة لترتيبات القوة"، مستنتجة أن "إسرائيل تمارس الغطرسة من منطق القوة، واستثمار الهشاشة التي تنخر الإقليم، وهي تستند إلى استراتيجية متدرجة لقضم المزيد من الأرض العربية وتجاوز كل الخطوط الحمر، وإجبار الدول العربية على توقيع اتفاقات سلام من خلال الابتزاز والتوسع و"عمليات الردع"، والتعامل مع المنطقة كفضاء قابل للتقسيم على أسس طائفية وعرقية".

الموضوع عينه قاربته صحيفة "النهار" اللبنانية من باب أن لنتنياهو "تفسيره الخاص لمسار تطبيق الخطة الأميركية، شبيهٍ بتفسيره لاتفاق وقف الأعمال العدائية مع لبنان منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2024. إذ تخوّل إسرائيل لنفسها حق التدخل عسكريًا بزعم أن الطرف الآخر ينتهك الاتفاق". وقالت:"المشكلة هي أن واشنطن تقبل التفسير الإسرائيلي لوقف النار، بما يجعله بمثابة هدنة هشّة لا أكثر ولا أقل، تتيح لها العمل بحرية وقت تشاء، وتوفّر لها تكريس أمر واقع يقوم على دوام احتلالها لأكثر من نصف القطاع. لكن هذا يهدد بالعودة إلى المربع الأول ويجعل التوقعات بـ"فجر تاريخي" في الشرق الأوسط أملاً زائفاً مرة أخرى"، وفق تعبيرها.

وكتبت صحيفة "الغد" الأردنية "مع انتهاء تسليم الرهائن الإسرائيليين الأحياء، تدخل خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة مرحلتها الأكثر تعقيدا، وهي المرحلة التي تكشف حجم التشابكات الحقيقية على الأرض، في مقابل التبسيط الذي طُرحت به الخطة، والتي ركزت أساسا على مشهدية تسليم الرهائن الأحياء بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي عن رؤيته للسلام في الشرق الأوسط"، مشددة على أن "احتفاظ إسرائيل بحق العمل العسكري واستمرارها في توجيه ضربات داخل القطاع، يعني أن الحلول السلمية ما زالت غائبة، وأن الضغط الأميركي في جوهره أنجز لإسرائيل ما لم تُنجزه الحرب نفسها، إذ حرّرها من الضغوط المرتبطة بملف الرهائن الأحياء".

الملف السوري تناولته صحيفة "القدس العربي" التي أشارت إلى أن "سلطات "سوريا الجديدة" قامت بإنجازات "خارجية" كبيرة، وذلك عبر الانفتاح على دول الإقليم، والمنطقة، والعالم، مما ساهم برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية التي كانت تخنق الاقتصاد وتمنع إمكانيات تقدّم البلاد على كافة الأصعدة". لكنها اعتبرت أن "هذه الإنجازات السياسية الخارجية، التي قدّمت أشكالا من الدبلوماسية والحكمة والمرونة والتنازلات، قابلتها انتكاسات داخلية فظيعة، تراجعت فيها أشكال الدبلوماسية والحكمة والمرونة والتنازلات، وارتفع فيها منطق التغلّب والتسرّع والتصلّب، وهو ما فتح الباب واسعا أمام "الفخ الإسرائيلي" المذكور".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن