ينشغل اللبنانيون اليوم بالتصعيد الاسرائيلي المتفاقم وسط مخاوف جدية من عودة الحرب بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. ويعزو هؤلاء الأسباب إلى التدريبات العسكرية والمناورات التي يجريها الجيش الإسرائيلي على وقع المعلومات المسربة عن إستعادة "حزب الله" لقدراته التسليحية والعملياتية بما يضع البلاد أمام مأزق جديد وخطير، خصوصًا أن الحزب يرفض التنازل عن سلاحه ويتمسك به متحديًا قرار الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي المساند لمثل هذه الخطوة. ويصرّ مسؤولو "حزب الله" على أن السلاح "خط أحمر" رابطين بينه وبين ما تقوم به تل أبيب من عمليات مستمرة وعدم احترامها اتفاق وقف النار المبرم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فيما اسرائيل تتذرع بما تسميه "خروقات" الحزب للاستمرار في شنّ الغارات مستهدفة كوادر قيادية حينًا أو مخازن أسلحة وعتاد أحيانًا أخرى.
وإزاء هذه الحماوة لا يزال موقف واشنطن غير واضح المعالم خاصة أن زيارات المبعوثين الأميركيين توم برّاك ومورغان أورتاغوس لطالما صبت لصالح السردية الاسرائيلية. وأخرها كلام برّاك الذي وجه "تهديدًا مبطنًا" إلى لبنان مفاده أنه إذا لم يقم بما يتوجب عليه، فإن أميركا لن تبقى مبادِرة إزاءه أو مهتمة به، وأن اسرائيل قد تتحرك عسكريًا لخوض مواجهة ضد "حزب الله". وهذا الكلام يتقاطع مع تصريحات أخرى تضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤوليات جدية بينما تتحضر لاستقبال أورتاغوس غدًا الاثنين للمشاركة في اجتماع "لجنة مراقبة وقف إطلاق النار"، وذلك بعد اللقاءات التي تجريها اليوم في اسرائيل وهدفها البحث في موضوع سلاح "حزب الله" كعنوان رئيسي وبند عريض ضمن النقاشات الحامية. وتضغط الإدارة الأميركية على لبنان لتنفيذ حصرية السلاح بينما يتخوف المسؤولون من جرّ البلاد إلى حرب أهلية طاحنة بظل الانقسام العامودي في المواقف والآراء.
وعليه، يبدو أن الواقع يسير نحو المزيد من التصعيد الاسرائيلي وتكثيف الضربات والاستهدافات التي تصاعدت وتيرتها في الأيام الأخيرة. وفي التفاصيل، شنّ الطيران الإسرائيلي غارة مساء أمس، استهدفت دراجة نارية على طريق القليلة – صور وأدت إلى مقتل شخص. وسبق ذلك غارة أخرى على بلدة حاروف، أسفرت عن قتيل وجريح. من جهته، قال المتحدث بإسم الجيشِ الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن المستهدف هو "زين العابدين حسين فتوني، القائد في منظومة الصواريخ المضادة للدروع في وحدة قوة الرضوان التابعة لـ"حزب الله"، الذي كان يهم بمحاولات إعادة إعمار بنى تحتية للحزب في جنوب لبنان". هذا وكانت معلومات ترددت في الأوساط اللبنانية عن زيارة مصرية رفيعة المستوى تحمل رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى المسؤولين في لبنان بضرورة تطبيق القرار 1701 والإلتزام ببنوده مع رفض الخروقات والتعديات الاسرائيلية اليومية.
"المأزق" اللبناني و"تلهف" اسرائيل للعودة إلى الحرب التي يعتبرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضرورة للاستمرار في حكمه السياسي تتزامن مع استمرار خرق إتفاق وقف النار في غزة. وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن 93 فلسطينيًا استشهدوا، وأصيب 324، منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في حين تم انتشال 464 جثمانًا منذ ذلك الحين. ولا تزال اسرائيل تتعمد عدم إدخال المساعدات بالكميات المطلوبة والحيلولة دون السماح بدخول المعدات الثقيلة المطلوبة لإزالة الركام والردم المنتشر في كل أنحاء القطاع. في حين تواصل "حماس" البحث عن رفات الرهائن الـ13 المتبقين في غزة الذين لا يزالون في عداد المفقودين وسط تزايد الضغوط الممارسة عليها من كل حدب وصوب. وكان مسؤول دفاعي إسرائيلي صرح لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن فريقًا مصريًا دخل قطاع غزة برفقة عدة مركبات هندسية للمساعدة في تحديد مكان جثث الرهائن في القطاع، موضحًا أن هذه الخطوة حظيت بموافقة القيادة السياسية الإسرائيلية.
في السيّاق، بدا اللقاء "الخاطف" بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد برفقة رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رسالة سياسية واضحة بأن الولايات المتحدة تريد لاتفاق وقف النار أن يعمر، لاسيما أن ترامب يعتبر ما جرى خطوة في طريق السلام المنشود في الشرق الأوسط. وكانت الضربة الاسرائيلية على قطر سرّعت بوقف الحرب في غزّة بعدما أدرك الأميركيون بضرورة وضع حدّ "لتهور" نتنياهو وخوفًا على مصالح واشنطن وعدم الاضرار بها. وكان ترامب توقف في الدوحة للتزود بالوقود في طريقه إلى آسيا، موجهًا الكثير من الشكر والثناء لدولة قطر وأميرها الذي وصفه بـ"الحليف العظيم" لبلاده، مجددًا مطالبة "حماس" بمواصلة إعادة جثث المحتجزين في قطاع غزة. تزامنًا، يصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى الدوحة للمشاركة في اجتماعات تتعلق بالبحث في تفاصيل تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق غزة وذلك بعد زيارة استمرت 3 أيام إلى اسرائيل. وصرّح الأخير أنه سيناقش في قطر الأحد مقترحات بشأن استصدار قرار محتمل من الأمم المتحدة أو اتفاقية دولية لمنح تفويض لقوة متعددة الجنسيات في غزة.
وتضغط واشنطن على تل أبيب لمنع خرق اتفاق وقف النار والانتقال إلى المرحلة الثانية من المباحثات التي تتضمن ملفات حيوية تتعلق بسلاح "حماس" والانسحاب الاسرائيلي كما بإعادة الإعمار، وهي قضايا لا يزال الاختلاف كبيرًا بشأنها بسبب التباعد في وجهات النظر. وتدأب مصر على التحضير لمؤتمر إعادة إعمار غزة، حيث تستمر في إجراء اللقاءات والاتصالات للمؤتمر المزمع إقامته في النصف الثاني من الشهر المقبل. وأجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، اتصالين منفصلين بوزيري خارجية تركيا وهولندا تمحور حول هذا الشأن. في غضون ذلك، أسهمت القاهرة في تعبيد الطريق أمام اتفاق فلسطيني – فلسطيني بضرورة التوافق في المرحلة الراهنة ذات الحساسية الشديدة. وكانت المحادثات التي استمرت أيامًا في العاصمة المصرية أفضت إلى "اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والاستقرار في جميع أرجاء القطاع". إلى ذلك، يهيمن ملف الضفة الغربية المحتلة على المشهد العام خاصة أن اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال تتواصل بوتيرة غير مسبوقة. وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنه "مقتنع تمامًا" بأن الرئيس ترامب سيغيّر رأيه بشأن مسألة ضم الضفة. ميدانيًا، شهدت مناطق متفرقة من الضفة، أمس السبت، موجة جديدة من الاعتداءات من قبل المستوطنين على قاطفي الزيتون وعائلات فلسطينية، تزامنت مع حملة اعتقالات ومداهمات نفذها جيش الاحتلال.
على المقلب السوري، نقل موقع "المونيتور" عن مصادر مطلعة، قولها إن البيت الأبيض يمارس ضغوطًا كبيرة على الكونغرس من أجل إلغاء جميع ما تبقى من عقوبات على سوريا لاسيما "قانون قيصر"، فيما لفتت المصادر إلى أن مسؤولين إسرائيليين كبار يدفعون نحو عدم الإلغاء. وقالت المصادر إن البيت الأبيض حذّر من أن استمرار العقوبات قد يهدد استقرار الحكومة السورية الجديدة، والتي تراها إدارة ترامب محورًا اساسيًا في رؤيتها الإقليمية الأوسع. وتختلف الرؤية الأميركية عن حليفتها اسرائيل في هذا الملف الذي تشير كل التحليلات والمعطيات بأنه سيصب لصالح حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع التي تجهد لضبط الأمن وإستعادة الاستقرار في البلاد التي تعيش تداعيات حرب الـ13 عامًا. وفي الإطار، قالت وزارة الداخلية السورية إن قواتها نجحت في تفكيك وضبط خلايا "إرهابية وإجرامية مرتبطة بتنسيق خارجي" في محافظة اللاذقية، موضحة، في بيان، أن جهات مرتبطة بالنظام السابق تحاول زعزعة أمن اللاذقية عبر استهداف مواقع حيوية وحكومية وارتكاب جرائم القتل والخطف الممنهج.
إيرانيًا، أشار وزير الخارجية عباس عراقجي إلى إن الولايات المتحدة طلبت من طهران، الشهر الماضي، تسليم اليورانيوم المخصب مقابل تأجيل تفعيل آلية الزناد، مؤكدًا، في تصريحات إعلامية، "أن تخصيب اليورانيوم حق لإيران ولا يمكن لأحد حرمانها من هذا الحق لأن لديه مخاوف". وإذ شدّد على أن "مطالب واشنطن غير منطقية ولا نرى أي أرضية إيجابية للتفاوض معها"، لفت إلى أن بلاده "مستعدة للتفاوض وبناء الثقة لإزالة المخاوف من برنامجها النووي وإبرام اتفاق وتنفيذه"، بعيدًا عن "فرض الإملاءات الذي لن تخضع له (إيران) وستصر على استقلالها". في الأثناء، أعلنت طهران أن مناورات مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت عنوان "سهند - مكافحة الإرهاب – 2025" ستُجرى قرب مدينة تبريز شمال غربي البلاد في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بمشاركة دول أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
في الشأن الدولي، قال الرئيس الأميركي إنه لن يجري أي محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلا إذا أبدى الأخير "جدية" في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا. وأضاف "ربطتني دائمًا صداقة رائعة ببوتين، لكن هذا الأمر كان مخيبًا جدًا للآمال". وتتخوف موسكو من تصلّب الموقف الأميركي وتشدده خصوصًا بعد تأجيل قمة بودابست التي كان يزمع عقدها بين الرئيسين. وكانت الولايات المتحدة فرضت، الأربعاء، عقوبات على أكبر شركتين نفطيتين روسيتين، كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مشدّدة على قطاعي النفط والغاز الروسيين بالتزامن مع العقوبات الأميركية. وفي الدوليات أيضًا، توجه الرئيس دونالد ترامب، امس السبت، إلى آسيا حيث يجري جولة مهمة ستتوج بلقاء مع نظيره الصيني شي جين بينغ يوصف بـ"المهم" بالنسبة للاقتصاد العالمي. من جهة أخرى، أبدى ترامب انفتاحه على لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خلال هذه الجولة الأولى له في المنطقة منذ عودته إلى السلطة في كانون الثاني/يناير الماضي.
ومن المستجدات إلى عناوين الصحف العربية وتحليلاتها والتي ركزت بمعظمها على الأحداث الفلسطينية وهنا أبرزها:
كتبت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن "توافق الفصائل الفلسطينية، بعد اجتماعها في القاهرة، على لجنة من المستقلين (التكنوقراط) لإدارة شؤون قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية، يؤشر إلى توجه واعد لإصلاح البيت الفلسطيني وقطع للذرائع أمام إسرائيل ومخططاتها العدوانية، كما تتطابق جزئيًا مع الرؤية العربية، المدعومة دوليًا، لإنهاء الحرب في غزة وإعادة إعمارها وفتح أفق سياسي جديد للقضية الفلسطينية". وأضافت "التوافق المعلن عنه ما زال مجرد فكرة وحبرًا على ورق، وقد يتطلب بعض الوقت للانتهاء من صياغته التفصيلية وتجاوز بعض الخلافات العالقة، لا سيما بين حركتي "فتح" و"حماس"، أما تطبيقه على الميدان فيتطلب جهودًا كبيرة وتنسيقًا مسبقًا حتى لا يصطدم مع الخطط الأخرى"، بحسب تعبيرها.
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فلفتت إلى أن "الملف الفلسطيني يفيض بالحساسيات، ونحن ندخل السنة الثالثة من الحرب وجسور الإمداد الإغاثي متوقفة من الأردن، ومخازن المؤسسات المحلية والدولية تواجه مشكلة هنا، وهذا يعني أن الاحتلال انقلب على الاتفاق، بعد أن استعاد الأسرى وهو يدرك أصلا أن انتشال جثث القتلى الإسرائيليين بحاجة إلى شهور"، مستنتجة أن "الحرب مستمرة، وإن أخذت شكلًا ثانيًا من خلال العمليات المتقطعة نسخًا للنموذج اللبناني، ومن الطبيعي وسط هذه التقييمات أن ينأى الأردن بنفسه، ويركز على الدورين السياسي والإنساني، في قطاع غزة والضفة الغربية، وسط تقديرات تقول إن كل المنطقة ما تزال على الحافة، وربما نشهد ما هو أصعب خلال الفترات المقبلة على صعيد بقية الجبهات، بما فيها الضفة الغربية".
صحيفة "الأهرام" المصرية، بدورها، رأت أن "مشكلة نتنياهو أنه تعمد إشعال نيران التطرف والتعصب والكراهية في المجتمع الإسرائيلي، وطوال حملاته الانتخابية، كان يستخدم تلك الأوراق البغيضة حتي ظهرت أحزاب أخرى أكثر تطرفًا منه، تتعمد في خطابها السياسي الخلط ما بين الخرافات الدينية والأساطير المحرفة، على طريقة الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل "داعش"، و"القاعدة" حديثا، ومثلما كانت لغة خطاب الحملات الصليبية قديمًا"، مشيرة إلى أن نتنياهو لم يكن يريد تمرير مشروع ضم الضفة إلى السيادة الاسرائيلية في ذلك التوقيت علي الأقل، "لكن مشكلته أنه عمل منذ 29 عاماً منذ بدء رئاسته لأول حكومة إسرائيلية علي تحضير "عفريت" التطرف والإرهاب داخل المجتمع الإسرائيلي"، على حدّ وصفها.
(رصد "عروبة 22")

