يبدو أن العنجهية الصهيونية قد تجاوزت الخطوط الحمراء، ولم يكترث مسؤولوها للباقة الدبلوماسية، واحترام سيادة الدول وخياراتها، ورغم الاعتذار عن تصريحات مسيئة لدولة ذات سيادة، إلا أنها تعكس اللاوعي الإسرائيلي وكيفية نظرتهم للدول العربية. ويبدو أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تضيق ذرعاً بسلوك قادة إسرائيل وتصريحاتهم التي لا تراعي أي معايير سياسية أو سلمية، نتيجة تصويت الكنيست على ضم أراضٍ من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، ما يشير إلى أن شهر العسل الأمريكي الإسرائيلي مهدّدٌ أو في طريقه إلى الانتهاء، خاصة أن هناك إشارات تدل على أن الولايات المتحدة بدأت تفكّر بمصالحها مع الدول العربية، أو على الأقل تلك الدول التي تعدّها حليفة.
ولم تكد إسرائيل تلملم فضيحة تصريحات بتسلئيل سموتريتش ضد المملكة العربية السعودية، حتى وجّه لها ترامب كلاماً قاسياً، وخاصة نتنياهو. وفي السياق السعودي قدَّم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الخميس الماضي اعتذاره الرسمي إلى المملكة العربية السعودية عقب تصريحات مسيئة على منصة (إكس)، تهكّم فيها من موقف السعودية الذي يقول: التطبيع مع إسرائيل مقابل دولة فلسطينية، وهذا الموقف ليس جديداً على المملكة، إنما طرحته من خلال مبادرتها في القمة العربية في بيروت قبل أكثر من عقدين من الزمان، والتي عُرفت بمبادرة "الأرض مقابل السلام"، وقد قوبلت تغريدة سموتريتش بالشجب والاستنكار من السعودية والدول الشقيقة والصديقة، ما أجبر وزير المالية الإسرائيلي على تصحيح موقفه والاعتذار. إلا أن الاعتذار لا يعني أن العقل الإسرائيلي لا يفكّر بهذه الطريقة، فالقوة أحياناً تعمي القلوب، وتزيد من الوقاحة.
وفي السياق ذاته، أي حرصاً من الولايات المتحدة على نجاح مبادرة ترامب، حذّر الرئيس الأمريكي من أن إسرائيل "قد تفقد الدعم الأمريكي بالكامل" إذا مضت قدماً في ضم الضفة الغربية، وقال لمجلة "تايم": إنه لن يسمح باتخاذ هذه الخطوة التي من شأنها تقويض الثقة بين واشنطن والدول العربية وجاء تحذير ترامب رداً على تصويت الكنيست الإسرائيلي على ضم أراضٍ من الضفة الغربية، وموافقة 25 عضواً ومعارضة 24 آخرين ويبدو أن التصويت تمّ في أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس إلى تل أبيب، ما جعل مسؤولاً أمريكياً يقول لقناة 12 الإسرائيلية ويصف ما حدث بالأحداث المحرجة، أي التصويت على ضم أراضٍ من الضفة.
وقال المسؤول الأمريكي: إن ذاك السلوك الإسرائيلي جعل إدارة الرئيس ترامب تعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يعمل على انهيار اتّفاق غزة، وقال: "إن نتنياهو يسير على حبل رفيع مع ترامب، وإن عمل على تخريب الاتّفاق فسيعاقب.. " وأكد نائب الرئيس الأمريكي قبيل مغادرته إسرائيل أنّ "الدولة العبرية لن تقوم بضم الضفة الغربية.. " وحذّر من أن مهمّة نزع سلاح "حماس" التي طالما عارضتها الحركة المسلّحة ستستغرق بعض الوقت وستعتمد كثيراً على تشكيلة القوّة الدولية المنصوص عليها في الاتّفاق.. وهو تصريح خطِر للغاية، شأنه شأن تصريحات ترامب ومسؤولين أمريكيين آخرين.
قد تبدو التصريحات السابقة عادية للبعض لكنها ليست كذلك للمراقب، فإحدى أسباب غضب الرئيس الأمريكي من نتنياهو خشيته من إغضاب الدول العربية، ويعني بذلك، الدول التي وقّعت على اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقد تكون المرة الأولى التي يكون فيها سياسي أمريكي واضحاً بخصوص السياسات الإسرائيلية في فلسطين، وأن يقول نائب الرئيس: إن نتنياهو لن ينفّذ القانون الذي صوّت عليه الكنيست، ليس لأنه يهدد اتفاقية وقف إطلاق النار كما قال، بل لأنه يحسب حساباً لمصداقيته مع الدول العربية الموقعة على الاتفاق، علماً أن الرئيس ترامب صرح قبل ذلك أنه ليس لديه مانع من ضم إسرائيل للضفة الغربية.
التصريح الثاني المثير للغرابة يتعلق بسلاح حماس، حين قال نائب الرئيس الأمريكي: إن نزع سلاح حماس سيستغرق بعض الوقت، وسيعتمد كثيراً على تشكيلة القوة الدولية المنصوص عليها في الاتفاق، وهذا يتعارض مع تصريحات الرئيس الأمريكي من أنه سيطلق يد إسرائيل في قطاع غزة إذا لم تقبل حركة حماس تسليم سلاحها، ولا ندري هذا التغيير في الموقف، هل هو فهم للتعقيدات، أم أنه بدأ يشكّل موقفاً أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
ويحق لنا أن نتساءل بعد هذا الاستعراض في المواقف، هل موقف الولايات المتحدة الأمريكية الغاضب تجاه إسرائيل حقيقي أم أنه يجامل العرب الموقّعين على الاتفاق، أم أنه لا يريد أن يُحرَج أمام شركائه الأوروبيين، أو يظهر ضعيفاً أمام مراهقة نتنياهو ودمويته، أم أنه بات يحسب ألف حساب للمتظاهرين في العواصم العالمية المؤيدين للقضية الفلسطينية، أم أنه يصوّب على جائزة نوبل للسلام، التي وإن أخطأته هذا العام، يمكنه الحصول عليها العام المقبل.
(الخليج الإماراتية)

