يُقَدِّمُ كِتابُ "الشرقُ الأدنى مرآةُ العالَم" مَفاتيحَ أَوَّلِيَّةً لِفَهْمِ هذهِ التَّحَوُّلاتِ، مِنْ خِلالِ الفَحْصِ الدَّقيقِ لِثَماني لَحظاتٍ تَأْسيسيَّةٍ بَيْنَ عامَيْ 1915 و2025، حيثُ تَتَبَّعَ المُؤَلِّفُ قَرْنًا مِنَ الصِّراعاتِ والتَّداخُلاتِ وإِعادَةِ التَّشْكيلِ، ويَجْعَلُ التّاريخَ المُعاصِرَ للشَّرْقِ الأَدْنى في مُتَناوَلِ الجَميعِ أَكْثَرَ مِنْ أيِّ وَقْتٍ مَضى مِرْآةً للعالَمِ، وجاءَ العملُ مُوَزَّعًا على مُقَدِّمَة، وَأحدَ عَشَرَ فَصْلًا، وَخَاتِمَة حَرَّرَها زياد ماجِد، وَهُوَ باحِثٌ فَرَنْسِيٌّ مِنْ أَصْلٍ لُبْنانِيّ.
يمكن فهم هذه المرحلة على أنَّها لحظة تأسيسية ثامنة
يَرى المُؤَلِّفُ أنَّهُ مُنْذُ نِهايةِ عامِ 2023 - يَقْصِدُ مَرْحلةَ ما بَعْدَ 7 أكتوبر/تشرينَ الأوّلِ 2023 - بَدَأَ الشَّرْقُ الأوْسَطُ مَرْحَلَةً جَديدَةً مِنْ تاريخِهِ، لا تَزالُ مَلامِحُها غَيْرَ مُحَدَّدَةٍ إلى حَدٍّ كَبير. بُنِيَتْ هذهِ المرحلةُ على مُفْتَرَقِ طُرُقِ دِينامِيَّاتِ الدمارِ والعُنْفِ واسِعِ النطاقِ وإِعادَةِ التَّرْكيبِ السِّياسيِّ، في بيئَةٍ دَوْلِيَّةٍ تَعْبُرُهَا خُطوطٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنَ الكَسْرِ، وصُعودُ اليَمينِ المُتَطَرِّفِ، وإِضْعافُ المَعاييرِ الإِنْسانِيَّةِ، فَضْلًا عنْ تَراجُعِ المَبادِئِ القانونِيَّةِ التي وُضِعَتْ بَعْدَ الحَرْبِ العالَمِيَّةِ الثّانِيَّة.
وَالحالُ، حَسَبَ المُؤَلِّفِ، أنَّ البُؤَرَ الرَّئيسِيَّةَ لِهَذِهِ التَّحَوُّلاتِ تَجَسَّدَتْ على الخُصوصِ في فِلَسْطينَ وسوريا ولُبْنانَ لاعْتِباراتٍ عِدَّة، أَهَمُّها أنَّهُ تَمَّ الجَمْعُ بينَ عَمَلِيّاتِ الهدمِ وإِعادَةِ الإِعْمارِ والانْهِيارِ والمُرونَة. لمْ يَتِمَّ تَحْديدُ شَكْلٍ مِنْ أَشْكالِ الاسْتِقْرارِ في أيِّ مَكانٍ، والكَثيرُ مِنَ التَّطَوُّراتِ العَسْكَرِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ، في ظِلِّ التَّأْثيرِ المُتَبَادَلِ للهَجَماتِ الإسْرائيليةِ، والمُنافَساتِ الدّاخِلِيَّةِ، والتَّدَخُّلِ الخارِجيِّ، وإعادَةِ تَحديدِ الأوْلَوِيَّاتِ الدَّوْلِيَّةِ باسْتِمْرار. لِذَلِكَ يُمْكِنُ فَهْمُ هذهِ المَرْحَلَةِ على أنَّها لَحْظَةٌ تَأْسيسيَّةٌ ثامِنَةٌ، بعدَ سَبْعِ لحظاتٍ رَئيسيَّةٍ أُخْرى مَيَّزَتِ الشَّرْقَ الأَوْسَطِ منذُ أُفولِ الإِمْبَراطورِيَّةِ العُثْمانِيَّة.

خُصِّصَتْ فُصولُ الكِتابِ للمَحاوِرِ التّالِيَةِ، الفَصْلُ الأَوَّلُ بِعُنْوانِ "الشَّرْقُ الأَوْسَطُ وأُصولُ تَكْوينِهِ الحَديثِ" (من صَفْحَةِ 11 إلى صَفْحَةِ 29)؛ "حربُ أكْتوبَر/تِشْرينَ الأَوَّلِ وازْدِهارُ النَّفْطِ" (من ص 61 إلى ص 72)؛ "الثَّوْرَةُ الإيرانِيَّةُ والجِهادُ الأَفْغانِيُّ" (من ص 73 إلى ص 102)؛ "عاصِفَةُ الصَّحْراءِ وعَمَلِيَّةُ السَّلامِ" (من ص 103 إلى ص 139)؛ "11 سِبْتَمْبَر/أَيْلولَ، الحَرْبُ ضِدَّ الإِرْهابِ وغَزْوُ العِراقِ" (من ص 141 إلى ص 171)؛ "تَبِعَاتُ الثَّوْراتِ العَرَبِيَّةِ والحَرْبِ السّورِيَّةِ" (من ص 173 إلى ص 211)؛ "7 أُكْتوبَر/تِشْرينَ الأولِ 2023، سِيَاقُهُ وتَدَاعِيَاتُهُ" (من ص 213 إلى ص 242)؛ "الإِبادَةُ الجَماعِيَّةُ في غَزَّةَ، السَّرْدُ الاسْتِعْمارِيُّ، القانونُ الدَّوْلِيُّ والدّيموقْراطِيَّةُ الغَرْبِيَّةُ" (من ص 243 إلى ص 264)؛ "إِعادَةُ تَشْكيلِ السِّياساتِ في سوريا ولُبْنانَ والصِّراعاتُ الإِقْليميَّةُ المُتَوَسِّعَةُ" (من ص 265 إلى ص 283)؛ "الحِقْبَةُ التّْرامْبِيَّةُ في الشَّرْقِ الأوْسَطِ" (من ص 285 إلى ص 310)؛ والخاتِمَةُ التي جاءَتْ تَحْتَ عُنْوانِ "مِرْآةُ العالَمِ" (من ص 311 إلى ص 319).
عمل توثيقي وأرشيفي مُوَجَّه للذاكرة الجمعيّة
الكِتابُ أشْبَهُ بِعَمَلٍ تَوْثيقيٍّ وأرْشيفيٍّ، مُوَجَّهٍ للذّاكِرَةِ الجَمْعِيَّةِ، معَ تَقْديمِ مَفاتيحَ تَفْسيريةٍ وإشاراتٍ في سِيَاقِ قِراءَةِ المُقَدِّمَاتِ الجِيوسِياسِيَّةِ التي أَفْضَتْ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ المُؤَلِّفِ إلى ما نُعايِنُهُ في تَطَوُّراتِهِ وهذا ما يَتَّضِحُ بِشَكْلٍ جَلِيٍّ في عناوينِ الفُصولِ التي سَنَستَعرِضُ أبرزَها في الجزءِ الثاني من هذا المقال.
(خاص "عروبة 22")

