تتزاحم الزيارات الدولية إلى لبنان في محاولة لمنع جرّ البلاد نحو أتون حرب جديدة في وقت تصعّد اسرائيل من استهدافاتها وتكثف عملياتها وتخرق اتفاق وقف النار المبرم. وتبرز، في هذا الإطار، الزيارة المصرية الرفيعة المستوى بشخص مدير المخابرات اللواء حسن رشاد الذي يصل اليوم إلى بيروت لإجراء لقاءات مع الرؤساء وعددًا من المسؤولين، وهو الذي زار اسرائيل في الايام القليلة الماضية واجتمع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتحاول القاهرة بما تملكه من علاقات دبلوماسية ايجابية مع مختلف الأطراف في لبنان أن تلعب دورًا محوريًا، لاسيما بعد ما تحقق في ملف غزة لجهة وقف النار والتوصل إلى إتفاق "شرم الشيخ للسلام".
والموقف المصري ينبع من الحرص على وحدة الأراضي اللبنانية ونزع فتيل الأزمة مع إدراكها حقيقة الوقائع والاختلاف في موازين القوى وتغير كل الظروف على مستوى المنطقة. ومن هنا يأتي طرح ملف سلاح "حزب الله" على طاولة البحث سعيًا للوصول إلى تسوية سياسية تخرج البلاد من عنق الزجاجة وفق شروط تتعلق بضرورة وضع جدول زمني وإطار واضح للانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية مقابل سحب سلاح الحزب والتخفيف عن كاهل الحكومة اللبنانية التي تتعرض لضغوط جمة من كل حدب وصوب. ويلقى تحرك القاهرة قبولًا لبنانيًا داخليًا من شأنه أن يسهم في تنفيس الاحتقان في حال قرر "حزب الله" أن يستمع للنصائح الدولية ويدرك خطوة ودقة المرحلة الراهنة مع تجاوز تل أبيب كل "الخطوط الحمر". الزيارة المصرية تتزامن مع وصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أمس، الاثنين، قادمة من اسرائيل حيث قامت بجولة على الحدود مع لبنان اطلعت فيها على آخر المستجدات واستمعت إلى المعطيات الاسرائيلية التي تفيد بأن الحزب يعيد تفعيل نشاطه وبناء قوته وقدراته العسكرية، في محاولة لتسويغ أي تصعيد إسرائيلي لاحقًا وإيجاد التبرير له.
وبحسب المعطيات المتداولة، فإن الأخيرة حملت معها شروطًا واضحة من تل أبيب إلى الجانب اللبناني وتتعلق بضرورة الإسراع لايجاد حل لسلاح "حزب الله" قبل ان تتدخل اسرائيل نفسها، مع الإشارة إلى زيادة التعزيزات العسكرية على الحدود مع لبنان. وتترافق التهديدات الاسرائيلية مع تشديد أميركي و"اتهام" ضمني للحكومة بعدم أخذ هذا الموضوع على محمل الجد والمماطلة بإتخاذ الاجراءات الفعلية لتطبيق بند حصرية السلاح الذي تم إقراره في وقت سابق ولكنه لم يطبق بحذافيره نتيجة خوف المعنيين في لبنان من دخول البلاد في اقتتال طائفي من جهة وتعنت "حزب الله" وتمسكه بسلاحه واعتباره ذلك بمثابة خيار لا تراجع عنه تحت أي ظرف. وتشبث الحزب بسلاحه ورفضه الاستماع يعمّق من الأزمة الداخلية بينما تسرح وتمرح اسرائيل بلا حسيب ولا رقيب وتواصل خروقاتها لاتفاق وقف النار الذي تم التوصل إليه في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفي التفاصيل، شنّت مُسيّرة اسرائيلية عصر الاثنين غارةً استهدفت محيط منشرة خشب في بلدة البياض في قضاء صور، ما أدى إلى سقوط شخصين هما شقيقين من آل سليمان. وبحسب ما أورده موقع "واللا" العبري، فإن جيش الاحتلال قتل منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، نحو 330 عنصرًا من "حزب الله"، بينهم 10 خلال الأيام العشرة الأخيرة، في سلسلة من الغارات الجوية والعمليات الميدانية.
من جهتها، سجلت قوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب سابقة، هي الاولى من نوعها، بإسقاط مسيّرة إسرائيلية حلّقت فوق دورية للبعثة "بشكل عدواني" ما اضطرها لإطلاق النار عليها وإسقاطها، قبل أن يطلق الجيش الإسرائيلي النار باتجاه قوات حفظ السلام. وتأتي هذه التوترات الدراماتيكية بالتزامن مع خلاف بدأ يهدد الحياة البرلمانية، بعد قرار عدد من الكتل النيابية مقاطعة الجلسة التشريعية التي تُعقد اليوم استكمالًا للجلسة السابقة. ويحتج المعارضون على رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرر الرامي إلى شطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخابات النيابية، بما يسمح للبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم، بحسب قيودهم في لوائح الشطب لـ128 نائبًا. وكان قصر بعبدا شهد على زيارة لمعارضي بند الاقتراع، إذ استقبل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون نوابًا من "الوفاء للمقاومة" و"التنمية والتحرير" والنائب جهاد الصمد، بحثوا معه في الملف الانتخابي. وينظر الثنائي الشيعي إلى هذا الاستحقاق من باب أهميته القصوى خصوصًا بعد ما أصاب الحزب من تضعضع نتيجة فقدانه كبار قيادييه والضربات الاسرائيلية المستمرة. ويعتبر هذا بنظره بمثابة اختبار جديد لشرعيته وقدرته على التجييش في ظل غياب الخطط الرسمية لإعادة الاعمار، وهو ملف شائك تربطه الدول المانحة بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تمنع أي حرب مستقبلًا.
الواقع اللبناني المُعقد يأتي بينما يعيش سكان قطاع غزة معركة جديدة تتمثل بتوفير الغذاء وأساسيات الحياة من جهة وإزالة الردم والركام من جهة أخرى، وهي عملية تحتاج إلى معدات ثقيلة وآليات لا تزال تل أبيب تمنع دخولها بحجج وذرائع واهية. كما تستمر في خرق الاتفاق حيث استشهد فلسطينيان وأُصيب آخران، أمس الاثنين، بعدما استهدفتهم مُسيّرة إسرائيلية شرق خان يونس في جنوب قطاع غزة. في حين تستمر عمليات النسف الإسرائيلية لما تبقى من منازل في المناطق الواقعة شرق ما بات يُعرف بـ "الخط الأصفر"، حيث تتردد انفجارات ضخمة في مختلف أنحاء القطاع. هذا وارتفع إجمالي عدد الضحايا الذين سقطوا منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ إلى 93 شهيدًا و337 مصابًا بجروح متفاوتة، وفق ما أعلنته وزارة الصحة بغزة التي أفادت بأن إجمالي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية ارتفع إلى 68 ألفًا و527 شهيدًا، و170 ألفًا و395 مصابًا كما أشارت إلى انتشال 472 جثمانًا من مناطق مختلفة بينما البحث لا يزال مستمر عن أشخاص أخرين لا يزالون في عداد المفقودين.
في غضون ذلك، تواصل "حماس" البحث عمن تبقى من جثث الرهائن الاسرائيليين بمساعدة فرق مصرية، مؤكدة أنها تبذل جهودًا قصوى في هذا الإطار منعًا لاستغلال اسرائيل هذا الموضوع لتفجير الاتفاق. فيما دعا منتدى عائلات الرهائن في إسرائيل إلى تعليق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار إلى حين تسليم الحركة جميع الرفات المتبقية لديها. ولم تبدأ المباحثات في المرحلة الثانية نتيجة تمييع اسرائيل الموضوع وخلقها عثرات متعمدة على الرغم من الجهود التي توليها واشنطن لهذا الملف انطلاقًا من أهمية البحث بالقضايا المفصلية العالقة والتي لا تزال موضع اختلاف كبير بين تل أبيب و"حماس"، خاصة ما يتعلق بسلاح الحركة و"اليوم التالي". من جهته، أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أن بلاده لن ترسل قوات إلى قطاع غزة، لكنه أبدى استعداد الأردن لتدريب قوات الأمن الفلسطينية بالتعاون مع مصر، في إطار الجهود الإقليمية الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن الأردن "قريب سياسيا جدًا من التطورات في غزة" ولا يرغب في الانخراط في دور عسكري مباشر.
إلى ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين لا يقبلون تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم الرشاوى والفساد، وهو ما يستشعره الأخير بالفعل ويدفعه نحو البحث الجدي في مسألة التبكير بالانتخابات. وتشير التقديرات إلى أن موعد الانتخابات العامة المقبلة الأكثر ملاءمة لوضع نتنياهو هو شهر حزيران/ يونيو المقبل. فيما الداخل الاسرائيلي منقسم بين مؤيد ومعارض خصوصًا بعد حرب العامين في غزة وما يجري في الضفة الغربية المحتلة. وكانت قوات الاحتلال والمستوطنين صعدوا من هجماتهم الوحشية، حيث شهدت عدة مناطق الاثنين مواجهات واقتحامات وعمليات هدم استهدفت منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم. وفي السياق، أعلنت "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" أن سلطات الاحتلال أصدرت 5 أوامر عسكرية جديدة تقضي بالاستيلاء على نحو 73 دونمًا من أراضي الفلسطينيين في محافظة رام الله والبيرة بذريعة "أغراض أمنية". وأضافت الهيئة أن الاحتلال أقام منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 نحو 30 منطقة عازلة جديدة حول المستوطنات في مسعى لفرض وقائع ميدانية دائمة.
هول ما يجري في غزة والضفة لا يختلف عن العنف المتواصل في السودان والدعوات لحماية المدنيين وانقاذ أرواحهم. ففي هذا الإطار، دعت الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار فورًا في الفاشر وبقية أنحاء السودان. من ناحيتها، قالت شبكة أطباء السودان، في بيان صحفي، إن قوات "الدعم السريع" قتلت 47 مواطنًا، من بينهم 9 نساء، في مدينة بارا ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان، وأشارت إلى أن عملية الاغتيالات تمت بتهمة الانتماء للجيش. وتترافق هذه التطورات الدموية وسط موجات نزوح كبيرة للسكان وذلك غداة اشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع". كما تسود مخاوف متزايدة حيال الوضع الإنساني المتردي في مدينة الفاشر غربي البلاد، حيث فرّ المئات، وسط انقطاع تام للاتصالات، غداة إعلان "قوات الدعم السريع" سيطرتها الكاملة على المدينة الإستراتيجية في إقليم دارفور. يُذكر أن وزارة الخارجية السودانية أصدرت بيانًا فجر اليوم أدانت فيه بأشد العبارات ما وصفته بـ"الجرائم الإرهابية المروّعة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر".
على المقلب الأخر، أجرى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مباحثات في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أفضت إلى توقيع صفقة لبيع 20 طائرة مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون" المقاتلة. وتعد هذه الزيارة الأولى لستارمر إلى تركيا منذ توليه منصبه العام الماضي، وتأتي في وقت تسعى فيه أنقرة لتحديث أسطولها الجوي ومجاراة القوى الإقليمية، وفي مقدمتها إسرائيل وسط الخلل الحاصل في موازين القوى الاقليمية ومساعي تركيا إلى ان يكون لها دور في مستقبل غزة وسوريا والمنطقة برمتها. أما في الشؤون الدولية الأخرى، تمنى وزير الخارجية الصيني بعيد المحادثة الهاتفية مع نظيره الأميركي ماركو روبيو أن تتمكن أميركا من الالتقاء في منتصف الطريق مع الصين، مذكرًا بأن الرئيسين شي جينبينغ وترامب تربطهما "علاقات طويلة الأمد ويحترمان بعضهما بعضًا"، وهو ما عدّه "أثمن رصيد استراتيجي في العلاقات" بين البلدين.
في سياق منفصل، توقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يتقدم الحلفاء الغربيون بمقترح موجز للسلام في غضون الأيام المقبلة لإنهاء الحرب مع روسيا، حسب ما أفاد موقع "أكسيوس". ولكنه مع ذلك أعرب عن شكوكه في أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعدًا للموافقة على مثل هكذا اتفاق، مشددًا على أنه من أجل إجبار بوتين على الجلوس على طاولة المفاوضات، فإنه يتوجب فرض المزيد من العقوبات على روسيا وتوفير أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا، وهو ما يعدان أمرين ضروريين.
وهنا جولة على أبرز عناوين ومقالات الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي:
اعتبرت "الغد" الأردنية أن "بوابة لبنان تقود إلى إيران مباشرة، بمعنى أننا إذا شهدنا حربًا جديدة على لبنان ومحاولة توسعة حدود الاحتلال والسطو على مساحات في الجنوب اللبناني، والمناطق المشتركة بين لبنان وسورية، نكون قد اقتربنا من ضربة إيران، إلا إذا تم وضع العراق في خانة مواجهة، وهذا أمر يخضع لحسابات إيرانية وأميركية متعددة تجدول الملف، موضحة أن "إيران لن تتدخل إذا تم توجيه ضربة كبرى إلى لبنان، وهي لم تتدخل مباشرة في كل الضربات السابقة، لكنها تفضل أن تبقى جبهات لبنان واليمن والعراق، دروع حماية حتى تصل إيران إلى نقطة محددة، لعلّ تسويةً ما تحدث، خصوصا، أن هناك قراءات تؤشر على أن ضربة إيران المقبلة ستكون مختلفة، ولن يحتمل الإقليم كلفتها".
صحيفة "اللواء" اللبنانية، بدورها، أشارت إلى أن "لبنان اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرة مرجعياته ومؤسساته على توحيد الموقف الرسمي في مواجهة الأخطار، وإظهار حدٍّ أدنى من الانسجام السياسي المطلوب لطمأنة اللبنانيين في الداخل، والمجتمع الدولي في الخارج"، لافتة إلى أن "الخطوات الضرورية في المرحلة المقبلة يجب أن تبدأ بتفعيل قنوات التوافق الداخلي، وإقرار إستراتيجية التعامل مع الضغوطات الخارجية التي تدفع بإتجاه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والأطراف السياسية، لا سيما الثنائي الشيعي على قاعدة احترام القرار السيادي ووحدة السلاح الشرعي"، بحسب تعبيرها.
ملف غزة تناولته صحيفة "الأهرام" المصرية التي قالت إن "الجهود المصرية تتواصل من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب فى غزة وتنفيذ خطة الرئيس ترامب بمراحلها المختلفة من خلال التغلب على العقبات والعراقيل التي تحول دون الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية"، مؤكدة أن "مصر تبذل جهودها الكبيرة للتغلب على عقبة تسليم بقية جثث الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، والتي تستغلها الحكومة الإسرائيلية للمماطلة في فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية والبدء في خطة إعمار قطاع غزة، ولذلك كان إرسال مصر معدات متخصصة للبحث عن جثث الأسرى لحسم هذا الملف وعدم إعطاء الذرائع للجانب الإسرائيلي الذي قام بخروقات عديدة لاتفاق وقف إطلاق النار".
أما صحيفة "الصباح" العراقية، فنبهت إلى أن "المسألة الايرانية تتأرجح بين عدة ملفات معقدة وشائكة شرق اوسطية لكنها تتمحور في اطار الامن القومي الاسرائيلي بعدما منحت ادارة الرئيس ترامب مهمة ترتيب الشرق الاوسط للكيان الصهيوني، بالشكل الذي يريده هذا الكيان مفصل علی مقاساته". وأضافت " يسود الاعتقاد ان الجانبين الايراني والامريكي يتلاعبان بالوقت. فواشنطن تريد زيادة الضغوط الاقتصادية علی طهران من أجل أتعابها للحصول علی المزيد من التنازلات؛ فيما تستعد طهران في طريقها ومسالكها لتجاوز العقوبات والصمود امام هذه العقوبات، كما صمدت خلال العقود الماضية؛ والاثبات أن خيار العقوبات لا يمكن له ان يضغط علی الشعب الايراني الذي لا يريد الركوع امام العدو"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")

