في الذِّكْرى الـ15 لانْطِلاقِ شَرارَةِ "ثَوْراتِ الرَّبيعِ العَرَبيِّ"، لا تَزالُ آثارُ الْأَزْمَةِ قائِمَةً، وَالدَّمارُ وَالخَرابُ بادِيانِ لِلْعَيانِ في أَكْثَرَ مِنْ مَنْطِقَةٍ وَمَكانٍ، وَتُقَدَّرُ قيمَةُ خَسائِرِها بِمِئاتِ مِلْياراتِ الدّولاراتِ، عادَتْ بِالمِنْطَقَةِ سَنَواتٍ إلى الوَراء. وَتُعْتَبَرُ سورْيا وَليبْيا وَاليَمَنُ وَالعِراقُ وَالسّودانُ وَغَزَّةُ مِنْ أَكْثَرِ المَناطِقِ العَرَبِيَّةِ تَضَرُّرًا، على الرَّغْمِ مِنْ تَبايُنِ الْأَسْبابِ وَالنَّتائِجِ، وَحَجْمِ الخَسائِرِ البَشَرِيَّةِ وَالعُمْرانِيَّةِ وَالاقْتِصادِيَّةِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ ما خَلَّفَتْهُ الحُروبُ مِنْ دَمارٍ، وَانْهِيارِ أَنْظِمَةِ الحُكْمِ، وَتَفَكُّكِ كِيانِ الدَّوْلَةِ السِّياسيِّ وَالمُجْتَمَعيِّ، وَتَحَوُّلِهِ إلى عَصَبِيّاتٍ دينِيَّةٍ، وَعِرْقِيَّةٍ، وَجُغْرافِيَّةٍ، مُتَناحِرَةٍ، مَعَ تَفَشّي الْفَسادِ، وَضَعْفِ مُقَوِّماتِ الِاقْتِصاد.
في الجانِبِ غَيْرِ البَعيدِ، عاشَتْ دُوَلٌ أُخْرى، طيلَةَ الْفَتْرَةِ الماضِيَةِ أَضْرارًا أَمْنِيَّةً وَسِياسِيَّةً وَاقْتِصادِيَّةً وَاجْتِماعِيَّةً أَقَلَّ سوءًا، خاصَّةً في الجَزائِرِ (العَشْرِيَّةُ السَّوْداء).
حراك "ثورة الياسمين" تحوّل إلى صراع على السلطة وكانت الكلفة المادية والبشرية باهظة
وَشَهِدَتْ مِصْرُ صِراعًا على السُّلْطَةِ بَيْنَ الإِخْوانِ المُسْلِمينَ وَالدَّوْلَةِ العَميقَةِ، كَلَّفَ القاهِرَةَ مَدْيونِيَّةً مُرْتَفِعَةً بَلَغَتْ 156 مِلْيارَ دولارٍ في الرُّبْعِ الأَوَّلِ مِنَ العامِ.
وَيَدْفَعُ لُبْنانُ فاتورَةَ الصِّراعاتِ المَذْهَبِيَّةِ، وَالجُغْرافِيَّةِ، وَالإِقْليمِيَّةِ، بِسَبَبِ مَوْقِعِهِ الجِيوسْتراتيجيِّ بَيْنَ الْفُرَقاءِ المُتَنافِسين. وَتَحْتاجُ بَيْروتُ إلى دَعْمٍ ماليٍّ مُسْتَعْجَلٍ بِقيمَةِ 11 مِلْيارَ دولارٍ على الْأَقَلِّ، مِنْ أَجْلِ التَّعافي الِاقْتِصادِيّ.
أَمّا تُونُسُ التي انْطَلَقَتْ مِنْها شَرارَةُ الحَريقِ العَرَبيِّ في 17 ديسمْبَر/كانونَ الأَوَّلِ 2010، فَهِيَ تُعاني مِنْ وَضْعٍ اقْتِصادِيٍّ صَعْبٍ، وَتَراجُعٍ في الحُرِّياتِ الْفَرْدِيَّةِ وَالجَماعِيَّةِ، وَانْتِكاسَةٍ ديموقْراطِيَّةٍ، على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّها كانَتْ هِيَ الرِّهانُ قَبْلَ 15 سَنَةً، عِنْدَما أَقْدَمَ مُحَمَّد البُوعَزيزي، وَهُوَ شابٌّ عاطِلٌ عَنِ العَمَلِ، على إِضْرامِ النّارِ في نَفْسِهِ، مُشْعِلًا بِذَلِكَ احْتِجاجاتٍ شَعْبِيَّةً، امْتَدَّتْ شَرْقًا وَغَرْبا.
مِنْ ثَوْرَةِ الياسَمينِ إلى الحُروبِ الأَهْلِيَّة
في البِدايَةِ، كانَ الحِراكُ سِلْمِيًّا وَغِنائِيًّا، سَقْفُهُ مَطالِبُ سِياسِيَّةٌ وَإِصْلاحاتٌ اقْتِصادِيَّةٌ وَاجْتِماعِيَّةٌ وَدُسْتورِيَّةٌ، تُحارِبُ الفَسادَ، وَتَضْمَنُ الحُرِّيَّةَ وَالكَرامَةَ وَالمُساواةَ، داخِلَ دَوْلَةٍ اجْتِماعِيَّةٍ تَرْعى الحَقَّ وَالقانُون. لَكِنَّ حِراكَ "ثَوْرَةِ الياسَمينِ" ما فَتِئَ أَنْ تَحَوَّلَ إلى حُروبٍ أَهْلِيَّةٍ في أَكْثَرَ مِنْ بَلَدٍ عَرَبيٍّ، نَتَجَ عَنْها مَلايِينُ الْقَتْلى وَالمُصابينَ وَالمُهَجَّرينَ، بَعْدَ تَحَوُّلِ مَطالِبَ حُقوقِيَّةٍ، إلى صِراعٍ عَنيفٍ على السُّلْطَة... وَكانَتِ الكُلْفَةُ المادِّيَّةُ وَالبَشَرِيَّةُ باهِظَةً، عادَتْ بِدُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ سَنَواتٍ عِدَّةً إلى الوَراء.
الدول العربية خسرت 38 سنة من جهود التنمية الاقتصادية والبشرية
وَاعْتَبَرَ "البَنْكُ الدَّوْلِيُّ" أَنَّ الدُّوَلَ العَرَبِيَّةَ (المُتَضَرِّرَةَ) خَسِرَتْ 38 سَنَةً مِنْ جُهودِ التَّنْمِيَةِ الِاقْتِصادِيَّةِ وَالبَشَرِيَّةِ، وَقالَ "إِنَّ الدَّخْلَ الْفَرْدِيَّ تَراجَعَ 49 في المِئَةِ، عَمّا كانَ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدٍ وَنِصْف". وَحَذَّرَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ دُوَلِ المِنْطَقَةِ قَدْ تَتَخَلَّفُ عَنِ الرَّكْبِ، وَتُواجِهُ عَدَمَ الاسْتِقْرارِ، وَمَحْدودِيَّةَ خَلْقِ فُرَصِ العَمَلِ، وَتَدَهْوُرِ الظُّروفِ الْإِنْسانِيَّةِ، وَسْطَ ارْتِفاعِ تَكاليفِ إِعادَةِ الْإِعْمار.
(خاص "عروبة 22")

