صحافة

الحوافز العلمية لثقافة المستقبل

عبداللطيف الزبيدي

المشاركة
الحوافز العلمية لثقافة المستقبل

أليس من واجب المفكرين والمثقفين العرب، رسم معالم الثقافة العربية التي ستكون سائدة مستقبلاً؟ ثم، هل ينبغي لعاقل أن يَغفل عن ضرورة تخصيص مكانة للعلماء في صميم الثقافة غداً؟ صحيح أنه لم يكن لنا فلاسفة بعد ابن رشد، الذي استفاد الغرب من دماغه العملاق أكثر منّا، ولكن، من المستبعد أن يكون مستقبلنا بلا فلاسفة، إلاّ إذا نجحت مخططات إخراج الخريطة العربية من التاريخ بلعبة دومينو حبالها على الجرّارات، وأحابيلها في «الجارورات».

لا شك في أن العالم العربي سيتنفس الصعداء، وتنبت في حقول أدمغته فلسفة، لا لعراقة في عشق الفلسفة، ولكن لضرورة علمية، فالعلوم لن تتحرك خطوة في مقبل العقود، من دون رفيقة الدرب، فلسفة العلوم. إليكِ نعني أيتها الأوساط الثقافية، واسمعي يا جارة وادي المناهج. منذ سنين، لم تعد الفيزياء الفلكية وفيزياء الكمّ وفروع علوم الأحياء، تستطيع التقدم في بحوثها العلمية، النظرية والتطبيقية، من دون فلسفة العلوم.

حين تزول الحدود بين أكبر كبير وأصغر صغير، فإن المعادلات الرياضية والفيزيائية، لا تعود كافية. خذ أبسط مثال، ألا يقول العقل: أنا في حلم أم في علم، فالعلماء يتحدثون عن «الفيمتو/ ثانية»، الذي هو واحد من الألف تريليون من الثانية. ناقص واحد وإلى جانبه خمسة عشر صفراً من الثانية. المثال الذي يضربونه لتقريب المسألة هو أن النسبة بين الفيمتو/ثانية والثانية، كالنسبة بين الثانية واثنين وثلاثين مليون سنة! ثم ماذا عن كونٍ المنظورُ منه ألفا مليار مجرّة، وبيقين ليس كل الكون، فحتى لو صارت لكائن سرعة الضوء، وصار ضوءاً، فإن سرعته ستكون كدبيب النملة، التي ستحتاج إلى خمسين مليار سنة لقطع المسافة المنظورة اليوم، والتي ستكون أضعاف الأضعاف بعد قطع الخمسين؟ هنا تضع فلسفة العلوم الأسئلة: هل سيتوصل الإنسان إلى فيزياء جديدة؟ هل ستتحقق تطبيقات خارقة للتشابك الكمومي، فينتفي انتقال المادة في الزمان والمكان؟ وإلاّ فما محلّنا من إعراب هذا الكون؟

في ميراثنا الثقافي محفّزات للعلوم. تأمّل الآية الأربعين من سورة النمل: «قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك». هنا الإيمان طاقة تشحن الإرادة الفيزيائية، من دون الحاجة إلى بحث الخلفيات والبراهين. نحن أمام مشهد من الانتقال الآني (تليبورتيشن)، انتقال المادة من دون عبور حيّز مادّي. العنصر الأهمّ هو: «الذي عنده علمٌ من الكتاب»، فالكتاب في هذا الموضع علم قدراتٍ وقوىً فيزيائية فعّالة في الزمان والمكان وخارجهما. الموضوع نقل مادّة في جزء ضئيل من الثانية، قد يكون فيمتو/ثانية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الخياعلميّة: من لديه نصوص إيمانية محفّزة للبحث العلمي، يجب أن يكون أكثر استعداداً لمستقبليات العلوم. إليكِ يا مناهج ويا ثقافة.

("الخليج") الإماراتية

يتم التصفح الآن