لطالما ظهرت العلاقات الأمريكية الصينية بصور التوتر وعدم الاستقرار لفترات طويلة، ومرد ذلك طبيعة النظامين في الأساس، إضافة إلى نوعية التنافس الحاد بين الطرفين في العديد من القضايا والمسائل بدءاً من التجارة مروراً بالاقتصاد وصولاً إلى التنافس الجيو سياسي في غير منطقة في العالم. ورغم ذلك لم تنقطع اللقاءات بين الجانبين على مستوى القمة، ويعول الجانبان على اللقاء الذي سيجمع الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ، في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، إبان انطلاق قمة العشرين (أبيك) في كوريا الجنوبية، وهي مناسبة لها دلالاتها ورمزيتها الخاصة لجهة المكان والزمان، لما تشكله من رسائل باتجاه كوريا الشمالية بعد التجارب العسكرية النوعية مؤخراً، علاوة على إحجام التوتر في بحر الصين وقضية تايوان.
مؤخراً، أشعل الرئيس الأمريكي حرباً تجارية في مجالات دولية عدة، وكانت أعقدها مع بكين حين هدد وتوعد بإيصال الضرائب والرسوم على المواد المستوردة من الصين إلى 250% وهو رقم يفتح صوراً صراعية لا أفق محدد لها، لاسيما أن العلاقات التجارية البينية هي هائلة وليست متناسبة كما تدعي واشنطن. وفي لغة الأرقام، ففي السنوات العشر الماضية ارتفع العجز التجاري الذي تشكو منه الولايات المتحدة بشكل مستمر مع الصين، من 295 مليار دولار إلى 382 مليار دولار. وفي عام 2024 صدّرت الصين إلى الولايات المتحدة بضائع وسلعاً بقيمة 526 مليار دولار أمريكي أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما استوردته من الولايات المتحدة. وتبين الإحصاءات المتبادلة لكلا الطرفين، أن المنتجات الصينية أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للأمريكيين. فمن إجمالي 526 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية تبلغ قيمة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وحدها 127 مليار دولار. وبالتالي فإن زيادة الرسوم الجمركية ستؤثر في جميع العملاء في الولايات المتحدة.
ثمة موضوعات وقضايا رئيسية ومركزية ستناقش في القمة، أبرزها قضية الرسوم الجمركية العقابية التي أعلنتها واشنطن، إضافة إلى المعادن النادرة، وفول الصويا، وغيرها من القضايا التي يعتبرها الطرفان مسائل حيوية، وهي في المرحلة السابقة لم تجد بوادر حلول لها، وفي الواقع أثارت الرسوم العقابية الأمريكية رداً صينياً اتسم بالثقة والندية بخلاف المواقف الأوروبية، وردت بقيود على الصادرات الأمريكية، والعديد من الإجراءات ومن بينها المتعلقة بالمعادن النادرة، وتعتمد الولايات المتحدة على الواردات بنسبة تزيد على 90 في المئة من هذه المعادن الحيوية التي تستخدمها في صناعة السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأشباه الموصلات والتوربينات وفي الصناعة العسكرية، ويشار إلى أنه يأتي أكثر من 80 في المئة منها من الصين، التي تسيطر على نحو 60 في المئة من الإنتاج العالمي ونحو 90 في المئة من عمليات التكرير.
وفي المجال الزراعي والغذائي، لم تستورد الصين منذ مايو/ أيار الماضي أي كمية من فول الصويا من الولايات المتحدة. في حين بلغت صادرات الصويا من الولايات المتحدة إلى الصين في العام الماضي 2024 نحو 13 مليار دولار، فيما استبدلت الصين حاجاتها من الصويا من البرازيل والأرجنتين بدلاً من الولايات المتحدة. يشار إلى أن سياسة الصين في هذا الإطار هو رد على القيود الأمريكية ذات الصلة بتصدير الرقائق الإلكترونية، الذي يهدف إلى إعاقة امتلاك بكين للتكنولوجيا المتطورة وبخاصة الذكاء الاصطناعي.
لقد تمكنت الصين من تعويض تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر أسواق أخرى، ففي الفترة من سبتمبر/ أيلول 2024 إلى سبتمبر/ أيلول 2025 زادت صادرات بكين إلى إفريقيا بنسبة 56 في المئة وإلى جنوب شرق آسيا بنسبة 16 في المئة، وإلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 14 في المئة، وإلى أمريكا اللاتينية بنسبة 15 في المئة. وفي المقابل تراجعت بكين عن البيع المستمر للسندات الحكومية الأمريكية. فبحسب بيانات البنك المركزي الأمريكي والكونغرس كانت الصين تمتلك في عام 2013 سندات خزانة أمريكية بقيمة 1,3 تريليون دولار. وفي مارس/ آذار من العام الحالي بلغت قيمة السندات الحكومية الأمريكية التي تمتلكها الصين 765 مليار دولار فقط. وبالتالي باتت بكين ثالث أكبر مالك أجنبي للسندات الحكومية الأمريكية بعد اليابان وبريطانيا.
وعلى الرغم من صور التراجع والتباعد في بعض الميادين، يبقى الطرفان بحاجة لترتيب أوضاعهما بشكل مستمر بالنظر لتشابك العلاقات وضرورة البقاء على تماس إيجابي، لا سيما أن كلاً من الصين والولايات المتحدة تنظم شراكات استراتيجية بينية مع قوى اقتصادية وازنة على الصعيد العالمي. إن الهدف من الاجتماع بين شي جين بينغ ودونالد ترامب يوم غد (الخميس) خلال "قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ" (أبيك) في كيونغجو بكوريا الجنوبية، هو محاولة تخفيف وتجنب الأضرار الناجمة عن دوامة الرسوم الجمركية المتسارعة بين الطرفين.
(الخليج الإماراتية)

