تواجه المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في قطاع غزة، المزمع الانتقال إليها قريبا، عقبات هائلة ومحاولات إسرائيلية واضحة للتنصل من التزاماتها وفقا لبنود الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر الماضي، خاصة فيما يتعلق باشتراطها الانسحاب من القطاع بنزع سلاح غزة أولًا. المرحلة الثانية من الاتفاق تنص على مزيد من الانسحاب الإسرائيلي من أجزاء في قطاع غزة، ونشر قوة دولية للاستقرار، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذي يتضمن "مجلس السلام" بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن تل أبيب كعادتها استبقت الدخول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق بوضع المزيد من "العصي في الدواليب" في محاولة صريحة لإفشاله والعودة مجددًا إلى حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "إسرائيل ستنتقل قريبا إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في قطاع غزة، لكن ذلك رهن بإنهاء حكم حركة حماس ونزع سلاحها".
ليس هذا فحسب، بل إن رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، قال بشكل واضح إن "الخط الأصفر الفاصل في غزة هو الحدود الجديدة مع القطاع، وسيكون بمثابة خط دفاع أمامي عن المستوطنات، وخط هجوم على أي هدف"، مشيرا إلى أن "الجيش الإسرائيلي لديه حرية عمل في غزة، ولن يسمح لحماس بالتمركز من جديد"، وهو ما يعني رفضا واضحا لوقف الحرب أو الانسحاب الإضافي من غزة وفقا لما ينص عليه اتفاق وقف النار.
في المقابل بدأت حركة "حماس" في البحث عن مقاربة جديدة لمعالجة مسألة نزع سلاح غزة بهدف عدم إعطاء الاحتلال أي مبرر لاستئناف حرب الإبادة، وذلك بطرح رؤية تتضمن عدم استخدام هذا السلاح أو الاستعراض به مقابل هدنة طويلة الأمد مع دولة الاحتلال، وفقا لتصريحات رئيس مكتبها السياسي في الخارج خالد مشعل لقناة "الجزيرة"، والتي قال فيها إن نزع السلاح عند الفلسطينى بمثابة "نزع للروح"، مشيرا إلى "حماس قادرة على إقناع الإدارة الأمريكية بمقاربتها المتعلقة بالسلاح، بالنظر إلى العقل الأمريكي البراجماتي وبالتالي فرضها على الطرف الإسرائيلي".
ليس هذا فقط، بل إن مشعل وجه رسالة مهمة إلى جميع الأطراف التي يجب عليها التقاطها والتعامل معها بجدية، حيث قال إن "استراتيجية غزة القادمة هي الانشغال بنفسها، في محاولة للتعافى وإعادة الحياة من جديد، خصوصا أنها قدمت كل ما عليها وزيادة، ولا أحد يطالبها أن تطلق النار ولا أن تمارس واجبها في المقاومة!".
الجزء الأخير في تصريحات مشعل ينبغي الوقوف أمامه كثيرا، لأنه يلخص بشكل كبير الحالة الفلسطينية في الوقت الراهن، إذ إن قطاع غزة يحتاج بالفعل إلى "استراحة محارب"، من أجل التعافي واستعادة مظاهر الحياة التي دمرها الاحتلال الصهيوني على مدى عامين من القتل والتدمير خلال أبشع حروب الإبادة في العصر الحديث، والتي أدت إلى تدمير 300 ألف وحدة سكنية بشكل كلي و200 ألف جزئيا، وأخرجت 25 مستشفى عن الخدمة من أصل 38 مؤسسة علاجية، إضافة لتدمير 103 مراكز للرعاية الصحية الأولية، كما تضررت 95% من مدارس القطاع، فضلا عن خروج 85% من مرافق المياه والصرف الصحى عن الخدمة، وفقا للمكتب الإعلامى الحكومي بغزة.
لا ينبغي أن يكون الحديث الإسرائيلي المتزايد عن سلاح غزة ذريعة للعودة مجددا إلى حرب الإبادة، ولا يجب على الوسطاء والضامنين لاتفاق وقف النار، السماح بانهياره تحت أي ظرف، بل يجب على الدول العربية والإسلامية الضغط بشكل كبير من أجل بدء إعادة إعمار القطاع حتى يتم إجهاض مخطط التهجير الذي يحاول الاحتلال الصهيونى تنفيذه منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، كما يجب على البعض منهم "فرملة" أي توجه نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، وربط ذلك بحصول الشعب الفلسطيني على حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف، حتى لا تذهب تضحيات أهل غزة في العامين الأخيرين هدرا، والتأكيد على أنه بدون حصول الفلسطينيين على حقوقهم، فلن يتحقق الأمن الاستقرار في المنطقة، بل ستكون على موعد مع جولات صراع أخرى أشد قسوة وعنفا.
(الشروق المصرية)

