صحافة

معجزة المشروعات القومية رغم التحديات

علاء ثابت

المشاركة
معجزة المشروعات القومية رغم التحديات

لم تكن الطرق ممهدة أمام عملية التنمية بعد انتفاضة الشعب المصرى ضد حكم الإخوان، والإطاحة بهم قبل عشر سنوات، فالدولة كانت فى أشد حالات الإنهاك السياسى والاقتصادى، وعليها أن تسير فى بحر هائج بعواصف الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وأمامها حقول ألغام من الجماعات التكفيرية المسلحة المنتشرة فى مختلف أنحاء مصر، تمتد من منطقة رفح، حيث أنشأوا بنية تحتية من أنفاق ومخازن سلاح ومغارات وأوكار وسط السكان، إلى جانب تجمعات منتشرة فى مختلف المحافظات وتضرب فى كل مكان، واتخذت مقار مؤسسات الدولة والكنائس والمساجد أهدافا لها، وخلايا نائمة يصعب الوصول إليها، وذئاب منفردة لا يمكن توقع حركتها وأهدافها، فى ظل بنية أساسية متهالكة، وانقطاع متكرر للكهرباء، وطرق مليئة بالحفر والانهيارات، وهجمات جماعية على أراضى الدولة، وبناء عشوائى وغير مشروع فى كل مكان، وانهيار فى الإنتاج الصناعى والزراعى وتراجع السياحة إلى حد الشلل التام، وارتفاع كبير فى معدلات البطالة والعمالة غير المنتظمة، كل هذا فى ظل حالة سياسية مضطربة، وجماعات ومنظمات تتلقى تمويلات من الخارج، وعدم الوعى بما يحيط بنا من مخططات.

هذه كانت الخريطة العامة للوضع فى الداخل، بينما الخارج يغلى أو يتفجر من حولنا، والحروب والصراعات تنتشر فى المنطقة العربية، ويتمدد اللهب منها إلى كل البلدان، وعندما يكون المحيط مليئا بالأزمات والحروب، فلا يمكن تجنب نيرانها وأدخنتها وشررها، لتصبح الطرق أشد وعورة أمام قطار التنمية المدفوع بالكثير من الطموحات والآمال والرغبة فى بناء دولة عصرية، تنفض ما تراكم من أزمات ومشكلات، وكان أبرزها المشكلة الديموغرافية، حيث يتكدس السكان فى بقعة ضيقة، وتنحسر الأراضى الزراعية، وتلتصق القرى والمدن، وتتكدس الطرق الضيقة، والعاصمة شديدة الازدحام تكاد تختنق من كثرة الجلطات فى شوارعها وميادينها وتقاطعاتها، مع زحف العشوائيات من كل اتجاه.

هذا الوضع الصعب كان يمكن أن يعوق أى تفكير فى مشروعات قومية عملاقة، أما مواجهة كل تلك الأزمات دفعة واحدة فكان يحتاج إلى شجاعة تصل إلى حد المغامرة، وكان الأسلم أن يتم الاكتفاء بعمليات محدودة لتفكيك الأزمات أو تخفيفها، أى مواصلة الحلول الجزئية، وتأجيل أو إلغاء أى حلول جذرية، لأنها شديدة الصعوبة ومكلفة وتحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، ولا تؤتى ثمارها إلا على المدى الطويل، لكن قيادتنا السياسية فضلت طريق المواجهة الجذرية، وخوض معركة التنمية فى ظل تلك الظروف الصعبة والمعقدة، فكانت مشروعات قناة السويس الجديدة والطرق ومحطات الكهرباء العملاقة وإنشاء المدن الحديثة والعاصمة الإدارية والموانئ والمطارات، وتحديث النظام الإدارى للدولة، وإنشاء المناطق الصناعية، والدلتا الجديدة، وإخلاء العشوائيات وإعادة بنائها، وكذلك تطوير التعليم وإنشاء منظومة صحية جديدة.

إلى جانب إنشاء محطة الضبعة النووية، التى ستحول منطقة الساحل الشمالى الغربى إلى مركز صناعى وزراعى وخدمى وسياحى، وتتسع رئاتنا التنموية، وتتعدد مناطق الجذب الاستثمارى والسكانى فيها، ويتغير أسلوب وشكل الحياة، وتنتقل إلى مستوى جديد، قادر على مواكبة التطورات التكنولوجية فى العالم، وتشارك فى سباقها، لكن أثناء تلك العملية الواسعة تعرضت مصر إلى عقبتين لم تكونا فى الحسبان، الأولى انتشار جائحة كورونا التى ضربت العالم من أقصاه إلى أدناه، وتجر الجائحة أزمة اقتصادية عالمية نتيجة الإغلاقات المتكررة، والاضطرابات فى سلاسل الإمداد والتوريد، وتعانى كل دول العالم من أزمة اقتصادية طاحنة، استمرت لسنوات، وتعقبها اندلاع الحرب فى أوكرانيا التى قسمت العالم، وتستنزف قدراته، وتجره إلى حروب اقتصادية عالمية، توجه ضربات جديدة إلى سلاسل الإمداد والتوريد، أهمها كانت فى القمح والذرة والأسمدة والزيوت والكثير من السلع الغذائية، وحدوث موجات متتالية من التضخم ضربت دول غرب أوروبا والولايات المتحدة وباقى أرجاء العالم، وكان لها تأثيرها المباشر على التجارة الدولية ومعدلات التنمية وتدهور قطاعات السياحة والبنوك والكثير من الشركات التى تأثرت بارتفاع أسعار الطاقة، وعندما نجد دولا عظمى ذات اقتصاديات راسخة وقوية ترنحت أمام تلك الأزمات، فعلينا أن ندرك حجم التحديات التى تواجهها مصر التى كانت تخطو بقوة وإصرار من أجل إنجاز مشروعاتها التنموية العملاقة وهى تحت الإنشاء، ولم تبدأ فى الإثمار، بل تحتاج إلى استكمال، وتمر بمراحل النمو المعتادة حتى تتكامل محاور التنمية وتتلاقى جميعها، لتحقق الهدف المرجو، بأن تكون جمهوريتنا الجديدة فى مصاف الدول الصاعدة، ولهذا علينا أن نفخر ونزداد ثقة فى النفس بأننا قطعنا هذه الأشواط الطويلة فى ظل تلك العقبات والأزمات العالمية والإقليمية، وهذا لم يتحقق إلا بالعزيمة القوية والإصرار على تحقيق تلك الأهداف، مع سد الثغرات الناشئة عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وارتباك سلاسل التوريد التى رفعت أسعار القمح والأغذية، ولهذا تجرى زيادة الإنتاج المحلى من القمح والزيوت والأعلاف، لنرفع معدل الاعتماد على قدراتنا الذاتية، مع تنويع التجارة الخارجية، وإيجاد أكثر من مصدر لاحتياجاتنا من الواردات، حتى لا تتكرر تلك الأزمات، إلى جانب تعميق الصناعة وتحديثها، بما يخفض الواردات، وتوفير العملات الأجنبية، وتشجيع الاستثمارات فى تلك الصناعات التى يتوافر بديل محلى لها، وهذه الخطوات السريعة والجادة ستؤتى ثمارها بسرعة، حتى نستكمل مسيرة التنمية الشاملة دون مشقة، ونأمل أن تخف وطأة الصراعات الدولية حتى نتجنب آثارها السلبية.

عندما أتطلع إلى ما حققناه فى ظل تلك الرياح المعاكسة، فإننى أزداد ثقة وتفاؤلا، خاصة أن الشعب المصرى قد أبدى قدرة هائلة على التحمل، ويواصل العمل وبذل الجهد ليحقق الأحلام الكبيرة التى تراودنا، وأصبحنا نشاهد بواكير نتائجها، وسوف نجنى باقى ثمارها تباعا.

ولم يكن يمكن تحقيق كل ذلك إلا فى ظل قيادة تحظى بالثقة والقدرة على اجتياز الأزمات، وقيادة سفينة التنمية وسط الأمواج العاتية، وأن تمضى بنا إلى شواطئ التقدم والحداثة وتنشئ جمهوريتنا الجديدة على قواعد صلبة.

(الأهرام)

يتم التصفح الآن