صحافة

"المشهد اليوم"...واشنطن "تقيّد" لبنان بالمهل ومفاوضات لحماية اتفاق غزّةدمشق توسع مروحة علاقاتها الخارجية و"الذرية" تحث طهران على تجنب "المواجهة" مع الغرب

مسلحون من حركة "حماس" يبحثون عن جثث رهائن إسرائيليين في حي الشجاعية بمدينة غزة(أ.ب)

تشير كل المعطيات إلى أن اسرائيل مصممة على استكمال مشاريعها التوسعية في المنطقة وعدم الالتزام بإتفاقيات وقف النار المبرمة، سواء في غزة أو لبنان، فيما الوضع في سوريا مُعقد بين ضغوط أميركية تمارس على الجانبين للتوصل إلى تفاهمات أمنية تؤمن مصالح تل أبيب في الدرجة الأولى وسط اعتداءات يومية تشمل توغلات وإقامة حواجز وتوقيف أشخاص، بما يرسم أكثر من علامة استفهام حول طبيعة المرحلة المقبلة بعد تدمير قوات الاحتلال مخزون دمشق العسكري بعد سقوط النظام السابق. وأمام هذا الواقع تجد الدول المعنية نفسها مجبرة للسير في المفاوضات واللحاق بركبها بهدف وقف الخروقات والانتهاكات التي تتصاعد يومًا بعد يوم، ولكنها حتى الساعة تبقى دون نتائج مثمرة بسبب التعنت الاسرائيلي ورفض تقديم أي تنازلات وتمسكها بإحتلال المزيد من الأراضي والسيطرة على نقاط استراتيجية.

وهذه السيطرة تقع ضمن رؤية "اسرائيل الكبرى" التي بشرنا بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي لا يترك أي فرصة تُذكر إلا ويهدد لبنان وسوريا وغزة بالويلات، متذرعًا بالقضاء على "الارهاب" وتجفيف منابعه. فيما أعضاء حكومته من اليمين المتطرف يصولون ويجولون في أرجاء الضفة الغربية المحتلة لإثارة غضب الفلسطينيين وبث الرعب والذعر في نفوسهم مع حملة ممنهجة تستهدف وجودهم وهويتهم العربية وتقضي على مصادر أرزاقهم ودخلهم. كل هذا يترافق مع إشارات سلبية بأن التصعيد في المنطقة على أوجه وأن ايران لن تكون بمنأى عن ذلك، بعدما خسرت أوراقًا مهمة كانت تضعها على الطاولة في أي مباحثات، وأهمها ورقة سوريا بعد سقوط حليفها بشار الأسد والتضعضع الذي يعاني منه "حزب الله" وخطوات الحكومة اللبنانية لحصر سلاح الحزب فيما غزة تتلوى من الجوع والحاجة إلى الشروع فورًا في إعادة الإعمار ضمن الخطة التي أعلنت عنها السلطة الفلسطينينة بالتزامن مع دعم مصري سيتجلى في عقد مؤتمر بهذا الشأن خلال الشهر الجاري.

وتجهد القاهرة لمنع أي خطة اسرائيلية – ولو ناعمة – لتهجير الفلسطينيين بينما تقود مع تركيا وقطر جهودًا استثنائية للحفاظ على الوضع الراهن وحماية اتفاق وقف النار الهش من الانهيار بسبب الممارسات المستمرة من قبل قوات الاحتلال، والتي لم تلتزم بالخطة الأميركية المُتفق عليها ورفعت في وجهها الكثير من العقبات، ويكاد يكون أخرها قضية عناصر حركة "حماس" العالقين في مدينة رفح بعدما تراجع نتنياهو عن السماح لهم بالمرور الآمن بسبب انتقادات من وزراء الحكومة، نافيًا وجود أي "صفقة" مع "حماس" تتضمن إبعاد المسلحين مقابل إعادة جثث إضافية. ويتزامن ذلك مع استمرار تسليم المزيد من الرفات لأسرى اسرائيليين بعد عمليات بحث طويلة تقوم بها "كتائب القسام" وسط الدمار والخراب والألغام المتناثرة في مختلف شوارع وأحياء القطاع. وسلمت الكتائب أمس، الأربعاء، جثة جديدة إلى "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، بعد العثور عليها في حي الشجاعية وسط مطالبات في تل ابيب بعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من المباحثات قبل إغلاق هذا الملف واستعادة جميع الجثامين.

بدورها، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي قوله إن واشنطن ستشارك مشروع قرار بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في قطاع غزة مع الأعضاء العشرة المنتخبين بمجلس الأمن الدولي. وأضاف المسؤول أن ممثلين لمصر وقطر والسعودية وتركيا والإمارات سينضمون إلى الولايات المتحدة، "مما يسلط الضوء على الدعم الإقليمي" للخطة، التي من أهم بنودها الموافقة على تفويض لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي في غزة وقوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع. وحتى الساعة، أبدت العديد من الدول استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار هذه، بما فيها إندونيسيا، لكنها تصرّ على الحصول على تفويض كامل من مجلس الأمن. وهذه المستجدات وغيرها كانت مدار بحث بين رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن مع وفد حركة "حماس" برئاسة خليل الحية وشملت النقاشات الخطوات اللازمة لضمان استمرار وقف إطلاق النار وكيفية تجاوز المشكلات القائمة وسبل تنفيذ المراحل التالية من اتفاق غزة. في وقت جدد وفد الحركة إلتزامه بالهدنة القائمة على الرغم من انتهاكات إسرائيل لها منذ دخولها حيّز التنفيذ بعد عامين من الإبادة.

هذا ولا يمر يوم دون أن تقوم القوات الاسرائيلية بخروقات جديدة للاتفاق، إذ نفذ الاحتلال الإسرائيلي منذ فجر أمس الأربعاء سلسلة غارات وقصف مدفعي مكثف على مناطق عدة في القطاع الفلسطيني، تركزت شرقي مدينتي خان يونس وغزة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية متفاقمة مع انهيار شبه كامل للنظام الصحي بسبب رفض اسرائيل دخول المساعدات والعلاجات الضرورية أو إعاقتها. وقالت وزارة الصحة إن نسبة إشغال الأسرّة تجاوزت 225%، في حين خرج 25 مستشفى عن الخدمة بالكامل ولم يتبق سوى 13 مستشفى تعمل جزئيًا، في ظل تدمير 103 مراكز للرعاية الأولية بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل. وهذا الواقع المُعاش يزيد من معاناة سكان غزة الذين يتخوفون من تدهور اضافي للأوضاع مع اقتراب فصل الشتاء والحاجة الماسة إلى خيم ومراكز إيواء. أما في الضفة الغربية المحتلة، فالوضع من سيء إلى أسوأ وسط جنون اسرائيلي غير مسبوق وتعديات خطيرة من قبل قطعان المستوطنين على موارد رزق الفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم. وفي السياق، حذّرت محافظة القدس من توسعة جديدة للمستوطنات، بعدما طرحت سلطات الاحتلال مناقصتين لبناء 356 وحدة استيطانية في مستوطنة آدام قرب بلدة جبع شمالي القدس.

على المقلب اللبناني، الأمور لا تزال على حالها من المراوحة وسط استهدافات اسرائيلية لا تتوقف، فيما لم تفلح الدبلوماسية حتى اليوم في الاتيان بأي نتائج حقيقية. ويتمسّك لبنان بمبدأ التفاوض مع إسرائيل كخيارٍ ضروري لتثبيت وقف إطلاق النار وترسيم الحدود الجنوبية، لكنّه في الوقت نفسه يرفض عقد مباحثات مباشرة مع الجانب الاسرائيلي، تمامًا كما تريد الإدارة الأميركية التي تتهم الحكومة بالتقاعس وعدم اتخاذ قرار واضح والسير به في إطار حصر السلاح بيدها وبسط نفوذها على كامل أراضيها. في الأثناء، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المبعوث الأميركي توم برّاك، قوله إنه "منح الجيش اللبناني مهلة تنتهي في نهاية الشهر الحالي لإحداث تغيير في الوضع المتعلق بقضية سلاح "حزب الله"، مهددًا، وفق المصادر، بأنه "في حال لم يحدث ذلك، ستتمكن إسرائيل من شنّ هجمات وستتفهم الولايات المتحدة ذلك". ويقدم قائد الجيش العماد رودولف هيكل، اليوم الخميس، لمجلس الوزراء، التقرير الشهري الثاني حول "خطّة حصر السلاح"، تنفيذًا للقرار الصادر عن مجلس الوزراء في 5 أيلول/ سبتمبر 2025. يُشار إلى ان الجيش الإسرائيلي قال، في بيان، إنه قتل 20 عنصرًا من "حزب الله" في جنوب لبنان خلال الشهر الأخير.

الجهود اللبنانية لكسب الوقت ومنع جرّ البلاد إلى حرب جديدة أو فتنة داخلية بعد تحذير "حزب الله" من حرب أهلية، تأتي على وقع تجدد الإعتداءات الاسرائيلية عبر توثيق توغل جديد في محافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا ضمن سلسلة انتهاكاتها لسيادة البلاد، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السورية (سانا). في وقت تسعى حكومة دمشق لتحسين علاقاتها الخارجية ونسج أواصر تعاون جديدة. ومن هذا المنطلق، بدأ الرئيس أحمد الشرع جولة خارجية تقوده إلى البرازيل والولايات المتحدة، حيث ستكون هذه الزيارة الأولى للشرع إلى أميركا الجنوبية، والزيارة الرسمية الأولى لرئيس سوري للبيت الأبيض. ومن المتوقع أن يشارك الرئيس السوري يومي السادس والسابع من الشهر الجاري في أعمال قمة المناخ (كوب 30) التي تعقد بحضور عشرات القادة والزعماء من مختلف دول العالم، في خطوة لكسر العزلة وطي صفحة الماضي.

إيرانيًا، شدد وزير الخارجية عباس عراقجي، على أن بلاده مستعدة لمفاوضات نووية، من دون التطرق إلى قدراتها الصاروخية أو مطلب "تصفير التخصيب"، مؤكدًا أن طهران تريد "مفاوضات نووية عادلة على قاعدة الربح المتبادل". من جانبه، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، رافاييل غروسي أن تعاون إيران مع المفتشين الدوليين "يجب أن يتحسن بصورة جدّية لتجنّب حافة المواجهة مع الغرب"، مشيراً إلى أن عددًا من المنشآت النووية المهمة ما زال مغلقاً أمام التفتيش الدولي. وقال غروسي إن الوكالة تحاول إدارة علاقتها "المتقلبة مع طهران بضبط النفس، لكنها لا تستطيع القبول بأن تؤدي الحرب إلى إعفاء إيران من التزاماتها". في إطار منفصل، أفرجت السلطات الإيرانية عن الفرنسيين سيسيل كولر وجاك باريس، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الاحتجاز بتهم التجسس لصالح الاستخبارات الفرنسية والإسرائيلية، وهي التهم التي نفتها عائلاتهما بشدة. وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، أن الإفراج جاء بكفالة، وأن الفرنسيين سيظلان تحت المراقبة حتى "المرحلة القضائية المقبلة"، دون توضيح موعد هذه المرحلة.

ومن إيران إلى السودان حيث أكّد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المدعوم من الأمم المتحدة، وقوع مجاعة غير مسبوقة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وفي مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، المعزولتين عن المساعدات الإنسانية، وسط تحذيرات من استمرار ارتفاع معدلات الوفيات بسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض والأوبئة. من جهته، لفت رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إلى أن "قوات الدعم السريع" لا يمكنها فرض سيطرتها على مدينة الفاشر، موضحًا أن مزاعمهم بالسيطرة هي "وهْم" و "لا معنى لها"، مبديًا تفاؤله بقدرة الجيش السوداني على إخماد هذه الحرب وإعادة الاستحواذ مرة أخرى على الفاشر التي تشهد أعمال عنف متصاعدة وسط توثيق تطهير عرقي بحق المواطنين العُزل.

في الشؤون الدولية، قال الرئيس ترامب إنه ربما يعمل مع الصين وروسيا على خطة لنزع السلاح النووي، دون أن يقدم تفاصيل إضافية. جاء ذلك بعدما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كبار مسؤوليه بصياغة مقترحات بشأن تجارب محتملة لأسلحة نووية، مؤكدًا أن بلاده التزمت على الدوام بشكل صارم بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، كما حذّر من أن روسيا ستجري تجارب مماثلة إذا أقدمت الولايات المتحدة أو أي قوة نووية أخرى على ذلك. أما في ما يتعلق بـ"الانجاز التاريخي" الذي كرسه فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، ليكون أول مسلم، فقد فتح الباب بشكل واسع أمام تقييمات الجمهوريين والديمقراطيين. في وقت شنّ الرئيس ترامب هجومًا على الأخير داعيًا إياه إلى إقامة علاقة جديدة مع واشنطن، وطالبه بإبداء اللطف بدلًا من تبني خطاب غاضب تجاهه.

الصحف العربية الصادرة اليوم تشهد تركيزًا في مقالاتها وتحليلاتها على الأوضاع العامة في المنطقة "المشتعلة". وإليكم أهم التفاصيل:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن "أمراء الحرب في السودان الذين أَدخلوا البلاد في أتون صراعاتهم منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يدركوا أن الحرب لن تحقق السلام، وأن الإصرار على المضي فيها لن يحقق إلا ما نشهده الآن من كوارث، وأن السلطة لا يمكن الوصول إليها على رؤوس الحراب ومن أفواه المدافع، أو من خلال المجازر واتساع رقعة الدمار"، مشددة على أنه " بات من الضروري وضع حد لهذه المطحنة البشرية بكل السبل المتاحة التي يوفرها القانون الدولي والإنساني لحماية ما تبقى من السودانيين قبل أن تتسع دائرة الدم، وتتعاظم المأساة وتصبح غير قابلة للحل، وينجم عنها ما هو أخطر".

وتحت عنوان "وداعا للهدوء في الشرق الأوسط"، عرضت صحيفة "الغد" الأردنية الأوضاع العامة في المنطقة قائلة "وقف إطلاق النار في غزة، مجرد هدنة من وجهة نظر نتنياهو، يمكن أن تنتهي في أي وقت. التحضيرات لهجوم أكبر على لبنان، لم تعد سرا. لبنان تلقى سلسلة إنذارات، ويلح في عرض الدبلوماسية والمفاوضات، لتجنب الكارثة. جبهة الحوثيين لم تسقط من حسابات نتنياهو. وتبقى إيران، الهدف الكبير للجولة الحاسمة من المواجهة. هناك في طهران فقط، يمكن لنتنياهو أن يقول انتصرنا"، مؤكدة أن "الهدوء في الشرق الأوسط صار شيئا من الماضي... فعندما يكون السلام متعذرًا بين الخصوم، تصبح الحروب هي الخيار الوحيد المتاح".

صحيفة "الأهرام" المصرية، من جانبها، تناولت قضية إعدام الأسرى الفلسطينيين "لايمكن تصديق ما يحدث فى إسرائيل من تطرف، وإرهاب، وجنون، والأخطر أن كل هذا يتم برعاية حكومية إسرائيلية". وقالت "الغريب فى الأمر هو ردود الفعل "الباردة" التى لم تتجاوز بعض "الإدانات" من المنظمات الدولية أو الدول التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان...أعتقد أن هذا القانون وحده كفيل بتطبيق البند السابع على إسرائيل لإزاحة نظامها العنصري الإرهابي البغيض"، بحسب وصفها.

الملف الغزاوي أيضًا طرحته صحيفة "النهار" اللبنانية، التي رأت أن "ترامب سيلتقط الرسائل التي بعث بها ناخبو نيويورك، مما يطرح السؤال عمّا إذا كان سيستمر في تقديم الدعم إلى نتنياهو المقبل على سنة انتخابية، أم أنه سيذهب في منحى آخر، ويدع الناخبين الإسرائيليين يعاقبونه على الفشل الكبير في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتحويله إسرائيل دولة منبوذة منقوصة الشرعية دوليًا". وأضافت "أنجز ترامب وقفاً للنار في غزة، وإن كان هشاً، خطوة أولى نحو تنفيذ الخطة الأميركية التي يُؤمل منها أن تكون حجر الزاوية لاتفاقات سلام إقليمية. وبعد انتخابات نيويورك، من مصلحة الرئيس الأميركي أن يمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من هذه الخطة، على رغم التحفظات الإسرائيلية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن