أياً تكن الغاية من دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزارة الحرب في بلاده لاستئناف التجارب النووية، فإنها تمثل عودة إلى الوراء، بعد أكثر من 30 عاماً على توقف هذه التجارب، وتطرح الكثير من الأسئلة حول مصير معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. بغض النظر عن الاتهامات التي وجهها ترامب لروسيا والصين بإجراء تجارب نووية سرية تحت الأرض لتبرير دعوته تلك، وهي اتهامات نفتها روسيا والصين، فإن رغبة ترامب في تفعيل هذا الخيار كانت واضحة، منذ بداية فترة ولايته الأولى.
إذ تحدثت تقارير إعلامية كثيرة عن أن مسؤولين كباراً في محيط ترامب فكروا في هذه الخطوة خلال فترة رئاسته الأولى، وفي الصيف الماضي دفع روبرت أوبراين مستشاره للأمن القومي بين عامي 2019 و2021 علناً نحو استئناف الولايات المتحدة التجارب الحية والكاملة النطاق، بذريعة "الحفاظ على التفوق التقني والعددي" على مجموع مخزونات روسيا والصين النووية.
لكن يبدو أن ترامب اختار صياغة دعوته الجديدة كرد فعل على تجارب نفذتها دول أخرى في هذا المجال، حيث جاءت دعوته، عقب إعلان روسيا تجارب ناجحة لصاروخ "بوريفيستنيك" الذي يعمل بالطاقة النووية، وغواصة مسيّرة قادرة على حمل رؤوس نووية تحت الماء، مع أن أياً من هذه التجارب لم يتضمن تفجيراً نووياً، كما أن دعوته جاءت قبل وقت قصير من اجتماعه مؤخراً مع الزعيم الصيني شي جينبينغ في كوريا الجنوبية.
ومع أهمية التوقيت الذي جاءت فيه دعوة ترامب، خصوصاً أنها تأتي مع اقتراب انتهاء معاهدة "نيو سارت" بين موسكو وواشنطن لخفض الأسلحة النووية الاستراتيجية في فبراير/شباط المقبل، فإنها أثارت إرباكاً حتى في الداخل الأمريكي. إذ يعتقد الخبراء أن القدرات النووية الأمريكية يتم تحديثها باستمرار، إلا إذا كان المقصود تكثيف ما يسمى التجارب "دون الحرجة"، أو حتى وجود نية حقيقية لاستئناف التجارب النووية. ويرى هؤلاء أنه لم يجرِ خرق علني من قبل روسيا والصين، منذ التزامهما بمعاهدة حظر التجارب النووية، الأولى منذ عام 1990، والثانية منذ عام 1996، فيما كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي أجرت ست تجارب نووية بين عامي 2006 و2017.
بهذا المعنى، يرى خبراء ومحللون أن دعوة ترامب تمثل انقلاباً على سياسة أمريكية امتدت لعقود، حيث كانت آخر تجربة نووية أمريكية في عام 1992. وسط كل هذا الإرباك، أثارت خطوة ترامب مخاوف كثيرة من إشعال عملية سباق تسلح جديدة قد تكون أسوأ مما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة. غير أن هناك من المحللين من يرى في دعوة ترامب نوعاً من المناورة التي تحمل إشارات سياسية أكثر منها عسكرية، من دون أن يستبعد هؤلاء أن تكون لها انعكاسات استراتيجية بعيدة المدى إذا ترجمت هذه الدعوة إلى خطوات فعلية.
(الخليج الإماراتية)

