لا شك أن الرئيس السوري أحمد الشرع افتتح من البيت الأبيض مرحلة جديدة من التقارب مع الإدارة الأميركية بعد سنوات طويلة من القطيعة والعزلة الدولية، ما يمكن أن يساعده في تثبيت نظام حكمه وإستعادة سيطرته على كامل البلاد، لاسيما بظل الدعم الذي تقدمه واشنطن والضغط المتصاعد لدمج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في صفوف الجيش السوري. ناهيك عن المطالبات المتزايدة لرفع العقوبات المفروضة من أجل منح دمشق فرصة للتعافي وإستعادة الأمن والاستقرار، ولكن ذلك لا يزال دونه الكثير من العقبات بظل الاختلاف في وجهات النظر بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والكونغرس الذي يعتبر أن الوقت لم يحن بعد لمثل تلك الخطوة.
إلا أن الزيارة "التاريخية" التي حصدت انتباه العالم أجمع تعيد سوريا إلى دورها الإقليمي والاستراتيجي، وتؤكد أنها تريد الانفتاح على العالم ووضع بصمات مختلفة عن تلك التي أرساها النظام السابق وخصوصًا من حيث التحالفات السياسية. فبينما كانت سوريا في قلب المحور الايراني ونفوذه، ها هي اليوم تأخذ منعطفًا جذريًا بتقاربها مع الدول العربية وعلى رأسهم المملكة السعودية وقطر دون أن نغفل الدور التركي الرئيسي والحاسم في الفترة الراهنة. ومن هذا المنطلق، استطاع الرئيس الشرع أن يدخل البيت الأبيض كأول رئيس سوري، في أقل من سنة على تسلمه مقاليد السلطة، بعدما كان من أبرز المطلوبين للإدارة الأميركية والذي ذهب إلى العراق لمقارعة قواتها، فها هو اليوم في قلب واشنطن يبرم الاتفاقيات ويعقد اللقاءات سعيًا بأن يكون شريكًا وحليفًا موثوقًا.
ورغم هذه النظرة "الايجابية" للزيارة، إلا ان نتائجها ستظهر تباعًا خاصة في ما يتعلق بالمشاروات الجارية مع "قسد". وفي هذا الإطار، أعلن القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي أنه بحث في اتصال هاتفي مع الموفد الأميركي توم برّاك، تسريع دمج قواته في الدولة السورية، مشيدًا بالإعلان عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، واصفًا إياه بأنه "خطوة محورية نحو تعزيز الجهود المشتركة ودعم المبادرات الرامية إلى تحقيق الهزيمة الدائمة للتنظيم والقضاء على تهديده للمنطقة". أما اسرائيل، التي تواصل توغلاتها وانتهكاتها بشكل يومي، فقد تابعت نتائج الزيارة التي وصفتها وسائل إعلامها بـ"الصادمة وغير المسبوقة"، في وقت لم تصل المشاورات التي عقدت في وقت سابق بالتوصل إلى أي نتائج ملموسة على الرغم من المتابعة الأميركية الحثيثة. وضمن السياق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، أن الأميركيين ناقشوا الأوضاع قبل الزيارة مع الإسرائيليين، وقد طلب نتنياهو من صهر ترامب، جاريد كوشنر، "الضغط على سوريا من أجل المضي في اتفاق".
هذا الاتفاق الذي تريده دمشق أيضًا من أجل الحدّ من الاعتداءات الاسرائيلية ولكنها ترفض الشروط القاسية الموضوعة عليها لأن ذلك يمكن أن يسهم في تأليب الرأي العام الداخلي ضدها في بلد يعاني من أوضاع أمنية غير مستقرة. وكانت اسرائيل نفذت، أمس، 3 عمليات توغل جديدة في ريف محافظة القنيطرة جنوب غربي البلاد. وتصاعدت مؤخرًا العمليات الإسرائيلية في هذه المحافظة وسط شكاوى متتالية من السكان الذين يرفضون التوغلات نحو أراضيهم الزراعية، وتدمير مئات الدونمات من الغابات، فضلًا عن اعتقال أشخاص وإقامة حواجز عسكرية وتفتيش المارة. وتأتي هذه التعديات على السيادة السورية في وقت يتم فيه "زعزعة" الهدنة الهشة في السويداء، إذ تتهم دمشق "مجموعات خارجة عن القانون" بخرق الاتفاق المبرم عبر الهجوم على نقاط أمنية واستخدام الأسلحة الثقيلة، ما من شأنه أن يزيد من التعقيدات في المشهد العام.
المستجدات السورية التي كانت مدار تركيز خلال الأيام القليلة الماضية، لم تحرّف الأنظار عما يجري في لبنان من تصعيد اسرائيلي بظل عجز الحكومة التام وتمسك "حزب الله" بسلاحه. وفي التفاصيل الأخيرة، كشف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أنّ "لبنان طلب من الدول الصديقة المساعدة في الضغط على إسرائيل لالتزام الاتفاق، ولكن حتى الآن لم نصل إلى نتيجة ايجابية". كلام الأخير جاء خلال الزيارة الرسمية التي قام بها إلى بلغاريا تلبية لدعوة رسمية من نظيره البلغاري رومين راديف وتناولت مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. فيما برز كلام الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، الذي جدّد فيه، رفض التنازل عن السلاح، مؤكدًا أن "اتفاق وقف إطلاق النار هو حصرًا لجنوب الليطاني، وعلى إسرائيل الخروج من لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، ولا خطر على المستوطنات الشمالية". كما شدد على أنه "إذا كان الجنوب نازفًا، فالنزف سيطال كل لبنان بسبب أميركا وإسرائيل"، مكررًا مواقفه السابقة لجهة وضع مسؤولية إخراج الاحتلال من المناطق التي لا تزال تحتلها على عاتق الدولة اللبنانية.
وبين موقف الحزب الرافض لمناقشة سلاحه والضربات الاسرائيلية المستمرة، تبرز الشروط الأميركية الواضحة في إطار إضعاف "حزب الله" ماليًا وتجفيف منابع تمويله في إطار إضعاف النفوذ الايراني في المنطقة، إذ تعتبر إدارة ترامب أن الوقت اليوم مناسب لإتخاذ مثل هذه الخطوات بينما تتكاثر التقارير الاسرائيلية التي تتحدث عن استعادة الحزب قدراته القتالية في جنوب لبنان لدرجة تهدد أمن إسرائيل، وتؤدي إلى إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إبرامه العام الماضي. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني، في إفادة صحفية، بأن "حزب الله" يحاول أيضًا تهريب أسلحة من سوريا وعبر طرق أخرى إلى لبنان. وأضاف: "نعمل على منع حدوث ذلك وإغلاق الطرق البرية من سوريا إلى لبنان بدرجة كبيرة من النجاح، لكنهم لا يزالون يشكلون تهديدًا لنا".
وهذه الادعاءات الاسرائيلية تزيد المخاوف الداخلية من عودة شبح الحرب إلى لبنان، تمامًا كما الوضع غير المستقر في قطاع غزة، الذي يشهد خرقًا مستمرًا لاتفاق وقف النار وسط جمود في العملية السياسية وعدم الانتقال نحو مباحثات المرحلة الثانية. وخطفت الزيارة الأميركية إلى اسرائيل الأضواء وسط مساعي واشنطن لتذليل العقبات ومنع الهدنة من الانهيار. وتتركز المباحثات اليوم حول نقطتين رئيسيتين وهي القوات الدولية المزمع إرسالها للقطاع وسط وجود ملاحظات عبّر عنها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي تحدث عن تردد عربي في المشاركة في تلك القوة، معربًا عن أمله في "أن يصدر القرار الأممي بما يحفظ الثوابت المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويسمح بنشر القوة الدولية في أسرع وقت ممكن، ولكن وفق تحقيق التوافق، وبما يجعل القرار قابلًا للتنفيذ على أرض الواقع". أما النقطة الثانية العالقة فهي ما يتعلق بمقاتلي "حماس" العالقين في أنفاق رفح، وقد دخلت واشنطن على خط المفاوضات ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول بالمجلس الوزاري المصغر في إسرائيل قوله إن نتنياهو والمبعوث الأميركي جاريد كوشنر توصلا إلى تسوية ما في هذا الخصوص.
في موازاة ذلك، بحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائهما في قصر الإليزيه عدة ملفات تتعلق بالوضع في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، كما أعلنا تشكيل لجنة مشتركة لوضع دستور الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها باريس في أيلول/سبتمبر الماضي. وتضغط فرنسا على السلطة الفلسطينية لتنفيذ ما تسميها "إصلاحات" من أجل "اليوم التالي" بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة. أما الضفة الغربية وما يجري فيها فكانت ضمن محاور المحادثات وسط رفض باريس مخططات الاستيطان ومشاريع الضم الجارية على قدم وساق. وصعّد المستوطنون من جرائمهم وأعمالهم الوحشية، إذ شهدت محافظات الضفة، مساء الثلاثاء، سلسلة من الاعتداءات والاقتحامات شملت مناطق عدة وأسفرت عن إصابات واعتقالات وأضرار مادية واسعة، في حين واصل أكثر من 200 مستوطن اقتحام المسجد الأقصى وأدوا صلوات وطقوسًا تلمودية. إلى ذلك، دعا مئة عضو ديمقراطي في الكونغرس الأميركي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول لطرح مشروع قانون لمكافحة العنف بالضفة، ومحاسبة المسؤولين عنه، معتبرين أن منع العنف في الضفة الغربية خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار.
وعلى صعيد الانتخابات العراقية، فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بدء عملية فرز الأصوات عقب إغلاق مراكز الاقتراع والتي شملت جميع محافظات البلاد، موضحة أن نسبة المشاركة في الاقتراعين العام والخاص تجاوزت 55%، حيث بلغ عدد المصوتين 12 مليونًا و3143 ناخبًا. من جهته، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن "الحكومة العراقية التزمت بالتوقيتات الدستورية لضمان التداول السلمي للسلطة"، متحدثًا عن نجاح تنظيم الانتخابات التشريعية السادسة في البلاد. ويرى العديد من العراقيين أن لا أمل في أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير حقيقي وملموس، بل أنها ستعيد نفس السياسيين واللاعبين الاقليميين في بلد يعتبر مصدر نفوذ لإيران ومتابعة أميركية ملحوظة.
أما في السودان، فأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان حرص بلاده على تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، لا سيما في الجوانب الإنسانية، متهمًا قوات "الدعم السريع" بإستخدام "سلاح الغذاء لتجويع المواطنين داخل الفاشر". الأوضاع المروعة تناولتها أيضًا المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الإنسانية إيفا هرنشيروفا والتي أكدت أن مدينة الفاشر تحولت إلى "مقبرة للإنسانية" في ظل تصاعد القتال وانعدام سبل الحياة، ودعت إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية بدون عوائق. المشهد السوداني الدموي يأتي بينما تحاول إيران فتح الباب، ولو بشكل موارب، أمام عودة المفاوضات مع الولايات المتحدة والمتوقفة منذ حرب الـ12 يومًا. ويستدل على ذلك من خلال تصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني سعيد خطيب زاده الذي أكد، خلال مشاركته في "ملتقى أبو ظبي الإستراتيجي"، أن بلاده ترغب في التوصل إلى اتفاق نووي "سلمي" مع واشنطن، لكن دون أن تتهاون في أمنها القومي. تزامنًا، أعلنت طهران تفكيك شبكة تجسس قالت إنها تعمل بتوجيه من أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية.
دوليًا، أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية بين قوات الأمن الكولومبية ونظيرتها الأميركية، إلى أن توقف إدارة الرئيس الأميركي ضرباتها ضد مشتبه بهم في تهريب المخدرات بمنطقة البحر الكاريبي، في خطوة تعكس توترًا متصاعدًا بين البلدين بعد سنوات من التعاون الوثيق في مكافحة المخدرات. وفي الأخبار أيضًا، أعربت موسكو عن استعدادها للتحاور مع واشنطن بشأن الاتهامات التي وجهها لها الرئيس ترامب بإجراء تجارب نووية سرية.
وهنا أبرز ما ورد في الصحف الصادرة اليوم في العالم العربي:
تطرقت صحيفة "القدس العربي" إلى الزيارة السورية، إذ رأت أنه وعلى الرغم من أن "وسطاء تدخلوا لتسهيل هذه اللقاءات، إلا أن اعتبارات أخرى جوهرية حكمت خيارات البيت الأبيض، على رأسها موقع سوريا الأثير على الخرائط الجيو ـ سياسية في المنطقة، خاصة بعد انطواء 54 سنة من نظام "الحركة التصحيحية" وما سبقه وأعقبه من تحوّلات إقليمية عميقة ذات امتدادات كونية". وأضافت "وأيًا كان حجم تأثير واشنطن في لجم الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا عمومًا ومنطقة الجولان وجنوب البلاد خصوصًا، فإن الحصيلة الواقعية سوف تكون مكسبًا تكتيكيًا على الأقل، في سوريا الجديدة غير القادرة على مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال. وأما انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة" فإنه تحصيل حاصل، لأن الشرع كان في حالة عداء مع ذلك التنظيم أصلاً وقبل سقوط النظام".
أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فإعتبرت أنه "عام جوهري في مستقبل سوريا انتهت فيه أطول فترة حكم في تاريخها لعائلة الأسد، وقد حدث تحول تاريخي فى سوريا من التبعية لإيران إلى التحالف الكامل مع تركيا، وهذا ما شهد به البيت الأبيض، حيث أوضح أن إزالة العقوبات تمت بموافقة إسرائيل وتركيا"، مشددة على أن "صورة أحمد الشرع ستظل، في أول زيارة لرئيس سوري إلى البيت الأبيض، ولقائه الرئيس ترامب فى واشنطن، لا تخطئها العين في 2025، وتشير إلى حدوث تغييرات جوهرية، وإستراتيجية، بل تحولات".
وعن الوضع الغزاوي، أوضحت صحيفة "النهار" اللبنانية أنه "لم يطل الوقت حتى بدأت العقبات تظهر أمام المضيّ بالخطة الأميركية في غزة. وباستثناء وقف النار الهشّ، لا تبدو إدارة الرئيس دونالد ترامب قادرةً على توفير الزخم المطلوب للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة، التي من دونها ستكون الهدنة التي مضى عليها شهر ويومان موضع شك". وقالت "منذ البداية، كان رهان نتنياهو أن الوقت كفيل جعل ترامب يملّ من المطالبة بتنفيذ خطته، وما دامت إسرائيل قد استعادت أسراها الأحياء ومعظم الأموات، فإن مساحة التملّص من تعهّدات سابقة باتت متاحة أكثر بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي".
صحيفة "الغد" الأردنية، تناولت ما أسمته إعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة، "ولم يبق أمامها سوى ملف إيران وجبهتي اليمن ولبنان، وحتى نصل إلى حسم ملف إيران، ستمر المنطقة بملف لبنان، وما قد يستجد على صعيد جبهته من استهدافات عسكرية توطئة للذهاب إلى إيران". وخلصت إلى أننا "كنا نشهد إدارة للنفوذ الأميركي مباشرة أو عبر وكلاء، لكن من الواضح أن واشنطن تريد إدارة نفوذها اليوم بشكل مباشر كامل، من خلال توسعة النفوذ العسكري بإقامة قواعد عسكرية في مناطق اقتصادية لها مواردها الثرية والغنية، وهي هنا تدير الأمن الإقليمي وفقا لحسبة أميركية إسرائيلية، بما يعني أن حماية أمن إسرائيل عامل إضافي في كل هذه التحركات المعنونة بعناوين مختلفة".
(رصد "عروبة 22")

