اقتصاد ومال

اقتصاداتُ الدول العربية في عالمٍ مُضطرِب!

يُواصِلُ الاقتصادُ العالميّ تَطَوُّرَهُ بسرعةٍ في العام 2025، حيث يُتوقَّعُ أن يصلَ النّاتجُ المحلّي الإِجْماليّ العالَمِيّ إلى 115 تْريلْيون دولارٍ أميركيّ. وتُهَيْمِنُ الدول الكبرى على هذا الاقتصاد الضّخم، مع استمرارِ أميركا في صدارةِ القائمة منذ أكثر من مئةِ عامٍ، تليها الصين التي تَحْتَفِظُ بِمَوْقِعِها كثاني أكبر اقتصادٍ في العالم، لكنّ الأرقامَ لا تتوقّفُ هنا، حيث يشهدُ تَرْتيبُ الدول تغييراتٍ ملحوظةً، مع تَصاعُدِ الاقتصاداتِ الآسيويةِ مثل الهند التي باتت تُهَدِّدُ مكانةَ اليابان.

اقتصاداتُ الدول العربية في عالمٍ مُضطرِب!

وفقًا لتقديراتِ "صندوق النَّقْدِ الدولي"، يستمرّ الاقتصاد الأميركيّ في صدارةِ القائمة، مُتَفَوِّقًا على جَميعِ الدولِ الأخرى بما يصلُ إلى 30.3 تريليون دولار. ومع ذلك، فالتوقُّعاتُ تُشيرُ إلى حُدوثِ تَغْييراتٍ مُهِمَّةٍ في ترتيب الدول من حيث حجمِ الاقتصاد، حيث تَبْقَى الصين في المركز الثاني بـ19.5 تريليونِ دولار، وتُواصِلُ اقتصاداتُ الدول العربية إِظْهارَ قُدْرَةٍ عاليةٍ على الصمودِ والتَّكَيُّفِ في عالمٍ مُضطربٍ، على الرَّغم من التوتّرات الجيوسياسية والصدمات الاقتصادية العالمية.

على هامشِ الاجتماعاتِ السنويةِ لصندوق النقد والبنك الدَّوْليَّيْنِ عام 2025، أبرزت الاجتماعات التحدّياتِ التي تواجه اقتصاداتِ المنطقة، أنَّ اقتصادات المنطقة أظهرَت قدرًا كبيرًا من الصمودِ والمرونةِ في مواجهة التحدّيات الخارجية والتوتّرات الجيوسياسية، إذ إنَّ المرحلةَ الحاليةَ تُمَثِّلُ مرحلة إعادة تقييمٍ بعد اتفاق وَقْفِ إطلاق النّار في غزّة، وأنّ المنطقة مُطالَبَةٌ بتحويل الاستقرار الاقتصاديّ إلى نموٍّ أكثر شمولًا واستدامةً وقدرةً على خَلْقِ فُرَصِ العملِ، وأنّ دولًا العربية تمكّنت من التَّكَيُّفِ مع الصدمات الاقتصادية والجيوسياسية خلال الفترةِ القليلةِ الماضيةِ، إذ إنّ مصر والأردن مثالان بارزان على الاقتصاداتِ التي نجحت في امْتِصاصِ آثارِ النزاعاتِ المُجاورة، والحفاظ على استقرارِها الماليّ على الرَّغم من التحدّيات الإقليمية.

التأثير المباشر للإجراءات التجارية الأخيرة بشأن التعْريفات الجمركية بين أميركا والصين كان محدودًا في المنطقة

إنّ أداء دولِ "مجلس التعاون الخليجيّ" نجح في السنوات الماضية في التَّنْويعِ الاقتصادي بشكلٍ تدريجيّ، وأصبحت دُوَلُهُ تعتمدُ أكثرَ على القطاع غير النَّفْطي، وهو ما انعكسَ في استقرار مُعَدَّلاتِ النموّ وَتَراجُعِ معدّلات البَطالَةِ وارتفاع الاستثماراتِ الخاصة، حيث إنّ جهود السعودية والإمارات وقطر في تطويرِ قطاعات التِّكْنولوجْيا والسياحة والطاقة المُتَجَدِّدَةِ تُمَثِّلُ نموذجًا يُحْتَذى به في التحوّل الاقتصادي بعيدًا عن الاعتمادِ على النّفط، وإنّ السياساتِ الماليةَ السليمةَ عزّزت من متانة القِطاعِ المصرفي وحافظت على مستوياتِ دَيْنٍ منخفضةٍ، وإنّ التأثيرَ المُباشِرَ للإجراءات التجارية الأخيرة بشأن التَّعْريفاتِ الجمركية بين أميركا والصين كان محدودًا في المنطقة، وإنّ العلاقةَ التجارية بين أميركا ومعظم الدول العربية محدودةٌ نِسْبِيًّا، كما أنّ جزءًا مهمًّا من صادرات المنطقة، خصوصًا النّفط والغاز، كان مُستثنًى من الرسوم التي تراوحت بين 10 و15%.

وَفْقًا لتقرير الصندوق، يُتَوَقَّعُ أن تشهدَ المنطقة نموًّا بمعدّلِ 4% عام 2025 مُقارَنَةً بـ2.1% في 2024، بفضل رفعٍ تدريجيّ لإنتاج النّفط وَتَحَسُّنِ الأنشطة غير النّفطية، وتُظْهِرُ الأرقامُ أنّ نموّ الدول المُصَدِّرَةِ للنّفط سيرتفع من 2.3% في2024  إلى 4% عام 2025، مع استمرار جهود التَّنْويعِ في دول الخليج. أمّا الدولُ المُسْتَوْرِدَةُ للنّفط، مثل مصر والأردن والمغرب وتونس، فستتعافى من 1.5 % إلى 3.9% في المتوسّط، مدعومةً بتحسُّن الإصلاحات والظروف الأمنية.

وتجدر الإشارةُ إلى أنّ المرحلةَ الحاليةَ تُمَثِّلُ مرحلة إعادة تقييمٍ بعد اتفاقِ وقفِ إطلاق النّار في غزّة، وأنّ الصندوقَ لم يُصْدِرْ بَعْدُ أرقامًا نهائيةً حول كُلْفَةِ إعادة الإعمار، نظرًا لتعدّد السينارْيُواتِ وغياب التقديرات الدقيقة حول الأضرار في البُنْيِةِ التحتيّة، وأنّ أولوية المجتمع الدولي يجب أن تكونَ دعم إعادة الإعمار ضمن مُقارَبَةٍ تُحَقِّق الاستقرارَ الماليّ وتُعيد النشاط الاقتصادي تدريجيًا، إذ إنّ الأوضاعَ في غزّة واليمن ولبنان وسوريا تبقى مَصْدَرًا رئيسيًا لعدم اليَقينِ في آفاق المنطقة، وإنّ استمرار التوتّراتِ الجيوسياسية يؤثّر سلبًا على ثقة المُسْتَثْمِرينَ ويزيد الضغوط على الإنفاقِ الحكوميّ.

المطلوب تحويل المرونة الاقتصادية إلى نموّ شامل يخلق فرصًا حقيقية ويضمن توزيعًا أكثر عدلًا للثمار التنموية

إنّ نظام التجارة العالمي يواجهُ تحدّياتٍ كبيرةً بسبب الرُّسومِ الجُمْرُكِيَةِ، والدول العربية قد تتضرّر من الرسوم الجمركية، وإنّ سلاسل التَّوْريدِ في حالةِ اضطرابٍ والحواجز التجارية في تَزايُدٍ، ولا تزال بعضُ الأمورِ على حالها، فبعضُ الدول العربية لا تزال تُحْرَمُ من حقوقِها، والشكوك تتزايد، والاستثمارات تتراجع، وسَلاسِلُ الإمدادِ مُضْطَرِبةٌ، والحواجز التجارية ترتفع، حيث تُواجِه بعض الدول تعريفاتٍ جمركيةً تصل إلى 40% على الرَّغم من أنّها لا تُمَثِّلُ سوى 1% من تَدَفُّقاتِ التجارة العالمية.

وفي الختامِ، يُركّزُ الصندوق في هذه المرحلة، على نموٍّ شاملٍ ومُستدامٍ في الدول العربية، من خلال دعمِ السياساتِ التي تُعزّز تكافؤَ الفُرص وتُخفّف آثار التَغَيُّرِ المُناخي والتفاوُت الاقتصادي. إنَّ المنطقةَ تمتلكُ فرصةً حقيقيةً لتحقيق انتعاشٍ مُستدامٍ في عامَيْ 2025 و2026، شرط الحفاظ على الاستقرارِ الماليّ ومُواصلةِ الإصلاحات، والمطلوبُ هو تحويل المُرونَةِ الاقتصادية إلى نموٍّ شاملٍ يخلق فُرَصًا حقيقيةً، ويَضْمَنُ توزيعًا أكثر عدلًا للثِّمارِ التَّنْمَوِيَّة. وسيُواصل الصندوق دعمَ الحكوماتِ في تطبيق السياسات الاقتصادية الكفيلة بتعزيز الثقة والاستقرار، وإنّ المنطقةَ، على الرَّغم من الأزماتِ، ما زالت تملكُ كلّ المُقَوِّماتِ لتكون مُحرّكًا رئيسيًا للنموِّ العالمي خلال السنوات المقبلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن