صحافة

"المشهد اليوم"..."نَكْبَةٌ" جديدةٌ في الضفّة وتَلْ أَبيبْ تَتَخَطَّى "الخطَّ الأصْفَر"!بِنْ غَفِير "يُغازِلُ" دروزَ سوريا.. و10 آلاف انتهاكٍ إسرائيليٍ في لبنان منذ توقيعِ اتفاقِ وقفِ النار


فلسطيني يجلس بجانب جثة شهيد سقط بالقصف الإسرائيلي خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة أمس الخميس (رويترز)

تمرّ المنطقة برمتها في منعطفٍ خطيرٍ، فما يجري في لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية من تصعيد عسكري اسرائيلي يؤكد بأن تل أبيب ماضية في تغيير الوقائع على الأرض وفرض سيطرتها بالنار والحديد دون أن تعير أي انتباه للاتفاقيات المبرمة، التي تتصرف وكأنها "غير موجودة" مقدمة حجج وذرائع واهية ومسوقة لتبريرات تدعي بها محاربة "الارهاب"، بينما تعيش هذه الدول في تخبط وعدم استقرار وسط مخاوف جدية ودعوات لثني اسرائيل عن انتهاكاتها وتعدياتها "غير المسبوقة" لكن دون أن تجد آذانًا صاغية حينًا أو تقبلًا اسرائيليًا أحيانًا كثيرة. ومن هنا يمكن فهم زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعدد من وزارئه إلى الجنوب السوري بعد أيام قليلة من الاعلان - غير الرسمي - عن فشل التوصل لاتفاقية أمنية مع دمشق وتعثر المباحثات.

وكذلك بعد تصعيد ميداني حصد شهداء في لبنان وغزة والضفة الغربية المحتلة، التي تعيش "نكبة" جديدة مع تفاقم عنف قوات الاحتلال والمستوطنين، الذين يعيثون الفساد والخراب ويضيقون الحياة على الفلسطينيين ويوسعون من استيطانهم واحتلالهم دون حسيب أو رقيب. وفي جردة حول أخر الانتهاكات، فقد استشهد شابان فلسطينيان، فجر اليوم، برصاص جيش الاحتلال في بلدة كفر عقب، شمال القدس، فيما نفذت قواته اقتحامات لعدة بلدات في الضفة الغربية. ويأتي ذلك في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين في أكثر من منطقة ومنعهم الأهالي من العودة إلى بيوتهم في مدينة حلحول شمال الخليل بعدما تم الاستيلاء على أملاكهم وإقامة بؤرة استيطانية هناك قبل أسابيع. هذا وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، في أحدث تقرير لها نُشر أمس، إن إسرائيل ربما ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بطردها قسرًا 32 ألف فلسطيني من ثلاثة مخيمات في الضفة الغربية في وقت سابق من العام الحالي خلال عملية عسكرية في المنطقة، داعية إلى التحقيق مع كبار المسؤولين الإسرائيليين بما في ذلك نتنياهو، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، في جرائم حرب والمحاكمة إذا تبين أنهم مسؤولون.

الواقع المخيف في الضفة لا يختلف عما يعيشه القطاع على الرغم من الهدنة الهشة ودفع الولايات المتحدة كما الدول الوسيطة والضامنة لاتفاق وقف النار للشروع في المفاوضات، ولكن ذلك دونه الكثير من العقبات بسبب المطامع الاسرائيلية والرغبة في فرض سيطرتها الامنية على القطاع. وكان نتنياهو حدّد شروطه بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية التي ربطها باستنفاد المعلومات المتوفرة بشأن استعادة جثث الأسرى الإسرائيليين المتبقية في القطاع. ولا يزال 3 رفات في عداد المفقودين بين الركام والدمار المهول وسط محاولات مستميتة تقوم بها "كتائب القسام" من أجل تحديد أماكنهم وايجادهم. ولكن ذلك يحتاج إلى المزيد من الوقت وتوافر المعدات والآليات الثقيلة، بينما تتذرع تل ابيب بتلك الحجة لإبقاء الاتفاق في مهب الريح والاستمرار في الضربات التي تحصد المزيد من الشهداء والجرحى. أما عن القوة الدولية التي أقرها مجلس الأمن فحصر مهامها بـ"تفكيك "حماس" ونزع سلاح قطاع غزة"، موضحًا أن معبر رفح لن يفتح إلا امام خروج الفلسطينيين من غزة، مطالبًا مصر بتسهيل خروجهم عبر المعبر.

وتعمل تل أبيب بلا كلل او ملل من أجل تهجير الفلسطينيين سواء بعرقلة إعادة الإعمار أو التحكم بحجم ونوعية المساعدات التي تدخل للقطاع وإبقاء المستشفيات في حالة من العجز الدائم فيما تتفاقم المعاناة الانسانية. وكانت حركة "حماس" اتهمت الاحتلال بـ"إزاحة الخط الأصفر بشكل يومي باتجاه الغرب"، مشددة على أن ذلك يخالف الخرائط المتفق عليها في اتفاق وقف الحرب. كما دعت الوسطاء إلى الضغط على الاحتلال لوقف هذه الخروقات فورًا. وجاء بيان الحركة بعد موجة عنيفة من الاعتداءات التي أدت إلى استشهاد 35 فلسطينيًا وإصابة العشرات، جلّهم من الأطفال، بذريعة إطلاق نار باتجاه قوة إسرائيلية وراء "الخط الأصفر"، وهو ما نفته الحركة. في الأثناء، رصد المكتب الاعلامي الحكومي في غزة نحو 400 خرق أدت إلى استشهاد أكثر من 300 فلسطيني منذ دخول الهدنة حيّز التنفيذ. أما إنسانيًا، فقد قدّمت منظمات حقوق إنسان التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية أمس الخميس، طالبت فيه بأن تُلزم إسرائيل باستئناف الإخلاء الطبي الفوري لمرضى قطاع غزة إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ومن الضفة وغزّة إلى لبنان، الذي يعيش حالة من القلق مع مواصلة الغارات والضربات الاسرائيلية وعدم "قبول" اسرائيل الرّد على المقترح اللبناني القاضي بالتفاوض غير المباشر. فما يجري يمكن وضعه في إطار زيادة الضغوط من أجل سحب سلاح "حزب الله" وتجفيف منابع تمويله بدعم أميركي واضح تجلى من خلال الانتقادات الاميركية لدور الجيش و"تلكؤه" عن الحسم وإلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى واشنطن. وفي المستجدات، أعلنت قوة "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان عن تسجيل أكثر من 10 آلاف انتهاك بري وجوي منذ سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كاشفة عن عثورها على ما يزيد عن 360 مخبأ متروكًا للأسلحة تمت إحالتها إلى الجيش اللبناني، مؤكدة رفع التقارير عن كل هذه الانتهاكات إلى مجلس الأمن الدولي.

في سياق متصل، كشف تحقيق جديد أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن استخدام إسرائيل الذخائر العنقودية المحظورة خلال حربها الأخيرة في لبنان، وهو أول دليل على استخدام مثل هذه الأسلحة منذ حرب 2006. ويتزامن هذا التقرير مع مخاوف من استئناف الحرب خصوصًا أن المعطيات تشير إلى أن تل أبيب تسعى نحو زيادة ضرباتها وتوسيعها، بظل الاتهامات المستمرة لـ"حزب الله" بأنه استعاد عافيته وبالتالي لا يزال شكل خطورة. وهو ما أكد عليه نتنياهو أمس حين أشار إلى أن إسرائيل لم تعد تكتفي بالهجمات المحدودة والنسبية على مواقع الحزب في لبنان، بل إنها تتجه نحو تصعيد أكبر عبر "موجات من الهجمات" التي تستهدف أهدافًا متعددة، لافتًا إلى أن الهدف من هذه الهجمات هو التأثير على "حزب الله" وتهديد قدراته العسكرية. كذلك نقل إعلام إسرائيلي أن جلسة الكابينت ناقشت مطوّلًا ملف لبنان وتكثيف الضربات. من جانبها، أعربت وزارة الخارجية الفرنسية​ عن قلقها مما يجري، وقالت "نندّد بالهجمات الإسرائيلية التي تقتل المدنيين في الجنوب، وموقفنا هو موقف احترام وقف إطلاق النار".

الموقف الفرنسي نفسه تناول ما يجري في هضبة الجولان وسط دعوة واضحة من قبل باريس إلى انسحاب الجيش الاسرائيلي واحترام سيادة ​سوريا​ ووحدة أراضيها، وهو مطلب تطالب به العديد من الدول الحريصة على استقرار الوضع هناك، ولكن لتل أبيب مخططات وغايات أخرى أوسع وأعمق. وهذا ما يمكن استنتاجه من جولة نتنياهو ووزرائه، يوم الأربعاء، في المناطق التي تحتلها إسرائيل جنوب سوريا، في حين أكد أن أحد أهداف زيارته "هو التأكد من الأمن وجاهزية الجيش الإسرائيلي لمنع تكرار هجمات من سوريا مشابهة لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر". وأضاف أن لدمشق مصلحة أكبر في الوصول إلى اتفاق أمني مع تل أبيب، وأن هناك شروطًا كثيرة قبل التوصل إلى هذا الاتفاق. وكالعادة غازل نتنياهو الدروز "الحلفاء"، بينما "بشرّت" السلطات الإسرائيلية بخبر اعتزامها إطلاق برنامج لتدريب 17 شابًا درزيًا من السويداء على إطفاء الحرائق بشكل مهني، وتقديم سيارة إطفاء هدية.

ويسود انطباع بأن هذه المبادرة تندرج ضمن مخطط إسرائيلي أوسع يهدف إلى تعزيز نفوذ الاحتلال في الجنوب السوري عبر غطاء "إنساني"، في مسعى لبثّ الانقسام داخل المجتمع السوري، مستنداً إلى مزاعم وجود "روابط خاصة" مع الطائفة الدرزية. وتعمل اسرائيل على تعزيز الفتن واللعب على الوتر الطائفي في بلد يعاني اصلًا من تداعيات الحرب التي استمرت 14 عامًا ولا يزال الوضع الأمني غير مستقر فيه. ومن المطامع الاسرائيلية إلى الدور الروسي المتزايد في سوريا بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو. وبحسب المعطيات الاعلامية، فقد بدأت موسكو خطوات عملية لإعادة تموضع قواتها في جنوبي سوريا، عبر إعادة إنشاء مواقع عسكرية في محافظة القنيطرة عند الحدود مع الجولان المحتل. والاثنين الماضي، قالت وزارة الدفاع السورية إن وفدًا عسكريًا مشتركًا من سوريا وروسيا، أجرى جولة ميدانية شملت عددًا من النقاط والمواقع العسكرية في الجنوب السوري. وأضافت الوزارة أن الجولة تهدف إلى الاطلاع على الواقع الميداني في إطار التعاون القائم بين الجانبين.

على المقلب الإيراني، اعتبرت طهران أن اتفاق القاهرة مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لم يعد ساريًا بعد تبنّي مجلس محافظي الوكالة قرارًا يطالبها بتعاون "كامل ودون تأخير" فيما يتعلق بمنشآتها ومخزونها من اليورانيوم المخصب. وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن إيران كانت واضحة منذ البداية بأن أي هجوم أو عمل عدائي ضدها سيؤثر على موقفها تجاه الاتفاق، مشيرًا إلى أن الوكالة الدولية "أخلّت بالتزامها من خلال تقديم معلومات عن المواقع النووية". وهذا القرار من شأنه أن يرسم علامة استفهام حول مستقبل الملف في ظل تحذير إيراني من إعادة النظر في سياساتها. ويترافق ذلك مع ما تعيشه ايران من عقوبات متزايدة، إذ ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أنها أدرجت 17 كيانًا وفردًا وسفينة في قائمة العقوبات لوقف تدفق الإيرادات التي تستخدمها إيران لدعم برنامجها النووي. وقالت الوزارة، في بيان، إن النظام الإيراني يواصل تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط لتمويل أنشطته المزعزعة للاستقرار.

دوليًا، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى "سلام مشرّف"، في الوقت الذي قدمت فيه الولايات المتحدة خطة لإنهاء الحرب تنص بشكل خاص، على أن تتنازل كييف عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق البلاد لصالح روسيا. وتنص الخطة الأميركية المكونة من 28 نقطة على تقاسم منطقتين أخريين في الجنوب هما خيرسون وزابوريجيا، وفي حال قبول كييف بالصيغة الحالية، يتوجب عليها أيضًا أن تتخلى عن طموحها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" وأن تدرج هذا الأمر في دستورها. وكان البيت الأبيض وصف خطة السلام المدعومة من الرئيس ترامب، بـ"الجيدة" للطرفين، رافضًا المخاوف من أنها تلبي الكثير من مطالب موسكو.

هذه التطورات المحلية والاقليمة تطرقت لها الصحف التي تصدر اليوم في عالمنا العربي. وهنا نظرة موجزة حول أهم ما ورد فيها:

لفتت صحيفة "عكاظ" السعودية إلى أن "زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية تجلت بصورة تُعيد رسم ملامح الشراكة السعودية- الأمريكية، وتفتح صفحة جديدة من التعاون رفيع المستوى، سواء في مجالات الأمن أو الاقتصاد أو السياسة الإقليمية". وأضافت "لم يقتصر أثر الزيارة على نتائجها المباشرة؛ بل أسهمت في تعزيز صورة المملكة كقوة قيادية تملك رؤية واضحة لعلاقاتها الخارجية، وتتعامل بثقة مع التحديات الدولية، فقد أظهرت اللقاءات أن الرياض تتقدم في مسار متوازن يجمع بين بناء تحالفات قوية مع القوى الكبرى، والدفاع عن قضاياها الإقليمية، والسعي إلى الاستقرار والسلام وفق مبادئ راسخة".

الحرب السودانية كانت محور اهتمام صحيفة "القدس العربي" التي لفتت إلى أنه "في الشكل والمضمون تعيش السودان أفظع كارثة إنسانية في عصرنا الحالي، وعلى الرغم من الوساطات التركية والقطرية، والدعوة الأمريكية التي أطلقها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون افريقيا مسعد بولس، لهدنة إنسانية عاجلة، إلا أنّ الحرب لم تزل مستمرة والأزمة الإنسانية تزداد تفاقمًأ"، مستنتجة أن "الحرب في السودان ستسلك مسار التسوية، لكن ليس لصالح البرهان، بل في إعادة إنعاش الحكومة المدنية لفرض الديمقراطية، التي تسعى إليها إدارة ترامب"، بحسب تعبيرها.

أما الوضع اللبناني فتناولته صحيفة "اللواء" اللبنانية، التي أشارت إلى أن "عيد الاستقلال يحلّ هذا العام ولبنان يقف عند مفترق حاد تتقاطع فيه إشارات التفاؤل الخجول مع مخاوف الانزلاق إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل. فالوضع الحكومي يشهد تقدمًا نسبيًا في الأداء، والحركة الاقتصادية تنبض ببعض الحيوية بعد سنوات الانكماش القاسي، فيما تبقى الهواجس الأمنية ظلًا ثقيلًأ فوق المشهد اللبناني بأسره، مع استمرار التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة"، معتبرة أن "التحدي الأكبر فيتمثّل في المأزق السياسي المتّصل بملف السلاح غير الشرعي والعلاقة المضطربة بين الدولة وحزب الله، وهو مأزق ينعكس بشكل مباشر على موقع لبنان الإقليمي وعلى قدرته في تجنّب الحرب".

(رصد "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن