صحافة

سيناريوهات معقدة بعد الانتخابات العراقية

محمد السعيد إدريس

المشاركة
سيناريوهات معقدة بعد الانتخابات العراقية

وضع القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا في العراق يوم الاثنين الماضي القوى السياسية الكبرى الفائزة في الانتخابات البرلمانية التى أُجريت يوم الثلاثاء، والمتنافسة على تشكيل "الكتلة البرلمانية الكبرى" التي سيكون لها الحق في تزكية شخص رئيس الحكومة الجديد، الذي يعد المنصب الأهم في البلاد، أمام تحدٍ صعب لم تضعه في اعتبارها.

فهذه القوى، وبالذات التحالفين الكبيرين الشيعيين المتنافسين على منصب رئاسة الحكومة: "الإطار التنسيقي" الذي يتزعمه نوري المالكي، وتحالف "الإعمار والتنمية" الذي يتزعمه محمد شياع السوداني رئيس الحكومة الحالي، الفائز بأعلى عدد من أصوات البرلمان (إذ حصل على 46 مقعداً) كانا يديران معركة التنافس بينهما، اعتقاداً منهما أن أمامهما متسعاً من الوقت لتدبير أوضاعهما وتجميع قدراتهما، باعتبار أن الموعد الذي يعملان ضمنه هو 9 يناير/ كانون الثاني المقبل، وهو الموعد الذي ينتهي فيه عمل البرلمان بحسب المواد الدستورية. لكن قرار المحكمة الاتحادية العليا قطع عليهما هذا الاعتقاد، إذ اعتبر أن يوم الاقتراع العام لانتخاب مجلس النواب الجديد (البرلمان)، أي يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري هو يوم انتهاء ولاية مجلس النواب، وانتهاء كل صلاحياته، وأيضاً انتهاء صلاحيات الحكومة، وتحويلها إلى "حكومة تصريف أعمال".

واعتبرت المحكمة أن اليوم الذي يتم فيه إجراء الانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب "يُعَد حداً فاصلاً بين شرعية منتهية وأخرى متجددة". وبناء على ذلك، يتعين على البرلمان الجديد أن ينعقد خلال 15 يوماً من إعلان مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات، وبعد الجلسة الأولى يفترض أن ينتخب مجلس النواب رئيساً للجمهورية خلال 30 يوماً بأغلبية ثلثي المجلس التي تتطلب ما لا يقل عن 220 مقعداً من إجمالي مقاعد المجلس البالغ عددها 329 مقعداً، الأمر الذي يُفترض أن تكون قد حُسمت مسبقاً صفقة تحديد "الكتلة الانتخابية الأكبر" ومعها صفقة المرشح المتفق عليه لرئاسة الحكومة الجديدة.

هذه المعضلة فرضت ثلاثة سيناريوهات للتحرك من جانب التحالفين الشيعيين الكبيرين، لتشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر"، ومن ثم تسمية رئيس الحكومة هي:

* السيناريو الأول: أن تتحرك قوى "الإطار التنسيقي" إلى تشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر" ضمن صفقات تقليدية مع أحزاب المكون السني والمكون الشيعي، واستبعاد التحالف الشيعي المنافس الذي يتزعمه محمد شياع السوداني رئيس الحكومة من هذا التشكيل، استناداً إلى موقف حاسم عَبَّرَ عنه زعيم الإطار التنسيقي نوري المالكي وقيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق" برفض إعادة ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة مجدداً، باعتبار أنه وظف شعار "النأي بالعراق" عن الصراعات الدولية إلى تقارب مع الولايات المتحدة على حساب العلاقة مع إيران، وأنه غير جاد في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي بالعراق استجابة لضغوط تحرص على إخراج إيران نهائياً من العراق، أو تقليص النفوذ الإيراني. هذا السيناريو يتضمن السعي إلى ضم المنسحبين من كتلة السوداني، والسعي إلى تفكيك هذه الكتلة، لعدم تمكينه من عقد أي صفقة انتخابية مع القوى السنية والكردية، وإغلاق أبواب الأمل أمامه، وإجهاض تفوقه في الانتخابات الأخيرة.

* السيناريو الثاني: أن يسعى السوداني إلى تشكيل "الكتلة الانتخابية الأكبر" بعيداً عن تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يتزعمه المالكي، عبر صفقة تضم القوى الثلاث الكبرى الفائزة في الانتخابات من المكونات الثلاثة في البلاد: المكون الشيعي والمكون السُني والمكون الكردي، أي ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة السوداني (شيعي) وحزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي (سُني) والحزب الديمقراطي الكردستاني (كردي).

رهان التحالف بين "المثلث السياسي" الشيعي بزعامة السوداني، والسُني بزعامة الحلبوسي، والكردي بزعامة مسعود البرزاني، له إغراءاته، لكنه، بمجمل أصواته سيكون في حاجة إلى تحالفات أخرى لتشكيل "الكتلة الأكبر"، فضلاً عما هو أهم، وهو صعوبة أن يُضحي أي من البرزاني أو الحلبوسي بتحالفاتهما التقليدية مع "الإطار التنسيقي" الذي يضم الكتلة الشيعية الوازنة، ما يعني أن فُرَص هذا السيناريو محدودة.

* السيناريو الثالث: هو عودة السوداني إلى أحضان "الإطار التنسيقي" وفق شروط نوري المالكي، وهذا السيناريو يبدو أنه تحول من "فكرة" إلى "واقع" له حساباته الكثيرة والمعقدة، سواء حسابات الخارج (التنافس الإيراني – الأمريكي على العراق) أو حسابات الداخل بين السوداني والمالكي ومن خلفه، ومجمل "المعادلة الداخلية" بما فيها الميليشيات المتحالفة مع إيران، حيث أُعلن عبر بيان صَدر يوم الثلاثاء الماضي عن اتفاق ممثلي قوى "الإطار التنسيقي" الذي يضم معظم الأحزاب والقوى الشيعية، بما فيها تحالف «الإعمار والتنمية» بزعامة السوداني، أن يقدموا أنفسهم بوصفهم "الكتلة البرلمانية الأكبر".

اتفاق يُؤمِّن نصف الحل المطلوب، لكن النصف الثاني سيبقى أكثر تعقيداً، خاصة من سيكون رئيس الحكومة الجديدة في ظل هذا التطور الجديد؟

(الخليج الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن