العرب وتحديات الذكاء الاصطناعي

الذَّكاءُ الاصْطِناعيّ: تَزَايُدُ اسْتِخْدَامِهِ وَأَسْئِلَتُهُ الخَطيرة!

لم يَعُدْ خافيًا أَنَّ مُسْتَخْدِمي أَدَواتِ الذَّكاءِ الاصْطِناعيِّ أَصْبَحوا يُعَدُّونَ بِعَشَراتِ وَمِئاتِ المَلايينَ في مُخْتَلِفِ أَنْحاءِ العالمِ، وأَنَّهُم يَتَزايَدونَ بِشَكْلٍ مُطَّرِدٍ يَوْمِيّا. إِذْ تُشيرُ العَديدُ مِنَ التَقاريرِ والإِحْصائِيّاتِ الدوليةِ والعربيةِ إِلى أَعْدادٍ وَنِسَبٍ لافِتَةٍ في هَذا الشَّأْنِ، مَثَلًا، ما أَشارَتْ إِلَيْهِ بَعْضُ تَقاريرِ أَكاديمِيَّةِ الذَّكاءِ الاصطِناعِيِّ مُؤَخَّرًا، بِأَنَّهُ خِلالَ هَذِهِ السنةِ 2025، يَقْتَرِبُ عددُ مُسْتَخْدِمي أدواتِ الذكاءِ الاصطناعيّ عالَمِيًّا من 400 مِلْيونِ مُسْتَخْدِم. وَأنَّهُ بِحُلولِ سنةِ 2030، يُتَوَقَّعُ أَنْ يَصِلَ العَدَدُ إلى أَكْثَرَ من 729 مِلْيونِ مُسْتَخْدِمٍ (theai.ac/studies). مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فيما يَخُصُّ استخدامَ مِنَصّاتِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ المُسْتَقِلَّةِ (standalone AI platforms)، فَإِنَّ عددَ المُستخدِمينَ تَجاوَزَ مِلْيارَ مُستخدِمٍ في الشَّهْرِ عَلى مُسْتَوى العالمِ، بِحَسْبِ شركةِ "تقريرِ البياناتِ" الدوليةِ (datareportal.com) في أُكْتوبَر/تِشْرين الأَوَّل 2025.

الذَّكاءُ الاصْطِناعيّ: تَزَايُدُ اسْتِخْدَامِهِ وَأَسْئِلَتُهُ الخَطيرة!

في بُلْدانِنا العَرَبِيَّةِ، هُناكَ إِحْصاءاتٌ تُشيرُ إلى أَرْقامٍ مُهِمَّةٍ في هَذا الخُصوصِ، وَلَوْ أَنَّهُ في واقِعِ الأَمْرِ لَيْسَتْ هناكَ إحصاءاتٌ دقيقةٌ وشاملةٌ تَخُصُّ المنطقةَ العربيةَ بشكلٍ شاملٍ، وَلَكِنْ مِنْ خِلالِ بعضِ الإِحْصاءاتِ القَّليلَةِ المَنْشورَةِ في هَذا الشَّأْنِ يُمْكِنُ تَوَقُّعُ إحصاءاتٍ مُتَقارِبَةٍ في مُخْتَلَفِ البلدانِ العربيةِ على مُسْتَوَى استخدامِ الأفرادِ وَالمُؤَسَّساتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، فيما يَتَعَلَّقُ بِالاسْتِعانَةِ بأدواتِ الذكاءِ الاصطناعيّ في إنجازِ المَهامِّ والأَعْمالِ المُخْتَلِفَةِ، سواءٌ في التعليمِ أو الإدارةِ والماليةِ أو الصناعةِ والتجارةِ، أَوْ حتّى في البَحْثِ العِلْمِيِّ وإعدادِ الدراساتِ، والترجمةِ المُتَخَصِّصَةِ، وَما إلى ذَلِك.

عَلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْرِ، في السعوديةِ نَجِدُ أنَّ حَوالَى 80% مِنَ البالِغينَ يَسْتَخْدِمونَ أَدَواتِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ (arabnews.com)، وفي الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ، 91% من المُسْتَهْلِكينَ لَهُمْ دِرايَةٌ باستخدامِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ التَّوْليديِّ (Gen AI)، وَأَنَّهُ عَمَلِيًّا نَحْوَ 34% مِنْهُمْ يَسْتَخْدِمونَهُ في إِنْجازِ مَهامِّهِمْ (MIT Sloan). وبصفةٍ عامةٍ، عَلى مُسْتَوَى الأَعْمالِ والمُؤسّساتِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، يُشيرُ بعضُ التقاريرِ إِلى أنَّ حَوالَى 75% من المُنَظَّماتِ في دُوَلِ مَجْلِسِ التَّعاوُنِ تَحْديدًا تَسْتَخْدِمُ الذّكاءَ الاصطناعيَّ التوليديَّ، على الأَقَلِّ في إِحْدى الوظائفِ (McKinsey & Company).

أدوات الذكاء الاصطناعيّ ستكون عمليًا امتدادًا لحواس الإنسان لأداء مهامه وأنشطته المُتنوّعة في الحياة

ما تَقَدَّمَ يُؤَكِّدُ أنَّ مَسارَ الاسْتِخْدامِ الذَّكائيِّ المُصَنَّعِ سَيُصْبِحُ مِثْلَ "طَريقِ المَعْلوماتِ فائِقِ السُّرْعَةِ" (Information Superhighway)، سواءٌ مِنْ حَيْثُ ازدحامِ مُستخدِميهِ أو سُرْعَةِ تَطَوُّرِهِ وتَرْقِيَتِهِ، لِيُلَبّيَ مُخْتَلَفَ مُتَطَلِّباتِ المُستخدِمين بِأَعْدادِهِمُ الهائِلَة. وَإِنْ كانَ الطريقُ المعلوماتيُّ الفائِقُ السُّرْعَةِ المُشارُ إِلَيْهِ يَعْني نِظامَ الاتِّصالاتِ الإِلِكْتْرونيّ الدَّوْليّ الذي يُتيحُ الوُصولَ إلى المَعْلوماتِ في أُصولِها وَأَوْعِيَتِِها الخاصَّةِ بِها والمُنْتَشِرَةِ في شَتّى أنحاءِ المَعْمورَةِ بِسرعةٍ فائقةٍ، من خلالِ بُنْيَتِهِ التَّحْتِيَّةِ المُتَشابِكَةِ عالَمِيًّا بِعَناصِرِها وَآلِيّاتِها الرَّقْمِيَّةِ المُتَكامِلَةِ، فَإِنَّ أَنْظِمَةَ الذّكاءِ الاصطناعيّ أَصْبَحَتْ تَخْتَصِرُ هذا الطريقَ على المُستخدِمينَ، بِأَنْ تُساعِدَهُمْ بشكلٍ كبيرٍ في تقديمِ البياناتِ والمعلوماتِ المَطْلوبَةِ، إلى جانب مُساعَدَتِها الكَبيرَةِ في إِنْتاجِ المَعْرِفَةِ، وَجَعْلِ المَهامِّ والخدماتِ أكثرَ سهولةً، وأقربَ إلى مُتَناوَلِ اليَدِ، بصورةٍ غالبًا ما تَتَناسَبُ مع إِمْكاناتِ المُستخدِمينَ، وَثَقافاتِهِمْ، وَمُتَطلَّباتِهِمْ العمليةِ في شتّى المَجالات. ما يعني أنَّ أدواتِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ طريقِ وصولٍ، بَلْ سَتَكونُ عَمَلِيًّا امتدادًا لِحَواسِّ الإِنْسانِ لأَداءِ مَهامِّهِ وأنشطتهِ المُتنوّعةِ في الحَياةِ، أيْ سَتَحْتَلُّ الأَدَواتُ الذَّكِيَّةُ مَكانًا مُهِمًّا جِدًّا في مَنْظومَةِ حَياةِ الإنسانِ، وستُصْبِحُ بِمَثابَةِ يَدِهِ وَبَصَرِهِ وَسَمْعِهِ، فَضْلًا عَنْ عَقْلِهِ وتَفْكيرِهِ وتَدْبيرِه.

مِنْ هُنا، تَبْرُزُ الأسئلةُ الخَطيرَةُ في المَوْضوعِ: مَنْ يُسَيْطِرُ عَلى أنظمةِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ، وَمَنْ يُسَيِّرُها؟ خُصوصًا أنَّ هَذا الذَّكاءَ الرَّقميَّ باتَ مُحَرِّكًا أساسيًّا لأَعْمالِ المَشاريعِ الاقْتِصادِيَّةِ والمُجْتَمَعِيَّةِ بِأنواعِها، مُنظماتٍ ومُؤسساتٍ وشَركاتٍ ومصانعَ ومختبراتٍ وهيئاتٍ حكوميةٍ وأَهْلِيَّة؟... ما هُوَ النَّموذَجُ المُرْتَقَبُ لِلتَّغَيُّراتِ الكُبْرى في ظَواهِرِ الإِنْسانِ الكُبْرَى، مِثْلَ الاقتصادِ والتجارةِ والثَّقافةِ والسياسةِ والقانونِ والدّينِ، وعَلاقاتِ النّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْض؟ ما هُوَ نَوْعُ الاعْتِمادِ والالْتِزامِ الذي سَيَفْرضُهُ الذَّكاءُ الاصطِناعيُّ على البَشَر؟ هل سيكونُ اعتِمادَ تَخْطيطٍ وتَوْجيهٍ أم اعتمادَ مُمارَسَةٍ وَتَنْفِيذ؟

ارتباط الذكاء الإنساني الطبيعي بالذكاء الآلي يُجسّد نقلة نوعية جديدة في سُلّم حضارة الإنسان

لا شَكَّ أَنَّ عَجَلَةَ السَّيْطَرَةِ، وَمِقْوَدَ التَّسْييرِ، سَتَظَلُّ في يَدِ مَنْ يَتَحَكّمُ في إِنْتاجِ المعرفةِ المُصَنَّعَة. وأنَّ أَرْبابَ اقتصاداتِ البُلْدانِ هُمُ المُخَطِّطونَ الدَّوْلِيّونَ وأصحابُ السياساتِ التِّكْنولوجِيَّةِ في العالمِ، السياساتِ عابِرَةِ الجِنْسِيّاتِ، والتي تُنَفَّذُ من خِلالِ الشَّرِكاتِ المُماثِلَةِ التي تَنْدَرِجُ أنشطتُها وَفْقَ مُخَطَّطاتِها، وتحتَ تَوَجُّهاتِها في التنفيذِ والتنسيقِ والرَّقابَة. ويبرزُ من ضِمْنِ هَؤُلاءِ المُسَيْطِرينَ التِّكْنوقْراطُ الفاعلون، مِنَ العُلَماءِ والمُهَنْدِسينَ والتِّقْنِيّينَ العامِلينَ في مُؤسَّساتِ الصِّناعاتِ الذَّكيةِ، ومراكزِ البحثِ العلميّ ومُؤسَّساتِ التَّطويرِ التكنولوجيّ الذَّكِي. ولا شَكَّ أيضًا، أنَّ هَذا الأمرَ لا يَبْتَعِدُ بِدايَةً عَنْ مُشارَكَةِ هَيْمَنَةِ الحُكوماتِ والإداراتِ الأَمْنِيَّةِ وَالعَسْكَرِيَّةِ فِي بُلْدانِهَا المَعْنِيَّة.

إِنَّ ارْتِباطَ الذَّكاءِ الإِنْسانيِّ الطَّبيعيِّ بالذَّكاءِ الآلِيِّ هُوَ في حَدِّ ذاتَهِ طَفْرَةٌ ارْتِقائِيَّةٌ لِلبَشَرِيَّةِ، ويُجَسِّدُ حقيقةً نقلةً نوعيّةً جديدةً في سُلَّمِ حَضارَةِ الإِنْسان. سَيَكونُ لَدَيْنا قَريبًا، الإِنْسانُ الهَجينُ عَقْلًا وَجَسَدًا، مُزَوَّدًا بِأَدَواتِ الذَّكاءِ دَقيقَةِ الصُّنْع. وستكونُ هناكَ تَحَوُّلاتٌ فارِقَةٌ جِدًّا، تتمثّلُ فيما يَلي، بِشَكْلِ أَكْبَرَ:

• السُّرْعَةُ الهائِلَةُ في إنتاجِ المَعْرِفَةِ، وإنجازِ المَهامِّ وتَفاعُلِ الأنْشِطَةِ المُتَبادَلَةِ بِطُرُقٍ أكثرَ اقْتِرابًا مِنْ تَحْقيقِ الأَهْدافِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الأَفْرادِ والجَماعاتِ والمُؤسَّساتِ والحُكومات.

• السُّلْطَةُ الفاعِلَةُ سَتَكونُ بِيَدِ مَنْ يَمْلِكُ أُصولَ البَياناتِ وَتِكْنولوجْيا الذّكاءِ الاصْطِناعيّ.

• النَّموذَجُ الحَضاريُّ الجَديدُ سَتَفْرُضُهُ سُلْطَةُ الخَوارِزْمِيَّةِ المُتَطَوِّرَة.

• سَيَقِلُّ اعتمادُ النَّوْعِ الإِنْسانيِّ كَثيرًا عَلى عَقْلِهِ الفَرْديِّ الخاصِّ، لِيَدْخُلَ مَرْحَلَةَ العقلِ الجَمْعيِّ الإلِكْتْرونيِّ الفائِقِ الذّكاء...

هَذا العَقْلُ الذي قَدَّمْنا فِكْرَتَهُ مُنْذُ أكثرَ مِنْ عِشْرينَ عامًا، مَفْهومُهُ وخَصائِصُهُ وآلِيّاتُ تَأْثيرِهِ في الفَرْدِ والمُجْتَمَع... كَيْفَ سَيَكونُ في نموذجِ حَضارتِنا الذَّكِيَّةِ الجَديدَة؟!.. في مَقالٍ آخَر إِنْ شاءَ الله.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن