صحافة

"أمريكا أولًا" أم إسرائيل؟!

رشاد أبو داود

المشاركة

"عشت في عالم يدور سريعاً، كانت كلمة سيئة عن إسرائيل كفيلة أن تنهيك سياسياً، الآن كلمة جيدة عنها تفعل ذلك"... بهذه الكلمات لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحول الكبير الذي طرأ على مكانة إسرائيل في بلاده. الولد المدلل لعشرات السنين تجاوز حدود الدلال إلى عدم الامتثال. وعض اليد التي تمد دولته بأُكسجين الحياة منذ إنشائها، سواء مالياً أو عسكرياً أو سياسياً.

أصبح رئيس وزرائها مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية. جنودها وضباطها ملاحقون في الكثير من دول العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. حذرها ترامب بأنها أصبحت معزولة عن العالم. قال لنتانياهو "لن تستطيع أن تحارب العالم وحدك"، لكنه لم يستمع. بل تمادى في البطش وقتل الأطفال والنساء وتعذيب الأسرى حتى باتت دولته مكروهة من قبل شعوب العالم.

لحقت أمريكا نتائج سوداء لما ارتكبته حكومة نتانياهو، لكنه -أي ترامب- ظل ملتزماً بـ"أمن إسرائيل". وعندما فاض الكيل وطفحت جرائم نتانياهو، أمره بوقف الحرب على غزة. وتولى بنفسه رئاسة مجلس السلام المنبثق عن خطته للسلام ذات العشرين بنداً. لكن النار التي أشعلها نتانياهو في العالم وصلت إلى أمريكا. ففي مقابلة تلفزيونية كشف ترامب عن أن "نفوذ اللوبي الإسرائيلي الذي كان الأقوى في الكونغرس قد تضاءل كثيراً عما كان عليه قبل عشرين سنة". وأشار إلى ظهور أصوات في الكونغرس ضد إسرائيل أصبحت ظاهرة غيرت المعادلة و"انتهى زمن عدم انتقاد إسرائيل".

هذه التصريحات عدّها محللون خروجاً عن الثوابت التقليدية لدعم إسرائيل، وإعادة لتعريف العلاقة معها بناء على مصالح واشنطن وليس فقط دعماً مبدئياً لإسرائيل، ما يعني قطيعة استراتيجية مع إسرائيل التي كانت الحليف الأقرب، بل لتكون طرفاً في معادلة أوسع. ترامب، حسب محللين، يسعى لإعادة توازن العلاقة مع إسرائيل بما يخدم أولويات أمريكا الاستراتيجية، وليس فقط دعماً عاطفياً أو أيديولوجياً.

وتصريحاته تحمل رسالة إلى نتانياهو مفادها أن تأييده ليس تأييداً مطلقاً بلا حدود، وأن ثمة ضغوطاً متزايدة في الداخل الأمريكي، إضافة إلى ظهور مؤشرات على تغير في رأي الشارع الأمريكي، خاصة بين الشباب والجمهوريين تجاه إسرائيل. ما حذر منه ترامب تجسد على أرض الواقع، وحدث تحول سياسي واجتماعي ضد إسرائيل في واشنطن وأوروبا والعالم. وأصبح مؤثرون أمريكيون مثل الإعلامي الشهير تاكر كارلسون الذي كان مؤيداً شرساً لإسرائيل، يسألون علناً: ماذا نستفيد من الدعم المطلق لإسرائيل على حساب دافعي الضرائب؟

ويدعون إلى توازن في العلاقة معها. امتدت الصحوة الشعبية الأمريكية إلى الابتعاد عن منظمة "أيباك" الداعمة الرئيسية لإسرائيل والأكثر تأثيراً في السياسة الأمريكية على مدى عقود. ووصل الشرخ إلى الحزب الجمهوري نفسه، سواء في الكونغرس. كما قال ترامب، أو في حركة "ماغا" التي تشكلت دعماً لشعار ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً". وظهرت منصات وبرامج تطرح التساؤل: هل ترامب رئيساً لأمريكا أم لإسرائيل. ولماذا نحارب نيابة عن إسرائيل؟!

هذا التحول -إن لم نقل الانقلاب- في الرأي العام الأمريكي أوصل رسالة لحكومة نتانياهو أنه قد انتهى الدعم المطلق. وستسعى واشنطن إلى رسم سياسة أكثر توازناً، لا تُفقدها دورها التقليدي، وإنقاذ ما تبقى من سمعتها الأخلاقية. ما يجري ليس نهاية التحالف الأمريكي الإسرائيلي، لكنه -بلا شك- نهاية مرحلة منه. إنه انتقال من دعم مطلق إلى حسابات دقيقة تراعي المصالح الأمريكية أولاً.

(البيان الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن