الأمن القومي العربي

"إِعادَةُ رَسْمِ" خريطَةِ السَّيْطَرَةِ العَسْكَرِيَّةِ في اليَمَن!

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

وَضَعَتْ سَيْطَرَةُ قُوّاتِ المَجْلِسِ الِانْتِقاليِّ الجَنوبيِّ على مُحافَظَتَيْ حَضْرَمَوْتَ وَالمَهْرَة، اليَمَنَ أَمامَ مَرْحَلَةٍ جَديدَةٍ في الصِّراع، وَفَتَحَتِ البابَ لِإِعادَةِ رَسْمِ خَريطَةِ السَّيْطَرَةِ العَسْكَرِيَّةِ لِلْقُوى المُناهِضَةِ لِلْحوثِيّين، وَالتي تَنْضَوي تَحْتَ إِطارِ الحُكومَةِ المُعْتَرَفِ بِها دَوْلِيًا.

بَعيدًا عَنِ النِّقاشاتِ التي تَدورُ خَلْفَ أَبْوابٍ مُغْلَقَةٍ بَيْنَ دَوْلَتَيِّ التَّحالُفِ الرَّئيسِيَّتَيْن، السَّعودِيَّةِ وَالإِمارات، حَوْلَ مَطْلَبِ انْسِحابِ قُوّاتِ المَجْلِسِ الانْتِقاليِّ مِنَ المُحافَظَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُشَكِّلانِ نَحْوَ نِصْفِ مِساحَةِ البِلادِ تَقْريبا، فانَّ خُروجَ قُوّاتِ المِنْطَقَةِ العَسْكَرِيَّةِ الأولى مِنْ وادي حَضْرَمَوْتَ وَانْتِقالَها إلى مَأْرِب، وَاسْتِسْلامَ القُوّاتِ التي كانَتْ مُرابِطَةً في مُحافَظَةِ المَهْرَة، لا يَزالانِ يُشَكِّلانِ لُغْزا؛ إِذْ سَقَطَتْ تِلْكَ القُوّاتُ خِلالَ يَوْمَيْنِ وَفي مُواجَهَةٍ خاطِفَةٍ شَهِدَها وادِي حَضْرَمَوْت، مِنْ دونِ أَنْ تُظْهِرَ مُقاوَمَةً فِعْلِيَّة، على الرَّغْمِ مِنْ مَقْتَلِ 32 مِنْ مُنْتَسِبيها.

وَفي ظِلِّ التَّصْعيد، يَعيشُ الشارِعُ اليَمَنِيُّ تَحْتَ تَأْثيرِ سَيْلٍ مِنَ التَّكَهُّناتِ وَالتَّسْريباتِ بِوُجودِ تَفاهُماتٍ داخِلِيَّةٍ وَإِقْليمِيَّةٍ سَبَقَتْ تَقَدُّمَ قُوّاتِ المَجْلِسِ الانْتِقاليِّ الجَنوبِيّ، وَبِهَدَفِ إِرْغامِ قُوّاتِ المِنْطَقَةِ العَسْكَرِيَّةِ الأولى على مُغادَرَةِ وادي حَضْرَمَوْت، حَيْثُ تُتَّهَمُ بِالتَّواطُؤِ لِتَهْريبِ قِياداتٍ عَسْكَرِيَّةٍ إِيرانِيَّةٍ وَأُخْرى مِنْ "حِزْبِ اللهِ" إلى الحوثِيّين، عَبْرَ المِنْطَقَةِ الصَّحْراوِيَّةِ المُمْتَدَّةِ مِنَ الحُدودِ العُمانِيَّةِ وَحَتّى مُحافَظَةِ الجَوْفِ الخاضِعَةِ لِسَيْطَرَةِ الحوثِيّين، فَضْلًا عَنْ تَهْريبِ الأَسْلِحَة.

وَتَحتَ وطأةِ تَمَسُّكِ المَجْلِسِ الانْتِقاليِّ بِالمَكاسِبِ التي حَقَّقَها، وَدَعْوَتِهِ إلى قِيامِ دَوْلَةٍ جَنوبِيَّة، وَرَفْضِهِ طَلَبَ رَشادِ العَليميّ، رَئيسِ مَجْلِسِ القِيادَةِ الرِّئاسِيّ، وَالسَّعودِيَّةِ بِسَحْبِ قُوّاتِهِ وَإِعادَتِها إلى مَواقِعِها في مُحافَظَتَيْ أَبْيَنَ وَعَدَن، وَمُغادَرَةِ رَئيسِ الحُكومَةِ وَمُعْظَمِ الوُزَراءِ المُنْحَدِرينَ مِنْ الشَمالِ مَدينَةَ عَدَن، فَإِنَّ اسْتِمْرارَ الخِطابِ التَّصْعيديِّ بَيْنَ هَذِهِ الأَطْرافِ يُشيرُ إلى أَنَّ أَزْمَةً جَديدَةً سَتُضافُ إلى قائِمَةِ الأَزَماتِ التي تَعْصِفُ بِالبِلاد.

قُوّاتُ "دِرْعِ الوَطَن"، التي شَكَّلَتْها السَّعودِيَّةُ مُنْذُ سَنَواتٍ لِتَكونَ ذِراعَها العَسْكَرِيَّةَ في مَناطِقِ سَيْطَرَةِ الحُكومَةِ وَتَتْبَعُ رَئيسَ مَجْلِسِ القِيادَة، دَخَلَتْ على خَطِّ الأَزْمَةِ لِلْمَرَّةِ الأولى، وَبَدَأَتِ الانْتِشارَ في بَعْضِ المَواقِعِ العَسْكَرِيَّةِ القَريبَةِ مِنَ الحُدودِ اليَمَنِيَّةِ مَعَ السَّعُودِيَّة، كَما تَتَمَسَّكُ الرِّياضُ بِأَنْ تَحُلَّ هَذِهِ القُوّاتُ التي لَمْ تُخْتَبَرْ في أَيِّ مُواجَهَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ مِنْ قَبْل، مَحَلَّ قُوّاتِ المَجْلِسِ الانْتِقاليِّ في مُحافَظَتَيْ حَضْرَمَوْتَ وَالمَهْرَة.

وَوَسَطَ هَذِهِ الأَزْمَة، بَدا وَكَأَنَّ هُناكَ إِرادَةً غَيْرَ مَنْظورَةٍ لِإِعادَةِ رَسْمِ خَريطَةِ التَّشْكيلاتِ العَسْكَرِيَّة، بِحَيْثُ تُجَرَّدُ القُوّاتُ المُتَواجِدَةُ في المِنْطَقَةِ العَسْكَرِيَّةِ الأولى، وَفي مَأْرِبَ وَتَعِزّ، مِنَ الغِطاءِ الحُكُومِيّ، لِتُصْبِحَ تَشْكيلاتٍ تَدينُ بِالوَلاءِ لِلتَّجَمُّعِ اليَمَنِيِّ لِلْإِصْلَاح، وَهُوَ أَبْرَزُ الأَطْرافِ السِّياسِيَّةِ المُكَوِّنَةِ لِلسُّلْطَةِ الشَّرْعِيَّةِ في البِلاد، وَالذي يَمْتَلِكُ مُمَثِّلَيْنِ اثْنَيْنِ في مَجْلِسِ القِيادَةِ الرِّئَاسِيّ، إلى جانِبِ تَحالُفاتٍ أُخْرى داخِلَ المَجْلِسِ الذي تَشَكَّلَ قَبْلَ ثَلاثَةِ أَعْوامٍ خَلَفًا لِلرَّئيسِ عَبْدِ رَبِّهِ مَنْصور هادي.

وَفي غِيابِ رُؤْيَةٍ مُعْلَنَةٍ لِلتَّحالُفِ العَرَبِيّ، صاحِبِ القَرارِ في السُّلْطَةِ الشَّرْعِيَّةِ في اليَمَن، فإَِنَّ لا أَحَدَ بِمَقْدورِهِ التَّكَهُّنُ بِمَسارِ الصِّراعِ في هَذا البَلَد، الذي باتَ يُحْكَمُ مِنْ قِبَلِ ثَلاثِ تَشْكيلاتٍ رَئيسِيَّة؛ ابْتِداءً مِنَ المَجْلِسِ الِانْتِقاليِّ الجَنوبِيّ، الذي يُسَيْطِرُ على جَميعِ المُحافَظاتِ التي كانَتْ تُشَكِّلُ دَوْلَةَ جَنوبِ اليَمَنِ قَبْلَ اتِّحادِها مَعَ الشَّمالِ عامَ 1990، مُرورًا بِحِزْبِ الإِصْلَاحِ الذي يُسَيْطِرُ على أَجْزاءٍ مِنْ مُحافَظَتَيْ مَأْرِبَ وَتَعِزّ، وُصولًا إلى الفَريقِ طارِق صَالِح، نَجْلِ شَقيقِ الرَّئيسِ الأَسْبَقِ علي عَبْدِ اللهِ صَالِح، الذي يُسَيْطِرُ على أَجْزاءٍ مِنْ مُحافَظَتَيْ تَعِزَّ وَالحُدَيْدَةِ على ساحِلِ البَحْرِ الأَحْمَر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن