صحافة

تقارب إسرائيل مع اليونان وقبرص وتأثيره على الأمن الإقليمي والعربي

خالد أبو بكر

المشاركة
تقارب إسرائيل مع اليونان وقبرص وتأثيره على الأمن الإقليمي والعربي

بدأت القصة من تل أبيب، حيث عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً ثلاثياً مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، يوم الإثنين 22 ديسمبر 2025، خُصّص -رسمياً - لبحث قضايا الأمن الإقليمي، والطاقة، والتكنولوجيا. غير أن قراءة ما بين السطور، خصوصاً كما قدّمته الصحافة الإسرائيلية، تكشف عن أن الاجتماع يمثّل محطة متقدمة فى مسار تحوّل هذا التقارب الثلاثي إلى شراكة أمنية ذات أبعاد تتجاوز شمال المتوسط لتلامس الأمن الإقليمي الأوسع، بما فيه الأمن القومي العربي.

افتتاحية صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، المنشورة في اليوم التالي للاجتماع، ذهبت أبعد من اللغة الدبلوماسية المعتادة، وقدّمت الاجتماع بوصفه تعبيراً عن "مرحلة جيوسياسية جديدة" في شرق المتوسط، حيث لم تعد الطاقة هي المحرّك الرئيسي، بل الأمن. الصحيفة أوضحت أن الشراكة بين إسرائيل واليونان وقبرص تشكّلت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، عقب تدهور العلاقات الإسرائيلية- التركية، لكنها اليوم تدخل طوراً أكثر صراحة، تُعرَّف فيه تركيا باعتبارها التحدي الأمني المشترك، حتى وإن لم يُذكر اسمها مباشرة فى البيانات الرسمية.

بحسب التحليل الإسرائيلي، فإن مشاريع الطاقة الكبرى، وعلى رأسها خط أنابيب "إيست ميد"، فقدت زخمها الاستراتيجي، بسبب الكلفة العالية، وتعقيدات السوق، وتراجع الدعم الأميركي. ومع تراجع هذا الغطاء "الاقتصادي"، صعدت الشراكة الأمنية إلى الواجهة. فالجيش الإسرائيلي كثّف تدريباته الجوية والبحرية مع اليونان، واستفاد من المجال الجوي اليوناني بعد تقييد وصوله إلى الأجواء التركية، كما توسّع التعاون الاستخباراتي والعسكري مع قبرص، التي سمحت بتدريبات إسرائيلية على أراضيها. وتشير تقارير الصحافة الإسرائيلية المنشورة خلال الفترة من 18 إلى 23 ديسمبر 2025، إلى أن مناقشات جرت - رغم نفيها رسمياً- حول إنشاء إطار لقوة ثلاثية سريعة الاستجابة، وهو تطور لم يكن مطروحًا بهذا الوضوح قبل سنوات.

الدافع المشترك لهذا المسار، كما تصفه الصحافة الإسرائيلية، هو القلق المتزايد من التحركات التركية في شرق المتوسط، وسوريا، وليبيا. بالنسبة لأثينا، يكمن التهديد في احتمالات التصعيد غير المحسوب في بحر إيجه، وبالنسبة لنيقوسيا في واقع الجزيرة المقسّمة، والوجود العسكري التركي الكثيف شمالها. أما إسرائيل، فترى في تنامي النفوذ التركي عنصراً قد يقيّد حريتها العملياتية مستقبلًا. هذه المخاوف المتداخلة هي ما يمنح هذا المحور تماسكه، حتى مع اختلاف الحسابات الوطنية لكل طرف.

لكن ما يهمنا من زاوية الأمن القومي العربي يتجاوز البعد التركي؛ فتعميق هذا التحالف الأمني يعني، عملياً، إدماج إسرائيل في منظومة أمنية متوسطية أوروبية، بما يمنحها شرعية أوسع كشريك أمنى "مستقر" في نظر الاتحاد الأوروبي. هذا التطور يحمل انعكاسات مباشرة على الأمن القومي العربي، خاصة للدول العربية المطلة على المتوسط، ذلك أن إسرائيل، عبر هذا المحور، لا تتحرك فقط كفاعل شرق أوسطي، بل كلاعب متوسطّي يمتد تأثيره إلى قضايا الملاحة، وأمن الطاقة، وترتيبات ما بعد النزاعات في ليبيا وغزة، وحتى معادلات الردع في شرق المتوسط.

من منظور عربى أيضاً، يثير هذا التقارب ثلاثة تحديات رئيسية. أولها أن إعادة رسم التوازنات الأمنية شمال المتوسط قد تتم دون مشاركة عربية فاعلة، ما يضعف القدرة على التأثير في أي نظام أمنى إقليمي قيد التشكل. ثانيها أن تعزيز الدور الأمني الإسرائيلي في المتوسط يمنح تل أبيب أوراق ضغط إضافية في ملفات عربية حساسة، سواء الفلسطينية أو المرتبطة بأمن الغاز والممرات البحرية. أما التحدي الثالث، فيكمن في أن هذا المحور قد يتحول، بمرور الوقت، إلى نواة لترتيبات أمنية أوسع، تفرض وقائع جديدة على المجال الاستراتيجي العربي من بوابة المتوسط.

في الخلاصة، يكشف اجتماع تل أبيب، كما قرأته الصحافة الإسرائيلية نفسها، عن انتقال تقارب إسرائيل مع اليونان وقبرص من مرحلة التعاون المرّن إلى شراكة أمنية أكثر وضوحاً. هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن الأمن القومي العربي، لأن ما يجري في شرق المتوسط لم يعد شأناً أوروبياً أو إسرائيلياً داخلياً، بل جزءاً من إعادة ترتيب أوسع لمعادلات القوة على تخوم العالم العربي. والتحدي أمام الدول العربية ليس في معارضة هذا المسار لفظياً، بل في بناء رؤية متوسطية متكاملة تضمن ألا تُدار ترتيبات الأمن الإقليمي من دون حضور عربي مؤثر.

(الشروق المصرية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن