صحافة

الشرق الأوسط.. وتحولات القوة

ناجي صادق شراب

المشاركة
الشرق الأوسط.. وتحولات القوة

منذ أن ظهر "مصطلح الشرق الأوسط الجديد" سياسياً في كتاب شمعون بيريز والمنطقة تشهد حالة تحوّل مستمرة لارتباطها بتحولات القوة الإقليمية والدولية، فهي من أكثر المناطق في العالم أهمية من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية. وكما يقال من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على النظام الدولي ويتحكم بقراراته.

تاريخياً كانت المنطقة موضع صراع وحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبعد سقوط الأخير سيطرت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة أحادية، واليوم ومع تحولات القوة وصعود الصين وروسيا بدأت تبرز ملامح مرحلة جديدة من الصراع على المنطقة. ولعل من أهم التحولات التي شهدتها المنطقة هي الحرب على غزة التي تجاوزت في تداعياتها حدودها الجغرافية الضيقة، حيث ظهرت فواعل جديدة كالحركات الشبابية والطلابية في دول مهمة كالولايات المتحدة وأوروبا، وتراجع الدور الإسرائيلي وبداية مرحلة الانتقاد لسياسات إسرائيل وحرب الإبادة التي مارستها وما زالت، واستعادة الحديث عن إحياء ملف القضية الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية التي تعتبر أحد أسس السلام في الشرق الوسط.

تبدو أميركا الآن أكثر اهتماماً في قضايا المنطقة وأزماتها كما في سوريا والعراق وإيران ولبنان وسعيها لبناء سلام شامل بين دول المنطقة وإسرائيل. وتبنّي مقاربة تقوم ليس على التخلي عن المنطقة بل إعطاء دور أكبر للقوى الفاعلة وبناء تحالفات استراتيجية مع دولها وتوسيعها لتشمل إسرائيل على أن يكون لها دور محوري في أي تحالف إقليمي جديد.

وكما جاء في وثيقة الأمن القومي الأميركية الجديدة أن الشرق الأوسط ظل على مدار نصف قرن في مقدمة أولويات الولايات المتحدة لأهميتها كمصدر للطاقة ومسرحاً للحرب الباردة. هناك توافق ملموس على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ووفقاً للوثيقة سيتحول الشرق الأوسط إلى منطقة جذب للاستثمار وأن شركاء الشرق الأوسط يبدون التزاماً أكبر ضد التطرف. كما حددت الوثيقة مجموعة من المصالح أهمها: عدم وقوع إمدادات النفط في يد الخصوم، حماية حرية الملاحة في المنطقة، ضمان أمن إسرائيل، وعدم تحول المنطقة إلى منصة تهديد، وتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية.

وأهم ما أشارت إليه أن الأيام التي كان فيها الشرق الوسط يهيمن على السياسة الخارجية الأميركية قد ولّت، ليس لأن الشرق الأوسط لم يعد مهماً بل لأنه لم يعد مصدراً للمنغصات أو سبباً محتملاً لكارثة. والفاعل الثاني الذي يرى في المنطقة أهمية استراتيجية هي الصين من خلال بناء شراكات استراتيجية واقتصادية مع دول المنطقة وتقديم نفسها ليس بديلاً عن الولايات المتحدة بقدر أنها قوة عالمية صاعدة وأنه لا غنى عنها في موازنة قوة ومصالح دول المنطقة في مواجهة أحادية القوة الأمريكية.

إن الإشكالية الكبرى في عقدة الشرق الأوسط هي إسرائيل التي تريد شرقاً أوسط جديداً من دون فلسطين كما عبّر عن ذلك نتنياهو في خرائطه التي عرضها من على منبر الأمم المتحدة، وهذا الشرق الأوسط تكون فيه إسرائيل هي الدولة الأحادية، والحيلولة دون وجود أي قوة من قلب المنطقة أو دولة إقليمية تملك سلاحاً نووياً أو سلاحاً يغير موازين القوة لغير صالحها، شرق أوسط تفرض فيه إسرائيل سلامها القائم على القوة والتفوق العسكري وتتحكم بخريطة أمنه من دون أي اعتبار لأمن الدول الأخرى.

وهذه الرؤية الأحادية تتعارض مع مصالح وأمن الدول الأخرى وهي أقرب إلى الخيال السياسي منها لواقع القوة ولتحولاتها، فلم تعد دول المنطقة دولاً تابعة ولا فاقدة للقوة، أضف لذلك أن الدول العربية لديها شراكات استراتيجية شاملة ومتنوعة وتمتد علاقاتها لتغطي كل الخريطة الكونية، والأهم في الفاعل العربي امتلاكه لعناصر القوة الشاملة وخصوصاً القوة الناعمة.

ويبقى السؤال الرئيسي هنا من يملك الحق في إعادة بناء خريطة المنطقة؟ هل هي دول المنطقة؟ أم الدول الإقليمية أم الولايات المتحدة؟ وما هو دور الصين وروسيا وأوروبا؟ هذه هي الأسئلة التي تواجه الدول العربية.

(الخليج الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن