منذ تاريخ الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، طُرحت الكثير من الأسئلة حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، لا سيما على مستوى الأوضاع في البلدان التي تمثل ساحات نفوذ مشترك بين الرياض وطهران. والتي كانت، في السنوات الماضية، قد شهدت العديد من الصراعات.
على المستوى الثنائي السعودي - الإيراني، يظهر الحرص من الجانبين على الذهاب إلى المزيد من التعاون في أكثر من مجال. الأمر الذي تُرجم، في الأيام الماضية، بإعلان قائد القوات البحرية بالجيش الإيراني شهرام ايراني، أنه سيتم قريباً تشكيل تحالف مشترك للبحرية الإيرانية مع دول المنطقة، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق. الأمر الذي يمثل تحولًا كبيرًا على مستوى العلاقات بين الدول المذكورة.
في المقابل، لم يظهر إنعكاس ذلك على الملفات الأخرى، أو يمكن القول إنه لا يزال يواجه الكثير من العقبات. وهو ما يمكن أن يؤثر، في لحظة ما، على المسار العام للاتفاق، نظراً إلى أهمية هذه الملفات بالنسبة إلى البلدين. والتي كانت سببًا رئيسيًا في توتير العلاقات بينهما، تحت عناوين مختلفة، أبرزها، على المستوى السعودي، رفض تدخلات إيران في شؤون البلدان العربية الداخلية.
عادت حركة "أنصار الله" إلى سياسة التهديد باستهداف السعودية
في هذا الإطار، من الممكن الإشارة إلى أنّ الملف اللبناني، يتجه إلى أن يشهد مواجهة شرسة بين حلفاء الرياض وطهران، بسبب الخلافات القائمة حول الاستحقاق الرئاسي. خصوصًا مع توجّه القوى المعارضة للمرشح المدعوم من حلفاء إيران، رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، إلى الاتفاق على مرشح منافس له هو الوزير السابق جهاد أزعور. مع العلم أن هذه القوى تعتبر، باستثناء "التيار الوطني الحر"، من حلفاء السعودية، التي كانت قد أعلنت، في أكثر من مناسبة، أنها تعتبر هذا الملف شأنًا داخليًا لبنانيًا.
بالتزامن، كان قد برز، في الفترة الأخيرة، اعلان وزارة الداخلية السعودية تنفيذ سلسلة من الإعدامات، المرتبطة بالصراعات القائمة، سواء كانت بحق سعوديين من المنطقة الشرقية أو بحق بحرينين. وكان أبرزها، في 29 أيار، تنفيذ حكم الإعدام بحق بحرينيين مدانيين بجرائم إرهابية.
ما ينبغي التوقف عنده، هو ردة الفعل على هذه الإعدامات من قبل حلفاء إيران، سواء كان ذلك من قبل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر بيانات رسمية أو من خلال التغطيات الصحافية. حيث دعا ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير بعد تنفيذ الحكم بحق منهال آل ربح، في 2 أيار، إلى ملاحقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وفي حين أشارت حركة "أنصار الله" اليمنية (الحوثيون) إلى أن إعدام البحرينين "جريمة وحشية تضاف إلى السجل الإجرامي للنظام السعودي"، عمد موقع "العهد" (الموقع الرسمي لـ"حزب الله" اللبناني)، إلى وصفهم، في أكثر من مناسبة، بـ"ضحايا سياسة الإعدام الجائرة".
من المنطقي السؤال عما إذا كان التقارب السعودي الإيراني سيستمر!
بالنسبة إلى الملف الأبرز، أي الملف اليمني، عادت حركة "أنصار الله" إلى سياسة التهديد باستهداف السعودية. حيث أشار نائب رئيس "حكومة الإنقاذ الوطني" المشكلة من "أنصار الله" جلال الرويشان، إلى أنه "لا يوجد أيّ رد سعودي حتى اللحظة لحسم الملف الإنساني بعد مفاوضات رمضان"، مضيفًا: "نأمل أن تدرك السعودية أنه لا يمكن الجمع بين خطط التطوير الاقتصادي وبين غزو بلد مجاور".
إنطلاقاً مما تقدم، يصبح من المنطقي السؤال عما إذا كان التقارب الإيجابي، في المرحلة الراهنة، بين السعودية وإيران، من الممكن أن يستمر في حال لم ينعكس على باقي الملفات، التي يتشارك فيها الجانبان بالنفوذ أو القدرة على التأثير، على اعتبار أن عوامل العودة إلى المرحلة الماضية لا تزال قائمة؟
(خاص "عروبة 22")