قضايا العرب

السوريون في أوروبا: هجرة.. فزواج.. فطلاق!

باريس - مزن مرشد

المشاركة

يمثّل الزواج واحدًا من أكبر هواجس الشباب السوريين المقيمين في أوروبا، وربما عند البعض منهم وصل إلى مرحلة المعضلة، لا سيما عندما يكون الحديث عن الفئة العمرية التي وصلت إلى الدول الأوروبية وهي متجاوزة لسن الثلاثين عامًا، بحيث بات البحث عن زوجة مناسبة من الناحية العمرية في أوروبا أمرًا شبه مستحيل، خصوصًا وأنّ الكثير من الشبان السوريين يميلون إلى الارتباط بفتاة من بنات بلدهم... أو ربما أيضًا من محافظاتهم أو قراهم!.

السوريون في أوروبا: هجرة.. فزواج.. فطلاق!

العام 2015، شهد توافد ملايين السوريين إلى مجموعة من الدول الأوروبية، في مقدّمتها ألمانيا وفرنسا والسويد، وذلك على خلفية الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تشهدها بلدهم منذ عام 2011 وحتى الآن، حيث أعلن مكتب الهجرة الألماني أنّ عدد السوريين المقيمين في البلاد وصل حتى آذار 2021 إلى 800,000 شخص، بين لاجئ ومجنّس.

في قضية الزواج، يقول الشاب أحمد الخالد، المقيم في ألمانيا منذ 8 سنوات، أنه حاول عدّة مرّات منذ وصوله إلى ألمانيا الارتباط والخطبة، إلا أنّ أيًا من محاولاته لم يُكتب لها النجاح.

ويروي أحمد تجربته لـ"عروبة22": "أوّل تجربة لي كانت مع فتاة مقيمة في ألمانيا من أقربائي، ولكن خطبتنا لم تستمر سوى بضعة أشهر، والسبب بحسب ما قالته لي، هو الاختلاف الفكري بيننا، حيث أنني لا أزال أفكّر بالعقلية السورية التي لا تتلاءم مع الوطن الجديد إن صحّ التعبير".

المسألة أحيانًا "كانت أقرب إلى التجارة من كونها مسألة زواج"

أما المحاولة الثانية فكانت "مع فتاة مقيمة في سورية"، لكنّ الخطبة لم تتم أبدًا بسبب ما وصفه بـ"الطمع"، خاصةً وأنّ المهر المطلوب من قبل أهلها كان مرتفعًا جدًا وصل إلى "10 آلاف يورو مقدّم ومثلها مؤخّر، بالإضافة إلى 20 مليون ليرة سورية لباس، إلى جانب الذهب وتكاليف حفل الزواج"، وهي التكاليف التي لم يكن أحمد يقدر على تحمّلها لا سيّما وأنه كان في بداية تكوين حياته الجديدة، على حدّ قوله.

في السياق ذاته، يقول الشاب عبد الله (اسم مستعار بناءً على طلبه) أنه حاول عدّة مرّات الارتباط بفتيات ما يزلن في  سوريا، إلا أنّ كل المحاولات لم تنجح بسبب الخلافات على الأمور المادية وترتيبات الزواج.

ويوضح أنه كان يشعر بأنّ المسألة أحيانًا "كانت أقرب إلى التجارة من كونها مسألة زواج"، بخاصة وأنّ الكثير من العوائل باتت تعتبر الزواج وسيلة لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها في سوريا، بينما الفتاة نفسها شعر بأن قبولها الارتباط به هو "لمجرد تحقيق حلم الخروج من سوريا".

ويضيف عبد الله لـ"عروبة 22": "في بعض الأحيان أفكّر في الارتباط بفتاة من خلفية أوروبية أو حتى تركية، ولكن ما يمنعني هو الاختلاف في التفكير والبيئة والعقلية، وهي أمور أرى أنها كفيلة بانتهاء أيّ تجربة زواج محتملة بالفشل، خصوصًا وأنني اقتربتُ من العقد الخامس من العمر، ما يعني أنني أحكّم عقلي في قضية الزواج أكثر من مشاعري"، معتبرًا أنّ "الأطفال وتربيتهم ستكون أكبر عقبة أمام مثل هذا الزواج، كون الطفل سيكون تائهًا في تحديد هويته الاجتماعية والثقافية، والتي ستتوزع بين هوية الأب وهوية الأم".

"أحلام" التواصل الاجتماعي... و"صدمة" الواقع

بالعودة إلى قضية الارتباط بفتاة مقيمة خارج الاتحاد الأوروبي، ينطلق معمّر في حديثه من تجربته الشخصية، شارحاً لـ"عروبة 22": "عندما وصلتُ إلى المانيا لم أكن متزوجًا ولا مرتبطًا، ولكن نصحني بعض أصحاب الخبرة أن أسجّل نفسي كمتزوّج، لكي أتمكّن لاحقًا من إجراء عملية لمّ شمل حتى وإن لم أكن أعمل وأتلقى المساعدات، وبالفعل قمتُ بذلك، وبعد عدة أشهر وعن طريق والدتي المقيمة في سوريا، ارتبطتُ بفتاة وتمّ الزواج وبدأتُ بإجراءات لمّ الشمل التي طالت بسبب اختلاف اسم زوجتي عن الاسم الذي ذكرته في الأوراق سابقًا، بالإضافة إلى صعوبة الإجراءات بالنسبة للسوريين، لأنجح بعد حوالى العام ونصف العام من لمّ الشمل والاعتقاد بأنني بدأتُ حياتي الزوجية".

ويواصل معمّر: "استمرّ زواجنا لمدة ثلاثة أشهر فقط، لم يكن يمضي أسبوع دون خلافات، في مقدّمتها أنها كانت تنتظر حياةً أفضل من التي تحياها معي، حياة شبيهة بالتي كانت تراها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنها تزوجت حتى تخرج من الحياة البائسة إلى حياة أفضل". مشيرًا إلى أنها "كانت متطلبة جدًا" وكانت تعتقد أنّ أحواله المادية أفضل مما هي عليه، على الرغم من أنه شرح لها كل تفاصيل وضعه قبل الزواج على حدّ تأكيده، لتنتهي تجربته بالطلاق بعد ثلاثة أشهر.

 من جهته، يرى الباحث الاجتماعي زياد الحميدي أنّ ابتعاد الشبّان السوريين عن فكرة الارتباط بفتاة أجنبية ينبع من اختلاف الثقافة، والخشية من انعكاس ذلك على الجيل الجديد، موضحًا أنّ "طبيعة المجتمع السوري تميل إلى ما يمكن تسميته بزواج البيئة الواحدة، وفكرة الزواج المختلط غير مرغوبة حتى داخل سوريا وقبل موجة اللجوء إلى أوروبا".

الحياة في أوروبا بجزء كبير منها تقوم على أساس العمل، وهنا تبدأ "حالة الخيبة"

ويضيف الحميدي لـ"عروبة 22": "العامل الديني لا يُعتبر كافيًا ليتمّ الزواج المختلط الأعراق، خصوصًا مع الاختلاف الكبير بين المجتمع العربي والمجتمع التركي بشكل خاص، وهو ما يمكن أن يشمل أيضًا المجتمعات الأخرى"، لافتًا إلى أنّ "أهم تلك الاختلافات تتمثّل في اللغة وطرق التعبير والمعيشة".

أما عن أسباب القلق من خطوة الزواج، فيشير الحميدي إلى أنّ "ارتفاع معدلات الطلاق داخل المجتمع السوري في أوروبا عمومًا، شكّلت خشيةً لدى الشبان من عدم نجاح تجربة الزواج، لا سيّما وأنّ الكثير من تلك الحالات كانت لأناس تزوّجوا حديثًا عبر لمّ الشمل، مبيّنًا أنّ الكثير من الشباب ينظرون إلى الطلاق على أنه ظاهرة دون التعمّق في أسبابه المحتملة".

إلى جانب ذلك، يلفت الحميدي إلى أنه "في كثير من الأوقات تُصاب بعض الفتيات القادمات من خارج الاتحاد الأوروبي بصدمة الواقع المختلف عمّا تراه في مواقع التواصل الاجتماعي، فترى عند وصولها صعوبة الحياة ضمن المجتمع الأوروبي وقلّة الاختلاط الاجتماعي، وأنّ الحياة في أوروبا بجزء كبير منها تقوم على أساس العمل، وهنا تبدأ حالة الخيبة التي تتحوّل فيما بعد إلى ما يُمكن تسميته برفض الاستمرار بالزواج"، مشددًا على أنّ مكمن الخلل هو في افتقار الكثير من الأشخاص الذين يعيشون خارج الاتحاد الأوروبي للمعرفة الكاملة بطبيعة الحياة في الدول الأوروبية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن