يوحي العنوان بأن حديثنا سينصب على التحديات التي يواجهها الشباب في العالم العربي، لكن العنوان العميق هو التحديات التي سيواجهها العالم العربي في ظل غياب الاستراتيجيات الجادة الخاصة بالشباب، وتراجع فرص العمل وتضخّم البطالة، وفي ظل التناحر الداخلي بين الأحزاب والتنظيمات، للسيطرة على الحكم، وأيضاً مع تنامي حالة عدم الاستقرار التي بلغت ذروتها بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية لتغيير الأنظمة في عام 2010 وحتى اليوم، مع عامل الأوبئة التي ضربت المجتمعات؛ وأهمها فيروس «كورونا»، الذي عطّل الحياة في أكثر من دولة، وأوقف إنتاجيتها، إلى جانب أسباب أخرى.
يبلغ عدد سكان العالم العربي 370 مليون نسمة، وتشكل فئة الشباب نحو 70%، أي هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً. وحسب تقرير «منظمة الأسكوا» الدولية، تضرب البطالة أكثر من 20 مليون شخص، وبطالة الشباب وحدهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سجلت الأعلى نسبة في العالم على مدى 25 عاماً، فبلغت 30% في عام 2021، أما الأمية فتتفشى بين نحو 100 مليون عربي؛ وهي أرقام مرعبة إذا ما قيست بأثرها السلبي في عجلة التنمية النوعية على المجتمع.
إن وجود 20 مليون شخص بلا عمل، وفي الوقت ذاته، قد يكون بينهم من هو أُمي وجاهل، يجعلنا نعتقد بوجود قنبلة موقوتة، تهدد الأمن المجتمعي، فهؤلاء، بسذاجتهم أو براءتهم وحاجاتهم، سيكونون أرضاً خصبة للاستقطاب من قبل المنظمات المتشددة أو الحركات الإرهابية، أو عصابات الاتجار بالمخدرات والبشر، خاصة أنهم غير محصّنين فكرياً ولا علمياً، ويقعون بسهولة تحت تأثير الأفكار الهدامة، ويساعدهم في ذلك حاجتهم الماسة إلى المال والعمل وبناء أسرة، خاصة أن نسبة لا بأس بها منهم يعيشون في مخيمات نزوح، أو ربما كانوا نازحين داخلياً.
وتقول الإحصاءات إن 47% من نازحي الداخل في العالم هم في الدول العربية، و57% من اللاجئين في العالم هم في الوطن العربي، والنازح واللاجئ لا يملك أمره، ويتعرض دائماً للاستقطاب من المافيات والتنظيمات والأحزاب وتجار المخدرات والبشر. وهذه الإحصاءات لا تشكل تحدياً للشباب بقدر ما تشكله للدول، لأنهم يشكلون عالة عليها وعلى أسرهم ومجتمعهم، وهم يستهلكون لكل شيء، وغير منتجين لأي شيء، آخذين بعين الاعتبار تفشّي الأمية والجهل، الأمية الأبجدية والتكنولوجية وبالتالي الثقافية والسلوكية.
نحن لم نعد نقرأ عن برامج للشباب، وأستثني هنا دول مجلس التعاون الخليجي، التي سعت حكوماتها منذ سنوات طويلة إلى وضع برامج واستراتيجيات للشباب، في مجالات التعليم والعمل والابتكار، وما عدا المجلس، نجد أن حلم الشاب هو السفر والهجرة إلى الخارج، وهناك يضحّي بكل شيء مقابل الإقامة، والحصول على عمل ومردود مادي، ما يعني أنه فقد الأمل في تحقيق حياة كريمة في بلاده، وقد يفقد هويته، لأن مثله الأعلى، أي النموذج، لم يجده في وطنه؛ بل عثر عليه في مكان اللجوء.
إن مسؤولية خلق 80 مليون فرصة عمل، للقضاء على البطالة في العالم العربي منوطة بالحكومات، التي يجب عليها وضع تحديات الشباب على سلّم أولوياتها؛ فالشباب هو تحديات العالم العربي، أما التحديات التي يواجهها الشباب فقد تكون مختلفة، لكننا نذكر أهمها وهي غياب الاهتمام الرسمي بهم، ولأول مرة، على الصعيد النظري، تصبح الدول عائقاً أمام تقدّم الشباب، وهو ما يخلق نفوراً وطنياً واجتماعياً لا يمكن إصلاحه إلا بالبرامج المضادة.
على العالم العربي أن يضاعف الموازنات المخصصة للنهوض بالشباب والوفاء باحتياجاته، ويمكن استقطاعها من موازنات السلاح الذي لا يستخدم إلا للحروب الداخلية، فقد بلغت النفقات العسكرية للمنطقة العربية بين عامي 1988 و2014 ما يقرب من ألفي مليار دولار أمريكي، من دون تقدم يذكر على صعيد القضايا الوطنية أو حتى البنى التحتية.
الشباب هم مستقبل هذه الأمة، وهذا ليس كلاماً إنشائياً على الإطلاق؛ هم المحرك الرئيسي لأي تنمية حقيقية، وتفريغ مجتمعات كثيرة منهم، يهدّد دولهم ولا يهددهم. المجتمعات الأخرى تستقطب الشباب ونحن نوفّر لهم البيئة الطاردة، بقصد أو غير قصد، والأمثلة كثيرة.
("الخليج") الإماراتية