صحافة

إعادة هيكلة العلاقات الإماراتية-الأمريكية

صلاح الغول

المشاركة
إعادة هيكلة العلاقات الإماراتية-الأمريكية

برغم تناقص مستوى الاهتمام الأمريكي بمنطقة الخليج، والشرق الأوسط كله، وتراجع طبيعة الحماية الأمريكية في الخليج. وبرغم سعي دولة الإمارات إلى تنويع شركائها الدوليين، وترسيخ الاستقلال الاستراتيجي لسياستها الخارجية، تأتي الولايات المتحدة في صدارة الدول التي تستهدف أبوظبي تعزيز الشراكة الاستراتيجية معها، وهي شراكة ممتدة ومتنوعة، تمتد إلى المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، وتاريخية تعود إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1972.

ففي المجال الاقتصادي، تعد الشراكة الاقتصادية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة من أسرع الشراكات الأمريكية نمواً على مستوى العالم، وأهمها بالنسبة لأبوظبي، إضافة إلى كون الإمارات أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي مستثمر مهم في الاقتصاد الأمريكي.

في المجال السياسي، تطورت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى التعاون الاستراتيجي. وفي المجال الدفاعي، تبقى الولايات المتحدة «الشريك الأمني الرئيسي للإمارات»، كما أكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال لقائه الثنائي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ضمن أعمال قمة جدة للأمن والتنمية (يوليو 2022).

فمن ناحية، تُعد الولايات المتحدة من أهم موردي السلاح لدولة الإمارات، التي شاركت في 6 ائتلافات دفاعية أمريكية طوال ال 30 عاماً الماضية، وتسهم في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، وتستضيف مركزاً مشتركاً للحرب الجوية، وتدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية.

وقد تعرضت العلاقات الإماراتية-الأمريكية في السنوات الأخيرة لعدة تحديات، ولاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015، ثم رد الفعل الأمريكي تجاه الهجمات الإرهابية الحوثية على منشآت ومناطق مدنية إماراتية في يناير 2022، والموقف الإماراتي غير المنحاز تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية، منذ فبراير 2022، بل وتنامي الشراكة بين الإمارات وكلٍ من روسيا والصين.

وقد حاول الرئيس جو بايدن، أثناء زيارته للمنطقة في يوليو 2022، إعادة هذه العلاقات إلى مسارها، وتوسيع أطر وآفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وكان دور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، محورياً للغاية في هذا الخصوص. وقد اتضح دور سموه أكثر ما اتضح في توقيع شراكة استراتيجية بين البلدين في مجال الطاقة النظيفة، بقيمة 100 مليار دولار تمتد إلى عام 2035، وفي قمة مجموعة العشرين 2023 بنيودلهي، عندما شكر الرئيس بايدن سموه على مبادرة إنشاء ممر اقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

وبرغم محاولات معالجة الاهتزازات في العلاقات الإماراتية و(الخليجية)-الأمريكية، أبانت الممارسة -ولاسيما الحرب الروسية الأوكرانية وإرهاصات الحرب الباردة الجديدة- أن هذه العلاقات في حاجة إلى إعادة هيكلة، إذا أراد الطرفان الاستمرار في شراكتهما الاستراتيجية. وقد حدد د. أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، أهم معالم إعادة الهيكلة تلك في مقابلته مع موقع «المونيتور»، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 20 سبتمبر الجاري.

فأولاً: تريد دولة الإمارات أن تكون الاتفاقية الدفاعية الجديدة مع الولايات المتحدة «واضحة وصارمة»، و«من المهم الانتقال من الأمور غير الرسمية إلى الأمور الرسمية».

ثانياً: لا تريد الإمارات رهن شراكتها الأمنية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بمتغيراتٍ سياسية تتعلق بتغير الإدارة الأمريكية، مثل ما حدث بشأن صفقة طائرات «إف-35»، التي لا تزال الإمارات مهتمة بالحصول عليها.

ثالثاً: أن تتفهم الولايات المتحدة أن علاقات أبوظبي المتنامية مع الصين ودول أخرى لن تحل محل اعتمادها على واشنطن في العلاقات الأمنية، وليس للإمارات أية مصلحة في الانخراط في أية استراتيجية أمريكية للمواجهة العالمية مع روسيا والصين؛ لأن سياستها الخارجية تقوم على أساس تنويع الشركاء، وتجنب أن تكون طرفاً في الصراع بين القوى الكبرى.

رابعاً: يجدر بالولايات المتحدة إدراك أن الاتجاه نحو التعددية القطبية يزداد زخمه، وسوف يتبلور على المدى الطويل.

علاوة على ذلك، يجب تغيير النظرة الأمريكية لدول الخليج من توابع إلى شركاء، يفترض إشراكهم في أية تسوية لصراعات المنطقة، ولاسيما الملف النووي الإيراني. كما يجب احترام رغبة الإمارات ودول الخليج في عدم تسييس مصالحهم الاقتصادية في قطاع الطاقة، كي تخدم المساعي الأمريكية والغربية، لمواجهة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية.

ويبدو أن العقد الجديد المأمول لعلاقات الولايات المتحدة بدول المنطقة لن يكون ثنائياً هذه المرة؛ فثمة تنسيق إماراتي- سعودي على أعلى مستوى في التفاوض على اتفاق جديد لهذه العلاقات، وخصوصاً في المجال الأمني.

("الخليج") الإماراتية

يتم التصفح الآن