وجهات نظر

لماذا "عروبة 22"؟

فؤاد السنيورة

المشاركة

التغيّرات والتحوّلات كثيرة وصاعقة. لكنّ الثوابت تبقى ثوابت، وإنما تتعدَّل أو تتغيَّر أساليب وطرائق، وربما مناهج تطبيقها.

لماذا

منذ العام 1967 دأب الخصوم وبعض الأصدقاء على نعْي فكرة العروبة، وإنكار الدور العربي الجامع والمُستنهض للقدرات والإمكانات في مواجهة التحديات التي باتت تواجهها دولنا وشعوبنا العربية. وها هي الوقائع تُثبتُ كل يومٍ أنّه لا مشروع ولا نهوض ولا بقاء للعرب مجتمعاتٍ ودولًا في عالم اليوم والغد من دون العودة الواثقة إلى مفهوم العروبة وفكرتها ومشروعها في استعادة الهوية الوطنية وتعزيز الهوية القومية العربية المشتركة والمنفتحة القائمة على تعزيز المصالح المشتركة، وتقوية عناصر التكامل بين الدول والشعوب العربية.

الفكرة والمشروع، أو الفكرة لكي تتحول إلى مشروع قابل للتحقيق، لا بد لها من حامل أو حاملين. والحاملون أو الداعمون والمتبنون يكونون أفرادًا ويكونون جماعاتٍ وأحزابًا ويكونون نُخَبًا وفئات، ولكنها جميعًا عليها أن تؤمن إيمانًا عميقًا بالفكرة والمشروع، وتمارس التزامًا عميقًا بالسعي الدؤوب لتوفير مقتضياته وعناصر نجاحه.

لا بقاء للعرب من دون تعزيز الهوية القومية المنفتحة القائمة على تعزيز المصالح المشتركة

لقد أتى على العرب في الأزمنة الحديثة عهدٌ أو عهودٌ كانت فيه الفكرة على عتبة الولوج إلى التقدم على مساراتها الصحيحة، وكان يحملها قادةٌ ومفكرون ورأي عام عربي واسع، ولكنها تعرضت لانتكاسات عديدة وخطيرة أدّت إلى تراجعها وانكفائها.

نحن نرى في وقائع خمسة عقودٍ وأكثر أنّ الرأي العام العربي الواسع ما يزال حاضرًا ومتوهجًا لهذه الفكرة ولهذا المشروع بالرغم من أنَّه تخلَّتْ عنه بعض النُخَب وجرى تجاهُلُهُ أو إنكاره في كثير من السياسات وكذلك في العمل الثقافي والسياسي والاقتصادي. ولقد كانت آثار التجاهل والإنكار شديدة الهول على العرب رأيًا عامًا ودولًا ومجتمعات وشعوبًا، بحيث صار متعذرًا عليهم جميعًا مواجهة تلك التحديات المتعاظمة التي أصبحت تمليها المتغيّرات والتحوّلات الجارية على المستويات القُطْرية والإقليمية والدولية كافةً، من دون العودة إلى إعمال العقل والتقدّم على مسارات الاقتناع بأولوية المصالح العربية المشتركة من أجل النجاح في تخطي تلك العقبات التي باتت تحول دون تحقيق ما يصبو إليه الإنسان العربي من نهوض وطني وسياسي واقتصادي ومعيشي وعلمي ومواكبةٍ واثقةٍ لحركة العصر والعالم.

"عروبة 22" هدفها الإسهام في تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية المُستدامة

لذلك، بادرت مجموعة من أهل الاقتناع العربي لتأليف مجلس الأمناء الأول لـ"عروبة 22"، يدفعها الإدراك والأمل العميق والعصري لحاجة دولنا العربية للنهوض ولحاجة الأمة العربية للتضامن بين جميع مكوناتها. ومشروعها هو تأسيس موقع "عروبة 22"، كمنصة إعلامية رقمية. وهدفها من ذلك الإسهام في التصدي للهموم العربية الراهنة والداهمة بالنسبة للإنسان العربي وللشعوب العربية وأيضًا على مستوى المنطقة العربية ككل، وليكون هذا الموقع أحد الرموز الجامعة والمشتركة بين اثنتين وعشرين دولة عربية، والتي تضمّها جامعة الدول العربية، التي عقدت مؤتمرها الثاني والثلاثين على مستوى القمة في مدينة جدّة بالمملكة العربية السعودية.

"عروبة 22" موقع حُرٌّ ومفتوحٌ على أهل الفكرة العربية الجامعة والثابتة

الموقع حُرٌّ ورحبٌ ومفتوحٌ على أهل الفكرة العربية الجامعة والثابتة وللمؤمنين بها. والأمل كبير من خلال الدأَب والنشاط ورحابة الطموح والأفق والمثابرة في أن تجتمع من حول هذا المشروع والمشاريع النهضوية المماثلة نُخَبٌ ثقافيةٌ وسياسيةٌ عريقة وجديدة ورأي عام عربي واسع من أجل الإسهام في محاكاة حركة العقل العربي وتحفيزه على العبور الوجودي من مستنقع التشرذم والهوان والشقاء نحو أرضية نهضوية تتطلع في أولوياتها إلى إعلاء شأن الإنسان العربي، والإسهام في تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية المُستدامة وذلك بالتأسيس على وحدة الثقافة والمصالح العربية المشتركة وتوصلًا لإعادة استنهاض العروبة بمفهومها الحداثي المعاصر.

العروبة كما عرَّفها مؤتمر القمة العربية المنعقد في الرياض تحت تسمية "إعلان الرياض" (2007) لتحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الإنتماء إليها في قلوب الأطفال والناشئة والشباب وعقولهم بإعتبار العروبة "ليست مفهومًا عرقيًا عنصريًا بل هي هوية ثقافية موحدة تلعب اللغة العربية دور المعبر عنها والحافظ لتراثها، وإطار حضاري مشترك قائم على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، يثريه التنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى، ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة دون الذوبان أو التفتت أو فقدان التمايز". وهذا الأمر هو ما أكد عليه بيان القمة العربية الأخير المنعقد في جدة في البند المتعلق بالمحافظة على الهوية العربية وإحياء مفهوم العروبة.

هذا الجهد المرتقب لهذا الموقع سيكون استنادًا إلى مبادرات ودراسات فكرية وبحثية ومقالات تستهدف رفع مستوى الوعي في مقاربة الثقافة السياسية، وتجسيدًا لمفهوم الانتماء، وتعزيزًا للقيم والممارسات المسؤولة، وتفعيلًا لمفهوم الدولة وسيادتها ولسلطتها الواحدة والحصرية ولحكم القانون والنظام، وصونًا للحريات واحترامًا لحقوق الانسان. 

فؤاد السنيورة رئيس مجلس الأمناء - "عروبة 22"

يتم التصفح الآن