كان الإحتيال الأكبر الادعاء أنّ فلسطين "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن".
والاحتيال الثاني كان ادعاء أنّ إسرائيل قبلت مشروع التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، في حين رفضه الفلسطينيون، مع أنّ المؤرّخ الإسرائيلي المعروف والباحث في جامعة أكسفورد آفي شلايم أثبت زيف هذا الأمر، وعدم وجود أي وثيقة تثبت قبول إسرائيل والحركة الصهيونية مشروع التقسيم.
والاحتيال الثالث، كان إيهام العالم بقبول إسرائيل لقرار الجمعية العمومية رقم 194 الذي نصّ على عودة اللاجئين إلى ديارهم، شرطًا لاعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل.
الاحتيال الرابع ادعاء إسرائيل أنها انتصرت بجيشها الوحيد على خمسة جيوش عربية عام 1948، في إيحاء بأنّ انتصارها كان تكرارًا لأسطورة داود الصغير الذي انتصر على جُليات العملاق، مع أنّ الوقائع تثبت أنّ مجموع الجيوش التي حاربت إسرائيل مع المقاتلين الفلسطينيين لم يتجاوز 11 ألفًا في بداية الحرب مقابل 60 ألف جندي إسرائيلي، وفي ذروة المعارك لم يتجاوز عدد المقاتلين العرب 22 ألفًا مقابل 121 ألف جندي إسرائيلي.
الاحتيال الخامس، ادعاء إسرائيل أنها من تعرّض للعدوان عام 1967 لتبرير هجومها على ثلاث دول عربية واحتلال أراضيها بما في ذلك ما تبقى من فلسطين.
عقيدة التنسيق الأمني افترضت "أنّ على من هُم تحت الاحتلال توفير الأمن للجيش والدولة التي تحتلّهم"
غير أنّ الاحتيال الأكبر على العالم بأسره، كان ادعاء أنّ إسرائيل هي الضحية المعتدى عليها، رغم أنها من بدأ ما لا يقل عن 15 حربًا على الفلسطينيين وجيرانهم من الدول العربية، وفي السياق ذاته الادعاء بأنها ضحية، وهي تمارس الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، ونظام الأبرتهايد العنصري الأسوأ في تاريخ البشرية.
ترافقت عمليات الاحتيال التاريخية، مع احتيالات إستراتيجية كثيرة في إدارة القمع ضد الفلسطينيين، وأبرزها كان اتفاق أوسلو، الذي قُدّم للعالم كاتفاق سلام مع أنه لم يكن سوى وسيلة لامتصاص نتائج الانتفاضة الفلسطينية، وغطاء، تنكّرت له الحكومات الإسرائيلية، لتكريس استمرار الاحتلال، ولكسب الوقت بهدف استكمال ضمّ وتهويد الضفة الغربية.
ويقودنا ذلك كلّه إلى ما تمارسه إسرائيل اليوم من احتيال بادعاء وجود سلطة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية، ويجب أن تتحمّل مسؤولية الأمن فيها، والسيطرة على المقاومة ضد الاحتلال، واعتقال المقاومين، ويكرّر داعمو إسرائيل هذه المقولات، مصوّرين الوضع المتفجّر على أنه خلاف أو نزاع بين طرفين متكافئين في المسؤولية والقدرات. وخطورة هذا النهج أنه يلقي بالمسؤولية عن ما يقوم به جيش الاحتلال من قتل للفلسطينيين، وتفجير للوضع، على عاتق الفلسطينيين أنفسهم.
الإسرائيليون ليسوا أغبياء ليعتقدوا أنّ ما فشل جيشهم في تحقيقه بسبب بسالة المقاومين الفلسطينيين، وعمق الإحساس الشعبي بظلم الاحتلال وقمعه، يمكن لأجهزة السلطة أن تحقّقه مع كل نقاط ضعفها، لكن هدفهم الحقيقي هو إثارة الخلافات والصراعات بين الفلسطينيين، على أمل أن يجرّهم ذلك إلى اقتتال داخلي يضعفهم جميعًا، ويسهل لجيش الاحتلال السيطرة عليهم.
والمدخل الذي يواصل الاحتلال الاستثمار فيه، هو ما سمّي بـ"التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال" وهو مفهوم يخلط الاسرائيليون عمدًا بينه وبين التنسيق المدني لاحتياجات السكان المحكومين بالاحتلال.
إفشال خديعة الاحتلال يتطلّب إنهاء الانقسام وبناء وحدة فلسطينية على أساس استراتيجية وطنية كفاحية
عقيدة التنسيق الأمني كانت خاطئة من أساسها عندما وُقّع اتفاق أوسلو، لأنها افترضت "أنّ على من هُم تحت الاحتلال توفير الأمن للجيش والدولة التي تحتلّهم، دون أن يكونوا قادرين على حماية شعبهم وأنفسهم من الاحتلال نفسه".
إفشال خديعة الاحتلال يتطلّب تنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإلغاء العقيدة المذكورة والتنسيق الأمني، والعمل على إنهاء الانقسام وبناء وحدة وطنية بين مكوّنات الشعب الفلسطيني على أساس استراتيجية وطنية كفاحية لمقاومة الاحتلال، بالاستناد إلى الوعي الجمعي، بأنّ الاحتلال لا يستهدف المقاومين الفلسطينيين فقط، بل كلّ من هو فلسطيني أيًا كان مكانه ومهما كان موقعه.
(خاص "عروبة 22")