بالنسبة لمنظمة العمل الدولية، تُعتبر بطالة الشباب السبب الأساسي للتمرّدات السياسية، والكثير من الدراسات ربطت بين بطالة الشباب والتطرّف والراديكالية. وفي المقابل يُنظر إلى عملية خلق الوظائف لصالح الشباب كعامل أساسي للاستقرار السياسي.
لكن هناك دراسة جديدة صدرت في 2022 من جامعة في فنلندا تناولت أحداث "الربيع العربي" وأسبابه، ونظرت في مواصفات الشباب الذي شارك في "الربيع العربي" فوجدت أنّ البطالين عمومًا هم أشخاص غير سعداء ولكنهم أشخاص غير مهتمين بالسياسة، وبالتالي ضعف اهتمامهم بالسياسة لم يؤدّ بهم إلى الخروج للشارع وقيادة التظاهرات في "الربيع العربي".
المعدّل العالمي لبطالة الشباب هو 15%، بينما نسبة بطالة الشباب في العالم العربي هي 25.7%
يمتاز "العالم العربي" إذن بنسبة عالية من الشباب حيث يشكّلون نصف السكان في المغرب العربي، حيث نصف سكان هذه المنطقة لا تتجاوز أعمارهم 24 سنة. وعمومًا، يمتاز الشباب العربي أنه شباب متعلّم ومن سكان المدن ومرتبط بالعالم عبر شبكة الإنترنت، لكنه في المقابل شباب يُعاني من البطالة وخاصة فئة النساء الشابات في البلدان العربية المتوسطة والضعيفة الدخل.
وحتى نأخذ فكرة دقيقة عن حجم بطالة الشباب في العالم العربي مقارنةً بباقي مناطق العالم علينا أن نعرف أنّ المعدّل العالمي لبطالة الشباب في العالم عمومًا هو 15 بالمئة، بينما نسبة بطالة الشباب في العالم العربي هي 25.7 بالمئة كما جاء في تقرير منظمة العمل الدولية لسنة 2023 عن بطالة الشباب في العالم العربي، أي إنّ المعدل العربي للشباب البطال هو أعلى بـ10 نقاط عن المعدل الدولي وهذا أمر من شأنه أن يثير ناقوس الطوارئ لدى الجهات الحكومية المعنية بقطاع الشباب.
وإذا أردنا تفاصيل عن توزيع نسب بطالة الشباب العربي جغرافيًا، سنجد أنّ هناك فروقًا بين البلدان الغنية الخليجية والبلدان المتوسطة في شمال أفريقيا. فبلد مثل ليبيا رغم أنه غني بالنفط إلا أنّ معدل البطالة بلغ فيه 49,5% أما تونس (35,8%) والجزائر (29.6%) ومصر (26,5%) فهي بنسب أقلّ، بينما حصل المغرب على أفضل معدل في شمال أفريقيا (22.5%) لكن هذا المعدل يبقى بعيدًا عن المعدل الدولي (15%).
معدل البطالة لدى النساء في العالم 14.4% بينما معدل البطالة لدى الشابات العربيات 42.5%
وإذا نظرنا إلى موضوع بطالة الشباب من زاوية جندرية، فسنجد أنّ هناك فجوة جندرية سحيقة بين الشاب الذكور والشابات الإناث. فالبنات هنّ أكثر عرضة للبطالة من الذكور، والأرقام هنا مخيفة، فنسبة بطالة البنات هي 42.5% بينما النسبة لدى الذكور هي 21.5%. وإذا أردنا أن نعرف مدى سوء وضعية البنات أمام البطالة، علينا أن نقارب البنات في العالم العربي مع سائر البنات في العالم حيث تكشف البيانات أنّ معدل البطالة لدى النساء الشابات في العالم هو 14,4% بينما بلغ معدل البطالة لدى الشابات العربيات نسبة 42.5%، وهو بون شاسع بين الشابات العربيات وباقي الشابات في العالم.
لم تعد منظمة العمل الدولية تركّز فقط على نسبة البطالين في البلدان ولكنها كذلك بلورت مؤشرًا لقياس مدى استخدام البلدان لقدرات العمالة، وهو مؤشر يأخذ بعين الاعتبار مؤشر البطالة ويضيف إليه مؤشر قوة العمل الكامنة حتى يتم قياس مستوى استخدام قوة العمل.
نسبة "عدم استغلال قوة العمل" لدى الشباب العربي 40.4% ولدى الشابات العربيات 65.6%
الأرقام مخيفة جدًا في العالم العربي. فمستويات ضعف استخدام قوة العمالة في منطقتنا عالية مقارنة بباقي بلدان العالم. فإذا كان المعدل العالمي لسوء استخدام قوة العمل لدى الشباب في العالم هي 23.3%، فإنّ نسبة عدم استغلال قوة العمل لدى الشباب العربي بلغت 40.4%، والنسبة الأخطر والأكثر درامية هي نسبة سوء استخدام قوة العمل لدى الشابات العربيات التي بلغت 65.6%. هذا يعني أنّ الشابات العربيات تبقى قدراتهن في سوق العمل غير مستغَلّة بنسبة عالية جدًا مقارنة بالذكور ومقارنة بباقي الشابات والشبان في العالم.
كما أنّ هناك مؤشرًا آخر طوّرته منظمة العمل الدولية يعطي فكرة عن نسبة الشباب الذين هم خارج التربية وخارج التدريب وخارج العمل، والمعدل العالمي للشباب الذين هم خارج المدرسة وخارج التدريب وخارج سوق العمل هو 23.3% بينما المعدل في العالم العربي هو مرتفع بأكثر من 10 نقاط مقارنة بالمعدل العالمي حيث وصل المعدل إلى 35.6% في العالم العربي، ويرتفع هذا المؤشر لدى الشابات العربيات بشكل كبير ليصل إلى 51,4%، وهو لدى الذكور في المنطقة 21%.
تبيّن معطيات المنظمة الدولية للعمل في تقريرها الأخير لسنة 2023 وجود فروق شاسعة بين الشباب العربي وشباب باقي بلدان العالم. فالشباب العربي يُعاني مستويات عالية من البطالة ومن سوء استخدام قدراته ومن هدر وقته خارج التعليم والتدريب والعمل، ولكن الشابات العربيات لديهن أسوأ المعدلات مقارنة بالذكور ومقارنة بالإناث في باقي بلدان العالم.
هذه المعدلات العربية المرتفعة مقارنة بالمعدلات الدولية، تبقى أرقامًا مخيفةً ومقلقةً وهي تتسبّب في مستويات عالية من الإحباط وعدم المشاركة المجتمعية والسياسية، وبالتالي حرمان البلدان العربية من قدرات بشرية هائلة سواء لسوق العمل أم للمشاركة الديمقراطية، فحري بالجهات الحكومية والمجتمع المدني في العالم العربي أن يتحرّكوا سريعًا لوقف هذا الإهدار العربي للموارد البشرية.
(خاص "عروبة 22")