قضايا العرب

"يسعد ربها فلسطين".. جنين عصيّة على الاحتلال!

أمران لافتان برزا في انطلاقة العدوان الإسرائيلي على جنين، أثبتا أنّها لا تزال عصيّة على الإحتلال، رغم قوته وبطشه، الأول هو اضطرار المحتلّ إلى إستخدام مقاتلات من نوع "أباتشي" لأول مرّة منذ 20 سنة، كدليل على الارتباك الّذي ألحقه مقاومو جنين بجنوده الميدانيين، والثاني، ما قاله عدد من الجنود الإسرائيليين أنفسهم تهليلًا بانكسار العدو أمام صمود جنين وأهلها.

"الله وجنين" و"يسعد ربها فلسطين"... بهذه العبارة التي تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي موثّقة بمقطع فيديو، توجّه جنود إسرائيليون بالسُباب والشتائم إلى إسرائيل، معربين بفرح عن تأييدهم لمقاومة الفلسطينيين في جنين في مواجهة القوات الإسرائيلية، الأمر الذي أثار تفاعلًا وبلبلة في صفوف الجيش الإسرائيلي، دفعت قيادته إلى فتح تحقيق في القضية بغية "لملمة" ذيول الفضيحة المدوّية التي هزّت معنويات عناصر الاحتلال. 


وعلّق المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي على الموضوع في تغريدة، قال فيها: "في أعقاب التصريحات غير الملائمة والمرفوضة لجنود من جيش الدفاع في فيديو نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تم توقيف الجنود ليلة أمس (الثلاثاء) وفتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية، على أن يتم عرض نتائجه على النيابة العسكرية لفحصها".

إشتباكات مستمرة

وكانت قوات الاحتلال قد اقتحمت بدايةً مدينة جنين ومخيمها صباح الإثنين 19 حزيران/يونيو، فاندلعت اشتباكات عنيفة مع المقاومين الفلسطينيين استخدم خلالها جنود الإحتلال الأسلحة الرشاشة والثقيلة والغاز السام وقنابل الصوت، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، بلغ عددهم على امتداد أيام العدوان سبعة شهداء و91 إصابة بجروح بينها 23 حالة خطرة، وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية، فيما أصيب في المقابل سبعة جنود إسرائيليين، جراء إنفجار عبوة في كمين محكم في جنين، بحسب الإعلام الإسرائيلي.

وأظهر مقطع مصور متداول على مواقع التواصل الاجتماعي وقوع انفجار استهدف عربة مدرّعة وسط دوي طلقات نارية في المكان.  


وفي تطور لافت، قصفت طائرات مروحية إسرائيلية، مواقع عدّة في مدينة جنين، في عدوان هو الأول من نوعه في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2002.


الإشتباكات تتمدّد

وردًا على العدوان الأول الذي استهدف جنين منتصف حزيران/يونيو، نفذ شابان فلسطينيان، إستشهدا لاحقًا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، عملية إطلاق نار نُفذت قرب مستوطنة "عيلي" الواقعة بين مدينتي نابلس ورام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة أربعة آخرين.

وتبنّت حركة "حماس"، في بيان رسمي، هذه العملية، وأعلنت أنّ الشهيدين أسيران سابقان لدى العدو، وبأن العملية أتت رداً على "مجزرة جنين" التي ارتكبها العدو بحق المدينة ومحيطها.

إلى ذلك، لم يسلم الفلسطينيون من اعتداءات المستوطنين والحرق والتكسير، في قرى وبلدات فلسطينية عديدة، الممتدة من جنوب نابلس على طول الطريق الواصل بين رام الله ونابلس.

كما اقتحمت قوات الاحتلال قرية عوريف، جنوب نابلس، وعملت على تحديد موقع منزلي عائلتي الشهيدين منفذي عملية مستوطنة "عيلي" مهند شحادة وخالد صباح، تمهيدًا لهدمهما، واعتقلت ثلاثة فلسطينيين من القرية.

 ... والعدوان يتجدد

وغداة قهر جنين الآلة العسكرية للمحتل في جولة اعتدائه الأولى على المدينة ومخيّمها، جددت القوات الإسرائيلة عدوانها بأعلى درجات الهمجية والانتقام كرد فعل على "الصمود الجنيني". فرغم مرور أيام على الإشتباكات الأولى، أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح الإثنين في 3 تموز/يوليو، الحرب مجددًا على مخيم جنين، فشنّ عملية إجتياح، براً وجواً، هي الأكبر من نوعها منذ عام 2002.

وقال المتحدث باسم جيش الإحتلال الإسرائيلي أن ما يجري اليوم هو "عملية إجتياح للمخيم وليس إعادة إحتلال". واجتاح نحو 3 آلاف جندي إسرائيلي جنين بعشرات الآليات والمدرّعات العسكرية الإسرائيلية واكبتها طائرات مسيّرة، وجرّافات، في ساعات فجر الاثنين الأولى. وبدأ الإجتياح تحت غطاء قصف جوي استهدف عدّة أهداف في المخيم، كما عمدت جرافات الإحتلال إلى جرف وتدمير عدد من الشوارع والمنازل والمركبات في جنين، ما أجبر مئات العائلات الفلسطينية التي تسكن المخيم على النزوح، في مشاهد شبّهها البعض بتلك التي ظهرت في عملية "السور الواقي" التي نفذها الاحتلال قبل حوالى عقدين من الزمن، وأحدثت دمارًا كبيرًا. 

ورغم ضبابية المسار، وتباين التوقعات حيال التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية في اليومين السابقين،  إلّا أن العدوان على جنين لم يدم سوى 48 ساعة فقط، بدأت بعدها قوات الإحتلال بالإنسحاب من مواقعها في المخيم مساء الثلاثاء،  غداة عملية اجتياح واسعة دمّر فيها المحتلّ البُنى التحتيّة في المخيم، الذي بقي عصيًّا على تطويعه رغم كل المجازر والدمار.  

وأعلن جيش الإحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الأربعاء، رسميًا سحب كامل قواته من المدينة ومخيّمها، وانتهاء العدوان. 

وبحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، بلغت حصيلة العدوان الإسرائيلي المتجدد على جنين 12 شهيداً، إضافة إلى نحو 100 جريح بينهم 20 في حالة الخطر.

ولكن، لا أحد يملك توقع ما ستؤول إليه الأمور في الأيام المقبلة، لا سيّما وأنّ الناطق بلسان جيش الاحتلال دانيال هجري، قال في مقابلة مع إذاعة "كان": "الحملة العسكرية إنتهت، لكن محاربة الإرهاب لم تنته"، على حد تعبيره، ما يشي بإحتمال تضييق الخناق أكثر على أهالي المخيم وارتفاع وتيرة الاعتقالات والملاحقات الأمنية... وربما الاغتيالات والتصفيات.


(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن