ثقافة

إلغاء تكريم عدنية شبلي: معرض "فرانكفورت" يستبيح الدم الفلسطيني

القاهرة - منى أبو النصر

المشاركة

قبل أيام من انعقاد دورته السنوية الجديدة، أثار القائمون على معرض "فرانكفورت" الدولي للكتاب حالة من الغضب في الأوساط العربية، بعد إعلانهم رسميًا إلغاء حفل تكريم الكاتبة والروائية الفلسطينية عدنية شبلي، والذي كان مُدرجًا ضمن فعاليات المعرض، الذي ينطلق في 18 من الشهر الجاري.

إلغاء تكريم عدنية شبلي: معرض

كان الحفل مُخصصًا لمنح الكاتبة عدنية شبلي جائزة "ليبراتور" عن روايتها "تفصيل ثانوي"، إلا أنّ الرئيس والمدير التنفيذي لمعرض "فرانكفورت" الدولي للكتاب، يورجن بوس، خرج ليعلن وقف منح الجائزة للكاتبة الفلسطينية، ضمن تصريحات تحمل تحيّزًا صريحًا لإسرائيل في حربها على غزة، إذ قال: "نحن ندين بشدة الإرهاب الهمجي لحماس ضد إسرائيل" على حد تعبيره، مضيفًا: "الإرهاب ضد إسرائيل يتناقض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب، لذلك يهدف معرض الكتاب إلى جعل الأصوات الإسرائيلية مرئية بشكل خاص في معرض الكتاب الآن".

"رسائل فرانكفورت"... والمقاطعة العربية

وسرعان ما استقبل العالم العربي "رسائل فرانكفورت" بإعلان المقاطعة، بدايةً من إعلان "هيئة الشارقة للكتاب" انسحابها من المعرض ووصفت الهيئة في تدوينة على حسابها على منصة "إكس" قرارات المعرض بأنها تعكس "تحيّزًا سياسيًا وإلغاءً لدور الحوار الذي تشجّعه الثقافة".

ثم سرعان ما لحق "اتحاد الناشرين العرب" بهذا القرار، عبر خطاب "رسمي" موجّه للمدير التنفيذي يورجن بوس، يفيد بقرار انسحاب الاتحاد من المشاركة في المعرض، وجاء في الخطاب: "يُعرب اتحاد الناشرين العرب عن أسفه العميق لموقفكم المنحاز وغير العادل تجاه الأحداث المأساوية التي تشهدها المنطقة، حيث يعيش الشعب الفلسطيني تحت أطول احتلال في التاريخ الحديث، وهو الاحتلال الذي تحوّل إلى نظام الفصل العنصري الذي يمارس أقصى الضغوط ويجعل من غزة سجنًا مفتوحًا لأكثر من 2.2 مليون شخص".

وذكّر بيان الاتحاد بأنّ أكثر من 1900 فلسطيني استُشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الستة من العدوان، وأكثر من 10% منهم من الأطفال.. "النظر إلى القضية من زاوية واحدة والقبول بهذا الظلم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني منذ عقود هو خطأ كبير، علاوة على ذلك، فإنّ تصريحاتك لا تعكس على الإطلاق العلاقات الاستثنائية التي تطوّرت على مر السنين بين إدارات معرض فرانكفورت للكتاب والناشرين العرب"، أضاف الاتحاد في بيانه معلنًا سحب مشاركته في معرض فرانكفورت للكتاب 2023.

ولحق بالخطاب الرسمي لاتحاد الناشرين العرب، مواقف انسحاب متتالية من دور نشر عربية، من بينها دار "سعاد الصباح للثقافة والإبداع" الذي أعلن إلغاء مشاركته في معرض فرانكفورت، ردًا على "دعم المعرض الصريح للاعتداء الصهيوني على أهلنا في غزّة واستباحة دماء المدنيين وقتل مئات الأطفال".

لم يكتف معرض فرانكفورت بإعلان انحيازه بشكل فجّ ضد فلسطين، بل عمد أيضًا إلى تخصيص جانب من فعالياته لدعم الأصوات اليهودية والإسرائيلية، واستضافة ممثلي الجالية اليهودية في ألمانيا، لتبرير الاعتداء الإسرائيلي، في الوقت الذي أعلن فيه عن سحب جائزة الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي وإلغاء تكريمها المقرّر سلفًا في المعرض.

كذلك، اعتذر عدد من الضيوف العرب المدعويين للمعرض عن المشاركة، من بينهم الكاتب الجزائري سعيد خطيبي والكاتب المصري شادي لويس بطرس، الذي كتب عبر حسابه الشخصي على "فيس بوك": "إلغاء تسليم جائزة عدنية شبلي دليل نهائي على تواطؤ المعرض وموقفه الاستعماري والعنصري، بل ومشاركته المباشرة في إخراس أصوات الفلسطينيين".

قمع سردية صاحب الأرض

ولاقت قرارات المقاطعة ارتياحًا في الأوساط الثقافية العربية، حتى وإن كان تأثيرها لا يعدو كونه تأثيرًا "رمزيًا"، كما يصف الناشر المصري محمد البعلي، مؤسس ومدير دار "صفصافة" للنشر بالقاهرة، ويقول: "إنّ تلك المقاطعة لها رسالة رمزية، حتى وإن لم تكن مؤثرة بسبب أن المشاركة العربية في فرانكفورت بشكل عام محدودة، فهو معرض غربي وأوروبي بشكل أكثر تحديدًا، لكن مقاطعة هيئات عربية للمعرض، هو إعلان واضح لرفض موقف معرض فرانكفورت الذي أعلن بشكل قاطع انحيازه لرؤية تل أبيب للأحداث الراهنة، وقمع الصوت الفلسطيني ممثلًا في إلغاء حفل الكاتبة الفلسطينية عدنية شلبي، وروايتها التي تقدّم الصراع العربي الإسرائيلي بالرؤية الفلسطينية، وهي الرؤية التي ترفضها فرانكفورت، وبناءً عليه تُقمع السردية الفلسطينية للأحداث، وسط انحياز كامل للسردية الإسرائيلية، وهذا أمر مؤسف من مثقفين من المفترض أن يكون انحيازهم بالأساس لحرية التعبير".

ومن جانبه يرى الكاتب والروائي السوري سومر شحادة أنّ "رواية عدنية شبلي تدور حول اغتصاب ومن ثمَّ قتل فتاة فلسطينية، وهذا باختصار حقيقة ما حدث بفلسطين ككل. وأن تَرى المؤسسة الغربية في هذه الحبكة الواقعية معاداةً للسامية، فيه شيءٌ من النكران الذي اعتدنا عليه من عموم المؤسسة الثقافية الغربية، فهم يرفضون الحقيقة، يرفضون حقيقة ما حدث، يرفضون الاعتراف بأنَّهم كانوا – ولا يزالون حتى الآن - يقفون إلى جانب القتلة، إلى جانب عصابات الإبادة والإرهاب الصهيوني، العصابات التي عرفت بمؤازرة الغرب طريقًا إلى الأمم المتحدة. ومن ثمَّ أرادوا إملاء وجود كيان الاحتلال داخل سردية المنطقة".

ويشدّد سومر شحادة على أنّ "إقصاء الكاتبة الفلسطينية، ما هو إلا إقصاء لسردية أصحاب الأرض، ومحاولة محو التاريخ وتقييد رواية أهل الأرض لصالح دعم سردية الاحتلال، سردية المغتصب"، مضيفًا: "باختصار، فإنَّ إقصاء سردية الفتاة المُغتصَبَة ما هو إلا إشهار لسردية الجندي المُغتصِب".

ويضيف شحادة، صاحب رواية "منازل الأمس": "حتى مع مقاطعة المعرض، فالناشرون العرب ما زالوا مقصّرين. لكن بالحد الأدنى مقاطعة المعرض، خطوة احتجاج واجبة، ربما تساعد أقلّه على إيصال صوت الاعتراض على سلب الحقوق". وأردف في رسالة توجّه بها إلى المؤسسات الثقافية الغربية بالقول: "ليس بتلك السهولة جعل سردية الاحتلال السردية الوحيدة، وليس بتلك السهولة سلب حق أصحاب الأرض في القول والاعتراض ورواية التاريخ من جانبهم"، محذرًا من محاولات تصفية القضية الفلسطينية، مع التشديد في المقابل على وجوب "أن تبقى فلسطين في وجدان الثقافة العربية، وفي ضمير الثقافة".

وحازت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، المقيمة في برلين، من مواليد 1974، على العديد من التكريمات عن أعمالها الأدبية، ومن أبرزها "مساس" (٢٠٠٢)، و"كلنا بعيد بذات القدر عن الحب" (٢٠٠٤) اللتان حازتا على جائزة مؤسسة "عبد المحسن القطّان" للكتاب.

كما وصلت روايتها "تفصيل ثانوي" للقائمة الطويلة لجائزة "مان بوكر" في لندن عام 2021، وهي الرواية التي تدور أحداثها حول جريمة دفن جثة فتاة فلسطينية على يد جنود إسرائيليون بعدما قاموا باغتصابها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن