لا يجد الخبراء صعوبة في فهم طبيعة الحرب التي تفجّرت على بُعد خطوات من "الباب المفتوح" على تسوية سلميّة في الشرق الأوسط، جرى الحديث عن إعتمادها من دون مقاربة مستقبل قضية العرب المركزية، وتفهّم مأساة عشرات السنين، تخلّلتها حروب وجرائم ومجازر وآلام، تسبّب بها إحتلال إسرائيلي يتمتّع بقوة الأغبياء في حكومة يمينية متطرّفة/عنصرية تريد الأرض واقعًا، وكل شيء بالعنف والتمييز والغطرسة والاستمرار في بناء المستوطنات والجدران العازلة، ومن دون معالجة القضايا الأساسية بصورة فعّالة، وأولاها إعطاء الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم، وحقوقهم المشروعة الأخرى، وفقًا لقرارات منظمة الأمم المتحدة.
العالم لم يتعلّم كيف يتكيّف مع شروط السلام، وأن يقرأ في نتائج غرس نسيج غريب تحوّل كارثيًا
السلام الحقيقي يستلّزم فهمًا عميقًا لجذور الأزمة، ولعدم التناسب القانوني بين محتل إسرائيلي مقيم ومستوطن داخل الحدود الوطنية الفلسطينية وخارجها. إسرائيل ماضٍ قديم من الحروب، التي ترتدي موحيات تاريخية بأساليب واتجاهات من فنون التضليل، لا تطلّ مطلقًا على مستقبل شرق أوسط جديد. ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا "العنوان"، من منظور الوضع الملتهب في الأراضي الفلسطينية، وفي المعطى الذي كان معلّقًا على التداول بالسيطرة الأميركية.
وهم التحكم بالمنطقة سقط على يد مجموعة من الشباب الفلسطيني مثّلت إنقلابًا على تاريخ مليء بالأعمال العنفية والجرائم وأعمال القتل والتمييز الديني والعنصري والسياسي والإيديولوجي. العالم لم يتعلّم كيف يتكيّف ويتعايش مع شروط السلام، وأن يلقي احترامًا وتفهّمًا لمعاناة الشعب الفلسطيني، ويقرأ في نتائج غرس نسيج غريب تحوّل كارثيًا، بدل أن يذهب إلى توضيح كيفية إنهاء الحروب، أو تقليص خطر توسّعها في أوكرانيا مع كل تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على شعوب العالم. فيعمد إلى تغذية عوامل متعدّدة تتفاعل لتعجّل في حدوث حرب عقائدية ودينية أخرى من قادة النظام السياسي العالمي نفسه، في حين مطلوب تحرّي مستويات من تعقيدات المسألة، لا تراكمات لزمن التمييز وإستخداماته، ولإدانة مجموعة فلسطينية تقاتل عدوًا قتلها مرّات. فتأتي المقاربة (السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط)، مجحفة كأن تكون "حماس" هي المعتدية ويعزل كل ما يجري عن سياقاته التاريحية، ويختزل بين خير وشر، بين محتل تعدّدي الجنسيات من كل أرجاء العالم، وبين شعب فلسطيني ضحية إستيطان البرابرة الجدد.
إسرائيل تستدعي مئات الآلاف من الإحتياط العالمي لمواجهة شعب إنهارت مقوّمات عيشه
"أوقفوا الإحتلال اذا أردتم أن تنتهي المشكلة" (تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا). ليست فكرة عابرة وبسيطة المساواة بين فئة مقاتلين من الشعب، وحكومة احتلال عليها التأكيد على مسؤولياتها عن المقيمين ضمن نطاق سلطتها. وسط كل هذه الدماء والأشلاء والخوف، كثيرة هي القضايا التي ينبغي على العالم فهمها (ميشيل سيبوني الناشطة اليهودية الليبرالية)، لتصوّر الحالة التي يعيشها الفلسطينيون في مجابهات تنزع عنهم حيواتهم منذ العام 1948، وتشكّل الحرب وسيلة لإحداث تغيير ما، ولمحاولة تدمير جدران تحاصرهم بأسلاك حديدية.
عالم لا يدرك أهوال الحرب المستمرة على الفلسطينيين أمر غير محتمل. الحياة الفلسطينية هي المعرّضة للخطر، وعذابات ذوي الأسرى والأطفال المتشردين واللاجئين. إسرائيل تستدعي مئات الآلاف من الإحتياط العالمي وكل مخلّفات الحرب الباردة لمواجهة شعب إنهارت مقوّمات عيشه، من تعطيل إمدادات غذائية، معابر، تدمير، جرحى، جوعى... ويواجه مسألة غير منفصلة عن إحتلال ما فوق القانون الإنساني الدولي، وما يعطّل بناء حياته من جديد.
(خاص "عروبة 22")