أمضى المؤرخ الشهير آرنولد توينبي، سنواتٍ طويلةً في دراسة الحضارات البشرية، ومن تلك الدراسة الشاملة الدقيقة استخلصَ نظريته الشهيرة، نظرية "التحدي والاستجابة"، التي صارت من أهم النظريات التاريخية، وربما أقدر تلك النظريات على تفسير نشوء وارتقاء الحضارات وتطور المجتمعات البشرية.
يرى توينبي أنَّ الأمم تتعرض لأنواع مختلفة من التحديات التي تتفاوت في قوّتها وقسوتها، وأن درجة التحدي وطبيعة الاستجابة هي التي تُحدِّد مصير الأمّة وموقعها في سُلَّم القوة والضعف بين الأمم، فإذا كان التحدي الذي تواجهه الجماعة البشرية قويًا جدًا فقد يقضي عليها، وإذا كان ضعيفًا جدًا فلن يستثير طاقاتها الكامنة، وسوف تبقى على حالتها الأصلية من الضعف والخمول.
المحن والأوجاع التي مرَّت على الأمة العربية كثيرة وتسببت في إضعاف الجسد العربي لكنها لم تقتله، وهذه نقطة هامة، وقد تكون الإرادة السياسية الحقة والرؤية الاستراتيجية والتنزيل الصحيح للأفكار والبرامج، أحد أهم الخيارات لكي تنهض كل أمة أيا كانت المحن التي تتعرّض لها، وهذا ما ينشده المواطن العربي.
الأكيد أنه عبر الجذور التاريخية للمحن العربية، بيئتنا الثقافية لا تسمح بالاستسلام، لأنّنا أمة متجذرة في الأرض والتاريخ.
عند المحن نتذكّر أنفسنا أكثر، وتظهر تلك القيم العميقة الراسخة في المجتمعات العربية، قيم التآزر والتضامن والوحدة، وتتعمّق روح الأمّة وتتجذّر.
لكن كيف نستغل هذا الرصيد العربي الإنساني والشعبي في وقت الضيق والمحن، لبناء رؤية تنشد بناء مشروع نهضوي يبني الحجر ويعيد إحياء البشر ويصنع مشروعًا حضاريًا جماعيًا للمنطقة العربية؟ سؤال نواجهه جميعاً في المنطقة العربية، دون استثناء.
