حين أعلنت العديد من دول العالم المؤثرة ترحيبها بالدعوة المصرية لاستضافة «قمة عربية إقليمية دولية»، تُلقي على جميع الأطراف المعنية مسؤولية إخراج القضية الفلسطينية من الوضع المتدهور الذي تجمدت فيه، فإن الترحيب من جانب مجموع هذه الدول بحضور المؤتمر يخرج العديد منها من موقف المتفرج بلا فعل أو تأثير، أمام جموع دول تريد السلام للجميع.
الدعوة شملت دولاً فاعلة في محيطها الإقليمي كالسعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومعها مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن، فضلاً عن جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأيضاً الاتحاد الأوروبي، وبالطبع الصين وروسيا.
وسط هذا التجمع العربي الإقليمي الدولي، تتوفر الفرصة إلى تبصر المسار المعوج الذي تمّ دفع القضية الفلسطينية إليه، والذي وصل إلى انفجار الاشتباكات المسلحة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، ثم توسيع إسرائيل دائرة المواجهة إلى حد الإبادة الجماعية لغزة بسكانها، والتدمير لمبانيها فوق سكانها.
ولنا أن نلاحظ أن فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ظلت تطرح السنوات الماضية، لكن دون أن تؤخذ على محمل الجد، وحالت المعوقات دون تنفيذها، وإذا كانت الولايات المتحدة قد حملت نفسها رسمياً صفة الوسيط النزيه، فإنها لم تتخذ عملياً خطوة واحدة في هذا الاتجاه لنقل الصفة من الساحة النظرية للقضية إلى ساحة الفعل، واكتفت بسياسة القول دون الفعل، وهو ما كان له ردود أفعال تنتقد هذا السلوك. من ذلك ما أعلنه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بالقول إن الولايات المتحدة تردد مراراً وتكراراً تأييدها لحل الدولتين، دون أن تقرن الكلام بالفعل. وتركت الأزمة تدور حول نفسها، إلى أن تصاعدت إلى حد الخطورة. وهو نفس ما أعلنه قبل أيام جوزيب بوريل ممثل السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، من أن العالم فشل طوال 30 عاماً في الجهود الرامية إلى إيجاد حل الدولتين.
نفس التقييم تحدثت عنه مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في دراسة مطولة بقولها: نحن أمام سجل تاريخي لأمريكا والدول الغربية طوال 75عاماً. وهم يتكلمون عن تقرير المصير للفلسطينيين، وصولاً إلى حل الدولتين، بينما هم أنفسهم يعلمون أن القضاء على حل الدولتين هو الذي زرع بذور هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية الأخير على إسرائيل. من ثم لم يعد هناك الآن مفر من الدعوة لمؤتمر دولي للسلام.
ثم عادت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بعد إعلان المبادرة المصرية، لتنشر تحت عنوان «نظرة الغرب لأزمة الشرق الأوسط»، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالقول إن المجتمع الدولي يحمل جانباً من مسؤولية ترك النزاع يزداد خطورة، وقبول احتلال إسرائيلي هو الأطول في التاريخ المعاصر. لقد اصطدمت الدعوات المتكررة لانعقاد مؤتمر دولي بجدار صلب، فقد سبق للأمم المتحدة أن دعت لمؤتمر دولي لمناقشة مختلف جوانب القضية الفلسطينية، وطرح حلول للوصول من خلالها إلى إنهاء النزاع.
إن أهمية «مؤتمر القاهرة للسلام» جاءت من مشاركة أطراف مباشرة في القضية المطروحة عليه، كالدول العربية، ودول إقليمية لها اهتمامها وتأثيرها ورؤيتها مع قوى سبق أن كانت لها مواقف تجمدت عند حل القول دون الفعل.
كان الحضور الكبير للوفود المشاركة في مؤتمر القاهرة للسلام، تعبيراً عن إدراك أن العالم يواجه موقفاً معبأً بالمخاطر التي لا تحتمل التأجيل.
ورغم اختلاف الآراء تجاه ما يتعلق بجذور الأزمة الراهنة، فإن الجميع تقريباً لم يكن بينهم خلاف على أن السبب الحقيقي للأزمة يرجع إلى عدم إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وأن جميع المساعي الدبلوماسية التي بذلتها قوى كبيرة خلال عشرات السنين الماضية كانت تدور حول نفسها دون خطوة واحدة للأمام.
هنا يكون من المهم الترحيب بما أجمعت عليه كلمات بعض الوفود من أنه لا مهرب من إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق مبدأ حل الدولتين، وهي النتيجة التي كانت مرجوة من هذا المؤتمر المهم.
("الخليج") الإماراتية