قضايا العرب

المغاربة متّحدون خلف فلسطين.. "غزة قبل تازة"!

الرباط - حسن الأشرف

المشاركة

أعادت الحرب التي يشنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة إلى واجهة النقاش مدى مركزية القضية الفلسطينية عند الكثير من الدول العربية، حكّامًا وشعوبًا، بالنظر إلى المسيرات المتضامنة مع الفلسطينيين الذين يُقتلون يوميًا على يد الآلة الإسرائيلية الجهنّمية.

المغاربة متّحدون خلف فلسطين..

ولم يشذ المغرب عن هذا المشهد العربي حيال ما يجري على أرض غزّة، بحيث انبرى ملايين المغاربة إلى إبداء التضامن والتعاطف مع ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية، بالتوازي مع إعراب "المغرب الرسمي" رفضه الشديد لـ"قتل المدنيين" والتهجير القسري للفلسطينيين.

ويبدو أنّ المقولة الرائجة في المغرب "تازة قبل غزة"، ومفادها ضرورة الاهتمام بقضايا الداخل (تازة مدينة في المغرب) كأولوية قبل الاهتمام بما يجري في فلسطين، لم يعد لها مكان في "القاموس المغربي"، بدليل توحّد جميع الأطياف الشعبية والسياسية تقريبًا لنصرة فلسطين، تمامًا مثل الدفاع عن قضية الصحراء المغربية.

فلسطين قضية وطنية

ويؤكد في هذا الصدد الدكتور أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية "عمق وقوة علاقة الشعب والنخب المغربية بالقضية الفلسطينية"، وقال لـ"عروبة 22": "حين تصبح فلسطين قضية وطنية، فمعنى ذلك أنّ هناك إجماعًا وطنيًا لدى كل التيارات والنخب السياسية، سواء كانت في اليمين أو اليسار، وسواء كانت مرجعتيها إسلامية أو اشتراكية أو ليبرالية، على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المادية والمعنوية في نضاله من أجل التحرّر وبناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف".

وأردف نور الدين مضيفًا: "لا أعرف مظاهرات في الشارع المغربي يجتمع فيها كل الطّيف السياسي المغربي غير تلك المتصلة بقضية فلسطين وقضية الصحراء المغربية، رغم اختلاف المرجعيات الإيديولوجية حد التناقض أحيانًا بين تلك الأحزاب، فلا يمكن أن تجد حزبًا سياسيًا في المغرب لا تحضر القضية الفلسطينية في أجندته السياسية على المستوى الوطني، وعلى مستوى الأمميات الاشتراكية والليبرالية التي تشارك فيها تلك الأحزاب، كما أنّ البرلمان المغربي يعطي لفلسطين مكانة خاصة، وحريص على عضوية لجان الدفاع عن فلسطين في البرلمانات العربية والإسلامية، ويراسل البرلمانات العالمية عند كل الأزمات لدعم القضية".

إجماع شعبي دعمًا لفلسطين

كما يلفت نور الدين إلى أنّ "هذا التضامن مع فلسطين ينطبق أيضًا على جمعيات المجتمع المدني والتنظيمات النقابية والطلابية، وداخل النخب المُثقفة والأكاديمية، ويترجم هذا التعاطف من خلال الكتابات والمواقف والمظاهرات المليونية التي تشهدها الرباط والدار البيضاء وباقي المدن المغربية، ومن خلال الدعم الذي تقدّمه كل فئات الشعب المغربي، سواءً من خلال التبرّعات المفتوحة على مدار السنة في حساب "بيت مال القدس"، أو عبر جمعية "دعم كفاح الشعب الفلسطيني" وباقي الجمعيات".

وأضاف: "شاهدنا صورًا ملهمة لهذا الدعم الشعبي غير الحكومي في الحروب التي تعرّضت لها غزّة، حيث توافدت فرق من الأطباء المتطوّعين، بالإضافة إلى المساعدات العينية بالأدوية والمعدات الطبية والمساعدات المالية، وكل ذلك يأتي خارج الدعم الرسمي الذي تقدّمه المملكة المغربية لدعم صمود الفلسطينيين في غزّة من خلال المستشفيات الميدانية، وبناء مرافق عامة منها كلية الزراعة ومطار غزّة وغيرها من البنية التحتية، بالإضافة إلى الدعم المقدّم لسكّان القدس"، مشددًا على أنّ "التضامن المغربي الشعبي ثابت منذ قيام الدولة العبرية سنة 1948، حيث شارك المتطوعون المغاربة حسب انتماءاتهم السياسية في القتال إلى جانب التنظيمات الفلسطينية خاصة بعد اجتياح لبنان، وقد كان هناك شهداء وأسرى مغاربة لدى إسرائيل، إلى جانب الشهداء الذين قدّمهم الجيش المغربي في معارك الجولان سنة 1973".

وخلص إلى أن "كل هذا يجعل من قضية فلسطين حاضرة في وجدان كل مغربي، بالإضافة إلى الاعتبارات الدينية والصوفية والإنسانية والتاريخية التي تربط المغاربة بفلسطين منذ مشاركة جيش يعقوب المنصور الموحدي بأسطول بحري كبير إلى جانب صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس، وقد كان له الأثر البالغ في توطين أعداد كبيرة من العائلات المغربية في القدس والمدن الفلسطينية والتي لا زالت إلى اليوم تحمل أسماء عائلية مغربية أصيلة".

روابط العروبة والإسلام

من جانبه أفاد الدكتور المحجوب بنسعيد، الخبير في التواصل الحضاري، أنّ "تعاطي المغرب الرسمي والشعبي مع القضية الفلسطينية ظلّ منذ عقود مستندًا إلى روابط العروبة والإسلام، وقرارات جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة التي تؤكد جميعها على حق الشعب الفلسطيني في وطن مستقل مثل باقي شعوب العالم".

ويشرح بنسعيد، لـ"عروبة 22"، أنه "على المستوى الرسمي يضع الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، القضية الفلسطينية وقضية القدس الشريف في أعلى سلّم أولوياته منذ توليه مقاليد الحكم بعد رحيل والده الملك الحسن الثاني عام 1999، إذ ظلّ المغرب مدافعًا عن القضية الفلسطينية والقدس الشريف في جميع القمم العربية والإسلامية والملتقيات الدولية، من قبيل احتضان المغرب القمة العربية في الرباط سنة 1974، وفيها تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للفلسطينيين".

وعلى المستوى العسكري، يردف بنسعيد، "أرسل المغرب خلال حرب أكتوبر 1973 كتيبة عسكرية لتحارب على الجبهة السورية، وبمناسبة قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 تمّ التبادل الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل، كما تم فتح سفارة مغربية في مناطق السلطة الفلسطينية تحديدًا في غزّة، ولكن بعد انتفاضة الأقصى قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني واحتفظت بسفارتها في مناطق السلطة".

أما على المستوى الشعبي، وفق بنسعيد، فتأسّست في المغرب الجمعية المغربية لمساندة الشعب الفلسطيني منذ عام 1968، كما يُعد المغرب من أكثر الدول العربية التي تشهد مسيرات مليونية لنصرة الشعب الفلسطيني ردًا على العدوان الصهيوني وضد التطبيع، مضيفًا: "لم يحتكر هذه المواقف والمظاهرات حزب معين من الأحزاب المغربية، بل كانت تشارك فيها قيادات وكوادر جميع الأحزاب المغربية، وأحيانًا تكون مطالب هذه التظاهرات معاكسة للموقف الرسمي للمغرب، مثل ما حصل مؤخرًا عندما رفع المحتجون شعارات تطالب بإلغاء اتفاقيات التطبيع بين الرباط وتل أبيب".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن