لم يجانب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الصواب، حين أشار إلى أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي نتاج احتقان وحالة من الغضب، على احتلال إسرائيلي استمر لأكثر من ستة وخمسين عاماً، منذ الخامس من يونيو/حزيران 1967. وغوتيرش بهذا التصريح، لم يكن مع منح الفلسطينيين ضوءاً أخضر لمواجهة جيش الاحتلال، ولكنه يضع النقاط على الحروف. فالمحتل، ليس بمقدوره وضع بوصلة دقيقة لردود الفعل الفلسطينية على انتهاكاته. وما دام الاحتلال قائماً فهناك دائماً نذر لمواجهات مستمرة معه، ورد فعل لكل فعل.
لقد شهد قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هجوماً وحشياً ضارياً، من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تشمل تبعاته حركة حماس، التي نفذت العملية، بل طالت أكثر من 7500 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، والمجتمع الدولي لا يزال عاجزاً عن لجم حرب الإبادة. وهذا العجز هو انعكاس للصراع المحتدم بين القوى الدولية، القادرة على التأثير في توجيه دفة السياسة الأممية. فقد فشل مجلس الأمن الدولي في تبني أي قرار يدعو لوقف فوري لإطلاق النار، والعودة لطاولة المفاوضات، على ضوء القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وأهمها القراران 242 و338، وذلك بسبب استخدام الولايات المتحدة لحق النقض.
لقد أدى عجز مجلس الأمن الدولي، عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، الدول العربية، إلى اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث تقدمت بمشروع عربي، طالب بالوقف الفوري للحرب على غزة، والامتناع عن قتل المدنيين. وقد حظي المشروع بتصويت أغلبية أعضاء الأمم المتحدة عليه؛ حيث جرى تبنيه من قبل 120 دولة من الأعضاء.
إن أهم درس، ينبغي أن يستخلصه العرب، قادةً وشعوباً، هو أن الأمة تكون أقوى حين تجتمع على كلمة سواء. وأن سر قوة الأمة هو في وحدتها. وقد أثبتت نتائج التصويت على القرار العربي في الأمم المتحدة، أن العرب، متى ما اجتمعوا على موقف واحد، يستطيعون أن يفرضوا على العالم احترام مصالحهم وسياساتهم، وأن تفرق مواقفهم من شأنه تمكين الآخرين من المسّ بأمنهم القومي والوطني.
ما يطالب به العرب، لا يشكل تحدياً أو عدواناً على الآخرين، بل صيانة أمنهم وحقوقهم، التي كفلتها شرعة الأمم، ومن ضمن ذلك حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس، وهي مطالب قد جرى تبنيها على الصعيد الرسمي، قبل خمسين عاماً من هذا التاريخ، مباشرة بعد انتهاء معركة العبور عام 1973. وقد مثلت في حينه تنازلاً من الضحية عن حقوق تاريخية ثابتة، عبّر عنها وجود الشعب الفلسطيني في أرضه، وفي سلسلة متصلة، لأكثر من خمسة آلاف عام. وقد كان المؤمل، أن يشكل الانتقال السياسي الكبير، الذي أقدمت عليه منظمة التحرير الفلسطينية، بعد معركة العبور، ومساندة القادة العرب لهذا الانتقال، خطوة كبيرة، على طريق تحقيق اختراق مهم تقبل به جميع الأطراف لحل القضية الفلسطينية. وساعد على هذا التصور تبني رؤساء أمريكيين مثل جيمي كارتر وبيل كلنتون، وجورج بوش الأب، لهذا الحل. لكن كل هذه الآمال باتت بالسراب.
في مطالع الثمانينات من القرن الماضي، طرح الملك فهد، الذي كان في حينه ولياً للعهد، مشروعاً للحل، قائماً على الاعتراف المتبادل بين دول المنطقة، على أساس الإقرار بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. وأقرت حكومة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بأن القرار يشكل اختراقاً عربياً إيجابياً، وقاعدة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن حكومة مناحيم بيغين رفضت ذلك القرار، واعتبرته لا يساوي الحبر الذي كتب فيه، ثم سارعت في التوسع ببناء المستوطنات بالضفة الغربية، والإمعان بالتنكيل بالفلسطينيين ومصادرة أراضيهم.
الموقف العربي الحازم، في الأمم المتحدة ينبغي أن يبنى عليه، بالمزيد من التضامن والتنسيق بين الأقطار العربية، والارتقاء بالعمل العربي المشترك، ليشمل الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، فذلك هو السبيل، لأخذ المكان اللائق بين الأمم، في عالم لا يحترم سوى الأقوياء ولغة القوة.
وفي الوقت الراهن، فإن المطلوب هو تكثيف الجهود العربية، لوقف المحرقة في غزة، وحماية أرواح المدنيين، والتوجه قدماً نحو الحل السلمي للأزمة، بما يضمن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه الثابت في إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني، وعندها يتأكد للعالم أجمع أن الأمة العربية تقف على قلب رجل واحد، حين يتعلق الأمر بقضاياها المصيرية.
("الخليج") الإماراتية