عندما سئل وزير الخارجية الأمريكي في العاصمة الأردنية عمان عقب اجتماع مع عدد من نظرائه العرب عن عدد القتلى الذي تنتظره الولايات المتحدة حتى تتحرك لوقف النار في غزة، بعد أن تجاوز الشهداء 10 آلاف والجرحى الـ25 ألفا، قال بكل تبجح إن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى «إبقاء حماس في مكانها»، مخيبا آمال الطرف العربي الذي ألح وزراؤه على وقف فوري للنار يجنب سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء.
بلينكن الذي عرف عن نفسه بأنه يهودي قبل أن يكون وزيرا للخارجية الأمريكية في زيارته الأولى إلى تل أبيب عقب هجوم المقاومة الفلسطينية فى 7 أكتوبر الماضي على مستوطنات غلاف غزة، اكتفى خلال اجتماع عمان الذي عقد مطلع هذا الأسبوع، بالحديث عن «هدنة إنسانية» تتيح إدخال المزيد من المساعدات، على الرغم من حضه الإسرائيليين على الإسراع في مهمة قتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين لكن «بشياكة»، وبما لا يغضب الرأي العام العالمي.
فقبل يوم واحد من اجتماعه مع وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، كان بلينكن منخرطا في اجتماع مماثل مع الفريق الذي يقود الحرب في إسرائيل، والذي يضم كلا من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، ووزير الدولة، بينى غانتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادى أيزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر ومعهم رؤساء الأجهزة الأمنية.
وعلى عكس تجاهله للمطالب العربية بالوقف الفوري للعدوان على غزة، كرر بلينكن، خلال اجتماعه مع نتنياهو وطغمته، تأكيد التزامه بدعم إسرائيل في عدوانها، لكنه تذمر، وفق ما تسرب عن اللقاء، من أنه على الرغم من «مرور نحو الشهر على شن الحرب والأسبوع الأول من الاجتياح البري، لم يحقق الجيش الإسرائيلي شيئا ملموسا، مما يزيد العبء على الأمريكيين في توفير الغطاء الدولي للإسرائيليين».
وبصورة أوضح قال بلينكن إن الجنرالات الأمريكيين كانوا ينتظرون أن تنجز هذه العمليات (الحربية) شيئا يتيح للجيش الإسرائيلي استعادة قوة ردعه واحترامه في العالم، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ووجه كلامه لفريق الحرب الإسرائيلي قائلا: «أنتم تعرفون ولا شك أننا وفرنا لكم ولا نزال غطاء سياسيا دوليا كبيرا، لكن الوقت يمر والعالم يشاهد صور أطفال غزة، وينقلب ضدكم وضدنا».
وحتى يكون ذبح المدنيين الفلسطينيين بالشوكة والسكين على مائدة القتل الإسرائيلية تقمص وزير الدبلوماسية الأمريكية دور المخطط العسكري، مطالبا جنرالات تل أبيب بتغيير «تكتيك الحرب»، حتى يحققوا انتصارا واضحا على «حماس»، ناصحا إياهم بتخفيف «القصف الجوى الجارف»، والعودة إلى «العمليات الجراحية العينية»، واستخدام «قنابل أخف تحدث ضررا عينيا وليس دمارا شاملا» لأن «التأييد (الغربي لإسرائيل) الذي كان جارفا في 7 أكتوبر بدأ يتآكل بسرعة».
الغريب في الأمر هو استمرار التعاطي العربي مع هذا الوزير الأمريكي الذي فقد أية مصداقية بإعلانه الانحياز السافر إلى تل أبيب، باعتباره يهوديا، بل والجلوس في قمرة قيادة العدوان على غزة بشكل مفضوح.
وفي تقديري فإن تشجيع بلينكن الواضح لاستمرار إسرائيل في عدوانها على المدنيين الفلسطينيين حتى «تحقيق النصر» الذي يبدو عصيا حتى الآن، كان دافعا قويا، لوزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو لإطلاق تهديد بضرب غزة بقنبلة نووية، ما أوقع نتنياهو وحلفاءه في الداخل والخارج في حرج بالغ، لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية اكتفى بتجميد حضور الوزير، الذي وصف تصريحاته بأنها غير مسؤولة، اجتماعات الحكومة لأجل غير مسمى!!
دخل العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الثاني بتمسك إسرائيل بعملية عسكرية ذات سقف زمني مفتوح، واستعجال أمريكي لاختصارها، لأن وقت التأييد الغربي بدأ ينفد مع التظاهرات التي تتصاعد في الشوارع الأوروبية والأمريكية، لكن لا خلاف في واشنطن وتل أبيب على رفض وقف إطلاق النار أو القتل بالأحرى، حتى إشعار آخر.
("الشروق") المصرية