في خطابه الأخير تعليقًا على حرب غزة، أعلن أمين عام "حزب الله" عن غير قصد نهاية عصر الخطابات الحماسية والحروب الكلامية التي كانت سائدة في الستينات والسبعينات. خطاب حافل بالتناقضات والعبارات الرمادية والهروب إلى مخبأ (الخيارات أو الاحتمالات المفتوحة) وهذه عبارة أصبحت لازمة ضرورية لمن يحاربون عن بُعد ويلقون الخطابات الحماسية التي تتسم (بالوضوح والغموض) كما فعل في خطابه الأخير.
الخطاب هو نسخة من خطابات الستينات والسبعينات التي كانت تعد الناس بالحرية والانتصار وكانت تقابل بالتصفيق والصراخ وحين اتضحت الحقيقة كانت الفجوة كبيرة بين ما يقال في الخطابات وبين الواقع، في عصرنا الحاضر هل يوجد على هذا الكوكب من يصدق خطابات من هذا النوع، العالم الآن يتحدث بلغة الحقائق والأرقام وليس اللغة الإنشائية وعبارات التهديد والوعيد التي سيطرت فترة من الزمن على خطاب بعض السياسيين وتوارثها حزب الله لأنه يمثل دولة تعتقد أن الخطابات الحماسية هي الوسيلة المؤثرة في خداع الشعوب العربية.
الخطاب الحماسي يسبقه حملة تسويقية إعلامية تصوره بأنه القول الفصل والمنقذ والحل والحسم. بعد الخطاب يتضح أنه خطاب بلا مضمون مفيد، وبلا رسالة، وهو مجرد حلقة جديدة هدفها استمرار الحزب وكسب الشعبية على حساب القضية الفلسطينية العادلة، هي حالة تمثل قمة التناقض فهذا الحزب الذي يمثل دولة محتلة ينصب نفسه عدوا للمحتل الإسرائيلي، ونصيرا لحرية فلسطين. حزبية على حساب الوطن، ومتاجرة واضحة مفضوحة بقضية فلسطين.
خطابات القومية العربية التي كانت تنتظرها الشعوب العربية وتصفق لها جاءت بنتائج مخيبة لهذه الشعوب، اليوم يواجه العالم العربي خطابات اختارت شعار الممانعة والمقاومة، شعارا يستند إلى استغلال العاطفة لتغطية أهدافه الحقيقية.
ستنتهي الخطابات الحماسية، ليس لأنها مملة وطويلة ومكررة فقط، وإنما أيضا لأن أهدافها انكشفت، ولأنها وسيلة للخداع أو تغطية الفشل. القيادات الوطنية الفاعلة المنجزة لا تحتاج إلى خطابات حماسية طويلة إنشائية، خطابها هو الواقع الملموس والإنجازات على كافة المستويات. خطابها هو العلم والعمل والمصداقية والإنجازات والحقائق وليس الشعارات والأكاذيب.
إن نهاية عصر الخطابات الحماسية غير الواقعية التي يضطر أبطالها لممارسة الصراخ لتحقيق الـتأثير المطلوب في المتلقي، هذه النهاية المتوقعة هي مقدمة لنهاية الجماعات والأحزاب التي تدمن هذه الخطابات للوصول إلى أهدافها الخاصة التي لم تعد مجهولة.
("الرياض")